المحتوى الرئيسى

إمارة شرق الأردن: الطريق نحو مملكة الأشراف - ساسة بوست

05/16 11:18

منذ 10 دقائق، 16 مايو,2015

ياتي علينا اليوم محييًا لذكري حدثين فارقين بالنسبه للمملكه الاردنيه الهاشميه وتاسيسها، يفرق بينهما 4 سنوات تقريبًا، عجّت باحداث متلاحقه اثرت في تكوين الشرق الأوسط الجديد، وبخاصه منطقه الجزيرة العربية. تميّزت ايضًا بصراعات مسلحه عديده بين العرب وبعضهم البعض. بالجمله، كانت فتره مخاض للعديد من الدول، التي كانت تحت سيطره اخر عهود الإمبراطورية العثمانية العجوز.

وفي يوم احياء الذكري، تتجه ساسه بوست الي سرد مُختصر، يوضح خريطه المنطقه التي خرجت منها المملكه، وكذا ارهاصات التاسيس، وطبيعه التحالفات والصراعات انذاك.

بريطانيا تَعِد: “ثوره” عربيه ضد الخلافة العثمانية

كالعاده، السياقات التاريخيه متراكمه، كذلك نتائجها تراكميه، لذلك فاننا سنضع يدنا علي حدث فارق في السياق التاريخي الممتد لتاسيس الاردن، وهو حدث الثورة العربية الكبرى، التي اطلق شرارتها ثمّ قادها شريف مكّه الحسين بن علي، والتي استهدفت استقلال العرب عن الامبراطوريه العثمانيه، في دوله موحده تتكون من الجزيره والشام والعراق.

في ذلك الوقت كان اي تحرك داخلي ضد دولة الخلافة العثمانيه، يصب في مصلحه بريطانيا، التي تخوض حربًا عالميه (الحرب العالميه الاولي)، تقف الامبراطوريه العثمانيه فيها موقف العداء من بريطانيا. يبدو ان الشريف الحسين ادرك ذلك، ليبادر بارسال اول رساله في سلسله المراسلات بينه وبين السير هنري مكماهون الممثل الاعلي لبريطانيا في مصر، او نائب الملك في مصر، كما اسماه الحسين بن علي في رسالته الاولي. كان ذلك في يوليو 1915.

تضمنت الرساله الاولي مذكرهً باقتراحات، يمكن تسميتها بنود الاتفاق العربي – البريطاني الاساسيه، والتي شملت بدايهً اعتراف انجلترا باستقلال الدوله العربيه، وحدودها الجزيره العربيه كامله، ومعها سوريا والعراق، بالاضافه الي موافقه انجلترا علي اعلان حاكم عربي للدوله المزمع انشاؤها. وفي المقابل، تعطي حكومه الدوله العربيه بزعامه الشريف، امتيازات لانجلترا، تجعل لها الافضليه في اي مشروعات اقتصاديه في حدود تلك الدوله، فضلًا عن دفاع الدوله العربيه عن مصالح بريطانيا في المنطقه، وكذا الذود عن مناطقها عسكريًا.

من جانبها، استقبلت انجلترا، ممثله في السير مكماهون، رساله الشريف الحسين بحفاوه بالغه، تظهر في مجموع الالقاب التي منحها مكماهون للحسين في بدايه الرساله، وكذا في المتن، اذ اكّد علي ترحيب انجلترا باقامه “خلافه عربيه”.

“من السير هنري مكماهون الي السيد الحسيب النسيب سلاله الاشراف وتاج الفخار وفرع الشجره المحمديه والدوحه القرشيه الاحمديه صاحب المقام الرفيع والمكانه الساميه السيد ابن السيد والشريف ابن الشريف، السيد الجليل المبجل دولتلو الشريف حسين سيد الجميع امير مكه المكرمه قبله العالمين ومحط رجال المؤمنين الطائعين عمت بركته الناس اجمعين” .

في النهايه، وخلال خمس مراسلات، اتفق الطرفان علي الحدود النهائيه للدوله العربيه المزمع انشاؤها، كما اتفقا علي استثاره العرب في الارجاء التي يتقاتل الانجليز فيها ضد العثمانيين في اطار الحرب العالميه الاولي. وبالفعل بدا الامر بالقاء الطائرات الانجليزيه لمنشورات تستهدف الجنود العرب في الجيش العثماني، اذ تضمنت الحث علي التمرد، وخلع السلاح الموجّه ضد الانجليز، وذلك بمحاوله استثاره المشاعر الدينيه لدي الجنود، وعامه العرب!

“الي جميع العرب، وسواهم من الضباط والرجال الموجودين في الجيش العثماني: سمعنا بمزيد الاسف انكم تحاربوننا نحن الذين نجاهد في سبيل المحافظه علي احكام الدين الاسلامي الشريف، من التغيير والتحريف، ولتحرير العرب قاطبه من حكم الاتراك.. فنحن نحارب من اجل غايتين شريفتين: حفظ الدين وحريّه العرب اجمع”!

بالطبع، صُدّر ووقع المنشور باسم شريف مكه، وملك الحجاز، الشريف الحسين بن علي. كما تضمّن خريطه توضح الملامح الجغرافيه للدوله العربيه المزمع انشاؤها.

خرطه الدوله العربيه التي القتها الطائرات البريطانيه مع المنشور

ثمّ في العاشر من يونيو 1916، اي بعد حوالي عام منذ بدء المراسلات الحسينيه المكماهونيه، انطلقت الثوره العربيه الكبري. وكان للتعجيل باندلاعها في ذلك الوقت تحديدًا عدّه ارهاصات، ابرزها تتمحور حول وزير البحريه العثماني، وقائد الجيش الرابع لدوله الخلافه؛ جمال باشا، الذي اقدم علي اعدام اعداد ليست بالقليله من الجنود وقاده الكتائب العرب، وكذلك اعدام نخبه من المثقفين العرب في سوريا ولبنان، رغم المحاولات الحثيثه للشريف الحسين في ثنيه عن ذلك.

يُشار الي ان جمال باشا، والشهير بـ”السفاح”، تُوجّه له اصابع الاتهام في تدبير ما يُعرف بـ”الاباده الارمينيه”، فضلًا عن اشتراكه في الانقلاب علي اخر سلاطين الدولة العثمانية، عبدالحميد الثاني، في 1909، وهو الانقلاب الذي ادي الي تحويل الدوله العثمانيه الي الملكيه الدستوريه، قبل انهيارها تمامًا.

هذا، واستطاعت قوات “الثوره العربيه” الانتصار في معاركها ضد الحاميات العثمانيه بدايهً، في جده في 13 يونيو 1916، ثمّ في مكه، ثمّ باقي ارجاء الحجاز، قبل ان يُبايع الشريف الحسين ملكًا للدوله الناشئه، وتُعلن دول التحالف (بريطانيا وفرنسا وايطاليا) اعترافها به ملكًا علي الحجاز، كما انه ارسل قوات علي راسها ابناه فيصل وعبد الله الي كل من الشام والعراق، استطاعت هناك تحقيق انتصارات مشهوده، حيث رفع علم الدوله العربيه علي عده مدن كبيره. لكن في تلك الاوقات، كانت خريطه التحالفات بدات تتغير، علي اثر الاحداث المتسارعه في المنطقه والعالم عمومًا: الدوله العثمانيه تلفظ انفاسها، ودول التحالف المنتصره في الحرب العالميه الاولي تتقاسم النفوذ في الشرق الاوسط، وثمّه شاب يسعي وراء مجد اجداده في وسط الجزيره العربيه!

بريطانيا تُخلِف: سايكس بيكو وحفيد ال سعود البار!

عام 1917، وفور سيطره البلاشفه علي روسيا القيصريه، كشف النظام الجديد عن اتفاقيات سريه بين كل من بريطانيا وفرنسا، بمصادقه من روسيه القيصريه، قُسّمت بموجبها منطقه الشام الكبري، او ما كانت تُعرف بالهلال الخصيب (مناطق الشام والعراق) بين بريطانيا وروسيا، فيما عُرف باتفاقيه “سايكس بيكو”، التي غيّرت من شكل الخريطه المُتفق عليها مع الشريف حُسين.

تقسيم المنطقه وفق اتفاقيه سايكس بيكو (BBC)

من جهه اخري، واجهت دوله الشريف الحسين – غير مكتمله النمو – تهديدًا اخر، من قلب الجزيره العربيه، علي يد نجل ال سعود البار، عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل ال سعود، الذي كان قد بدا منذ سنوات تحركاته من الكويت نحو نجد، بُغيه اخضاعها لسيطرته، واعاده نفوذ عائلته علي المنطقه التي حاول اجداده حكمها في دولتين متتاليتين (الدوله السعوديه الاولي، والدوله السعوديه الثانيه).

بدورها كانت بريطانيا تراقب تحركات عبد العزيز، التي تعلم جيدًا انها ليست في مصلحه الدوله العثمانيه، بخاصه وان العثمانيين كانوا متحالفين مع ال رشيد الحاكمين لمنطقة نجد والاحساء (وسط وشرق الجزيره العربيه)، قبل ان يقوّض عبد العزيز ال سعود حكمهم، كما قوضوا هم حكم ابائه قبل ذلك. بعض مراسلات السير مكماهون الي الشريف الحسين، اشارت الي ان ال رشيد دعّموا الجيش العثماني باعداد كبيره من الجمال التي ارسلت الي الشام. لم يُدعّموه مجانًا بالطبع، انما باعوها، لكن حدثًا كهذا يُشير الي العلاقات الوطيده بين ال رشيد والعثمانيين، في الوقت الذي كان الطرف الاخير يعتبر فيه ال سعود اعداءً تاريخيين، بعد محاولاتهم الحثيثه علي مر قرنين من الزمان – تقريبًا – الانفصال، وتاسيس دوله في الجزيره العربيه بحاكم عربي!

كذلك، كانت بريطانيا تبسط نفوذها بالتدريج ومنذ سنوات في منطقه الجزيره العربيه، بخاصه علي ساحل الخليج، حتي انها عقدت معاهده حمايه مع الكويت في 1899، طلبها ال الصبّاح (حُكّام الكويت) خوفًا من غارات ال الرشيد عليهم. من هنا تبدا تعقيدات التحالفات في الوضوح. فلنبسطها بالشكل التالي:

العثمانيون يناصبون ال سعود العداء التاريخي. ال رشيد يناصبون ال سعود العداء. العثمانيون متحالفون مع ال رشيد. الكويت تستضيف ال سعود. الكويت تناصب ال رشيد العداء. بريطانيا تعزز من تواجدها في الكويت مع معاهده الحمايه. بريطانيا تخوض حربًا يقف العثمانيون فيها طرفًا عدوًا.

بالاستنتاج المنطقي، وبناءً علي ما سبق، اذًا فان بريطانيا اما ان تتحالف مع ال سعود، او تشجّع تحركاتهم في نجد ضد ال رشيد، او علي اقل التقديرات لن تقف ضد هذه التحركات باي حال من الاحوال.

هذا، ولم يتفق حلفاء بريطانيا مع بعضهم البعض، فعلي الرغم من تشارك ال سعود والهاشميين نفس الحليف (بريطانيا) وكذا نفس العدو (الدوله العثمانيه وحلفائها)، وعلي الرغم من ان كلًا منهما استفاد من الاخر بطريقه غير مباشره، الي استفاد ال سعود من تدرج صعود زخم الثوره العربيه، اذ انعكس التحالف بين ال رشيد وبين العثمانيين مع زخم الثوره؛ في نظره النجديين والقصيميين السلبيه لال رشيد، وهو ما استفاد منه بالطبع عبد العزيز ال سعود لتعزيز نفوذه في منطقه قلب الجزيره العربيه.

عبد العزيز ال سعود، مؤسس الدوله السعوديه الثالثه

وفي كل الاحوال، فما هو بادٍ، انه لم يكن بالامكان احداث اي توافق بين عبد العزيز ال سعود، والشريف الحسين بن علي، فلدي كل منهما مشروع طموح للسيطره لانشاء الدوله العربيه الموحده؛ لذا كان الصدام حتميًا، بخاصه بعد ان بسط عبد العزيز نفوذه علي منطقه نجد والقصيم كامله، واستطاع القضاء علي ما تبقي لال رشيد من نفوذ هام ومؤثر. وكان الصدام ما حدث بالفعل.

بعد ان اُعلن الشريف الحسين ملكًا للعرب، بعد اطلاق ثورته، وعقب اعتراف الدول العظمي به ملكًا للحجاز، وفي المقابل مع توسعات عبد العزيز، بدات العلاقات تزداد توترًا، حتي ظهر ذلك علي ارض المعركه.

في مثل هذا اليوم: الاخوان يقاتلون “سليل بيت النبوه”!

في مثل اليوم (15 مايو)، منذ 96 عامًا (1919)، وقعت معركه ذات اثر كبير وفارق في تاسيس المملكة الاردنية الهاشمية. دارت رحاها بين الشريف الحسين بن علي من جهه، وواحد من قادته قبل ان ينقلب عليه، وهو الامير خالد بن لؤي، المتحالف مع ال سعود وجماعه اخوان من اطاع الله.

وخالد بن لؤي كان امير الخرمه التابعه لمكه، بتعيين من الشريف الحسين، قبل ان يرسل الي عبد العزيز ال سعود يبايعه، بعد ان خلع بيعته للشريف الحسين، قائده ومن امّره علي الخرمه. ما دفع الشريف الحسين الي ارسال قوه عسكريه يزيد عدد جنودها عن السته الاف، مدججين بالسلاح الحديث انذاك، والذي كان الشريف قد وضع يده عليه، بعد هزيمته لجيوش العثمانيين.

امّر الحسين علي الجيوش المتجهه نحو الخرمه، وفي طريقها التربه؛ نجله عبد الله. لكن، وقبل الاسهاب في ذكر نتائج المعركه، يُشار الي ان الشريف الحسين، لم يتحرك الا بعد اخذ الموافقه من الانجليز، والذين كانوا ايضًا علي اتصال مفتوح مع عبد العزيز ال سعود، اذ نبّههم الاخير الي ان هجوم جيوش الحسين علي تلك البلدتين المتاخمتين للحدود بين نجد والحجاز، والتابعتين بالولاء لعبد العزيز؛ قد يؤدي الي عواقب وخيمه، ما دفع بريطانيا الي ان تطالب الحسين بالعدول عن رايه، والجلوس الي مائده المفاوضات مع مؤسس الدوله السعوديه الثالثه.

الشريف الحسين لم يعبا بتحذيرات الانجليز، وربما ان الامر يعود الي كونه فقد الثقه بهم، بعد ان راي بعينيه دولته المنشوده تتقلص وتضيق حدودها مع مرور الوقت القصير. وبالفعل دخل عبد الله بن الحسين التربه، واستطاع السيطره عليها كاملًا. من جهه اخري كانت قوات جماعات اخوان من اطاع الله (المواليه بالبيعه لعبد العزيز ال سعود) قد تقدمت من نجد الي الخرمه حيث انضم اليهم حاكمها خالد بن لؤي، ثمّ منها الي التربه، قبل ان يلحقهم عبد العزيز علي راس جيش يزيد عدد جنوده عن العشره الاف.

خريطه توضيحيه لاحداث معركه تربه

انتهت المعركه بانتصار قوات اخوان من اطاع الله علي الجيش الهاشمي، الذي فقد الكثير من جنوده وعدته وعتاده، واستطاع عبد العزيز وحلفاؤه بسط نفوذهم علي التربه، اذ عيّن عليها واليًا. اما الشريف الحسين فاستغاث بالانجليز، الذين حذّروا بدورهم عبد العزيز من عواقب استمرار زحفه الي باقي مناطق الحجاز، ما دفعه الي الانسحاب من البلده، بعد ان عيّن عليها اميرًا واليًا.

“من المحتمل ان عبد العزيز قد ادرك ان بريطانيا لن تحرص كل الحرص علي مسانده الشريف الحسين، بعد ان انتهت الحرب العظمي (الحرب العالميه الاولي) وحققت ما تريده منها”– عبد الرحمن العثيمين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل