المحتوى الرئيسى

"الربيع العربي خلع الأعشاب الضارة ولم يقتلعها من الجذور"

05/17 08:30

قنطره: كيف تنظرين الي الوضع في اليمن وبالاخص في ظل الحرب الدائره في البلاد الان؟

ساره اسحاق: الوضع صعب جداً. الناس في اليمن خائفون ومكتئبون ومرهقون من العنف. هناك حاله استقطاب كبيره في البلاد، تشعلها بشكل رئيسي وسائل الاعلام. هناك حقد وكراهيه متفشيان في الشعب، وهذا ما يثير الحزن. المشكله ان الشعب لم يعد متماسكاً. ايام الثوره كان الشعب متحداً وكان له هدف واحد، وهو اسقاط نظام علي عبد الله صالح. ولكن لم يكن لدي الثوار انذاك تصور واضح لما سيحدث بعد ذلك. ما يحزنني الان هو ان شباب الثوره انفسهم، والذين كانوا متحدين ومتكاتفين ابان الثوره، اصبحوا الان يحاربون ويخاصمون بعضهم البعض.

المشكله هي ان علي عبدالله صالح ظل يتمتع حتي بعد خلعه بالحصانه، وبدعم مجلس التعاون الخليجي، وظل يمسك بزمام الامور من وراء الكواليس. ومن جانب اخر كان الحوثيون والانفصاليون الجنوبيون مهمشين طيله فتره الحوار الوطني. وبشكل عام هناك الكثير من فئات الشعب التي لم تستطع ان تشارك في العمليه السياسيه بعد الثوره وان تعبر عن مطالبها. اما الان وبعد احتدام النزاع مع الحوثيين، يبدو الصراع الان وكانه صراع طائفي. غير انني اعتقد ان الصراع في الاساس هو صراع علي الهويه وعلي نظام الحكم في البلاد.

فالكثير من فئات الشعب اليمني يعتقدون ان السلطه الحاكمه لا تمثلهم ولا تهتم بهم. هذا هو ما خلق الوضع المعقد الذي نعيشه اليوم. اما بالنسبه لجارتنا السعوديه، التي تقود هجوم "عاصفه الحزم" علي اليمن، فلا تريد ان تري اقليه شيعيه تحكم في اليمن، الذي تعتبره السعوديه فناءها الخلفي. وكما هي الحال في كل حرب، المدنيون هم من يدفع ثمن هذه الحرب وهم اكثر من يعاني من الضربات الجويه والقتال علي الارض.

ساره اسحاق: الناس في مجتمعنا يخافون من الكاميرا

تلعب ثوره اليمن دوراً رئيسياً في فيلمك "ليس للكرمه جدران" و "بيت التوت". فكيف تنظرين اليوم الي الثورة اليمنية في ظل ما الت اليه الامور في اليمن؟

ساره اسحاق: الثوره لم تكن ناجحه، فقد فشلنا في استئصال المنظومه الدكتاتوريه من جذورها، كما انه لم تكن هناك اي محاسبه او محاكمه للمسؤولين عن الفساد. الثوره ربما نجحت من ناحيه واحده، اذ انها اظهرت بعض الشخصيات اليمنيه الناشطه والتي كانت مغموره قبل الثوره. لكن شباب الثوره بقوا مهمشين بعد نهايه الثوره، وتم اقصائهم واستغلالهم من قبل الاطراف التي تشبثت بالسلطه والنفوذ.

نحن كشباب نريد بناء دوله ديمقراطيه مدنيه حديثه، ولكن من الصعب القيام بذلك عندما تكون هناك اطراف عديده في الدوله يحاول كل منها التفرد بالسلطه والنفوذ والاموال العامه. اليمن كان يشبه حديقه مليئه بالاعشاب الضاره، فيها ورود قليله فقط. الربيع العربي جاء الي هذه الحديقه، فخلع الاعشاب الضاره سطحياً فقط، ولم يقتلعها من جذورها، ثم زرع بينها الورود. هذه الورود ازهرت لفتره وجيزه فقط، وسرعان ما عادت الاعشاب الضاره لتنمو من جديد وتطغي عليها وتقتل ورود الثوره. اذ ان تراب هذه الحديقه واساسها فاسدان. اليمن بحاجه لتربه جديده.

انت غادرت اليمن لدراسه صناعه الافلام في بريطانيا، ثم عدت اليه بعد مده طويله. كيف كانت تجربتك كصانعه افلام في اليمن؟

ساره اسحاق: تجربتي كانت خليطاً من المشاعر. عندما جئت الي اليمن في بدايه 2011 لم يكن احد يتوقع قيام الثوره في اليمن. جئت من بريطانيا، حيث كنت ادرس صناعه الافلام التسجيليه، لاعمل علي مشروع تخرج في اليمن عن حياه جدي. لم يكن الامر سهلاً في البدايه، حيث ان الناس في الشرق الاوسط يخافون بشكل عام من الكاميرا، ويعتقدون انها تتجسس عليهم وتريد ايذاءهم. وكذلك ايضاً لم تتفهم عائلتي ما الذي اريد ان اصوره ولماذا. التصوير في اليمن كان صعباً وخصوصاً اذا اردت ان تصور النساء، فالمجتمع اليمني محافظ جداً، ويتم دائماً التعتيم علي هويه المراه، التي عاده لا تظهر في الصور، والرجال عاده لا يتكلمون عن اخواتهم او بناتهم ولا يذكرون اسماءهن امام الغرباء، بل يستخدمون فقط مصطلح "الاسره".

ساره اسحاق: ما ساعدني هو انني لم اكن اخطط لعمل فيلم كبير يُعرض علي نطاق واسع، وهو ما حصل لفيلمي "ليس للكرامه جدران" الذي لقي نجاحاً عالمياً. ما كنت اخطط له هو فيلم لمشروع تخرج صغير يعرض فقط علي نطاق الجامعه. اقنعت اهلي انذاك وقلت لهم ان العالم لا يعرف الكثير عن اليمن واليمنيين، ولا يعرف اننا شعب متحضر وفيه تنوع ثقافي واجتماعي وطبقي. الكثيرون يرون في اليمن شعباً متخلفاً قبائلياً. وقد قمت باقناع عائلتي اننا يجب ان نغير هذه الصوره النمطيه ونظهر من خلال السينما صوره اخري للشعب اليمني.

وهكذا وافق اهلي واستطعت ايضاً ان اصور في اليمن اثناء الثوره وداخل ميدان التغيير. هذا التصوير الذي تعاونت فيه مع الكثير من شباب ونشطاء الثوره في اليمن، كان نوعاً ما عفوياً وعشوائياً، اذ انني لم اكن اعرف انني ساستعمل هذه اللقطات والمقابلات لعمل فيلم "ليس للكرامه جدران" الذي يتناول احداث مجزره جمعه الكرامه في صنعاء، ولم اكن ادري انه سيرشح لجائزه الاوسكار فيما بعد، ولم يكن هذا هدفي اصلاً.

ما الذي يمكن للسينما وللفن بشكل عام ان يغيره في اليمن؟

ساره اسحاق: الافلام التسجيليه والافلام بشكل عام يمكنها ان تعمل علي توعيه الناس، فالكثير من اليمنيين طيبون ومن السهل اقناعهم ويصدقون اي شيء تقوله لهم. وهذه هي المشكله. فجزء كبير جداً من الشعب اليمني فقير وغير متعلم، وهذا ما يجعل الكثير منهم فريسه سهله لمن يستغل طيبه القلب ويستقطبهم ويقنعهم بمعتقدات خاطئه، وخصوصاً ان الهواتف الذكيه ووسائل التواصل الاجتماعيه تسمح بنشر هذه المعتقدات والاشاعات بسرعه هائله. وبالاخص، الشائعات الخرقاء التي كانت تُنشر عن ساحه التغيير، التي كانت تُعتبر احد مراكز الثورة الشبابيه في اليمن.

كان الناس يصدقون الخرافات عن ان النساء تُغتصب والرجال يُقتلون في الساحه وان الساحه مليئه بالمرتزقه والبلطجيه. كما ان هناك لدي الكثيرين من اليمنيين عُقد طبقيه ومذهبيه وطائفيه وقبليه. هذه العقد موجوده في كل المجتمعات، ولكن في اليمن علي وجه الخصوص هناك نقص في التوعيه. وكنت انا اثناء وجودي في ايام الثوره اعمل علي توعيه الناس عن حقيقه ما يحصل في داخل ساحه التغيير في صنعاء.

ولكن هل فعلاً من الممكن ان يؤثر الفن في مجتمع كالمجتمع اليمني في ظل هذه المعطيات وفي ظل الاوضاع الراهنه؟

ساره اسحاق: نعم بالتاكيد. اليمن قبل الثوره لم يكن فيه فن، لم تكن فيه صناعه سينما، ولم تكن ظاهره المدونات او افلام الفيديو القصيره موجوده، او مثلاً فن الشارع، مثل الغناء والعرض الموسيقي، كل هذا لم يكن موجوداً. لم يكن هناك فضاء عام يسمح بمثل هذه الفنون، ويعطي للناس الفرصه لتبادل الافكار ووجهات النظر وتنميه مواهبهم. الثوره اعطت الفرصه للشباب لاكتشاف هذه الاشياء، والتواصل بعضهم مع بعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

واصبح الشباب الناشطون يلتقون في المقاهي لممارسه نشاطاتهم، فمنهم من كان يعزف الموسيقي، واخرون يدونون الاحداث بحواسيبهم المحموله التي احضروها معهم، واخرون يتناقشون حول اخر مستجدات الثوره، واصبح هناك نوع من روح التكافل والوحده بين الناشطين. لم يكن هناك مراكز ثقافيه او مراكز للقاء الشباب، فاصبحت المقاهي (كوفي شوب) القليله الموجوده في صنعاء مكاناً يلتقي فيه الشباب.

في فيلمك الثاني، "بيت التوت" الذي صورته ايضاً في اليمن، ركزت علي الجانب العائلي بعد عودتك الي اليمن.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل