المحتوى الرئيسى

بي بي كينغ: قارة موسيقية تختفي

05/16 09:34

وضع بي.بي.كينغ «لوسيل» (غيتاره) وغادر. رحل الاسطوره والفنان الاشكالي. رحل «ملك البلوز» بعد ان اجتاز العديد من العصور الموسيقيه، ليترك بصمته الواضحه في الكثير من الاجيال اللاحقه. اذ عرف عبر موسيقاه واغانيه، وارتجالاته علي المسرح، كيف يشكل حاله لا يمكن تجنبها او حتي تخطيها. بقي لغايه ايامه الاخيره الملك المتوّج علي عرشه بدون منازع. ربما في كلّ عازفي البلوز، (وحتي عند بعض عازفي الروك ومغنيه)، الذين جاءوا من بعده، هناك جزء من بي.بي. كينغ يحملونه داخل انفسهم.

خبر الوفاه اعلنه محاميه برنت بريسون، ليل الخميس صباح الجمعه (بالتوقيت المحلي، اي ظهر امس بتوقيتنا)، معلنا ان الفنان رحل عن 89 عاماً، بسبب مرض السكري (الفئه الثانيه) الذي كان يعاني منه منذ عشرين سنه، بعد ان كان خضع للعلاج في المستشفي الشهر الماضي بسبب «الجفاف» النتاج عن هذا المرض.

لم تكن بدايات ريلي بن كينغ (وهذا هو اسمه الحقيقي) توحي انه سيكون هذه «القاره الموسيقيه» التي جمعت في طياتها العديد من الانواع الموسيقيه الاخري، او بالاحري التي تاثرت بها انواع موسيقيه اخري. ولد العام 1925 في مزرعه للقطن في «ايتا بينا» في الميسيسيبي، ليعمل في هذه المهنه لاحقاً. لكن الصدفه لعبت دورها حين حطم «تراكتور» معلمه، ليهرب الي ممفيس العام 1947، ولم يكن يحمل معه سوي دولارين ونصف وغيتار وهذا الصوت الذي تشكل عبر مشاركته في اناشيد احد المعابد الانجيليه في مدينته (من هنا اقترابه في غنائه من اجواء «الغوسبل»). ميله الي «البلوز» اكتشفه خلال خدمته العسكريه حيث تعلّم بعض اسراره.

في ممفيس بدا الغناء في «بيل ستريت بلوز بوي» – وهو المكان الذي حمل لاحقاً اسم بي.بي.كينغ تحيه له ويعني «بلوز بوي كينغ» اي «صبي البلوز الملك» - ليلفت انتباه المنتج سام فيليبس، (الذي اطلق فيما بعد اسطوره غنائيه اخري: الفيس بريسلي). ومن هذا المكان بدا بالتنقل للغناء بين مختلف المناطق المجاوره، ليصل ذات يوم الي حانه في اركنساس، حيث الحادثه التي ارخت لشهره لاحقه.

يقول كينغ في مذكراته ان الحانات الخاصه بهذه الموسيقي لم تكن كما هي عليه اليوم، او بالاحري لم تكن قد تطوّرت بعد مثلما حدث مع خمسينيات القرن الماضي. كانت عباره عن اكواخ خشبيه تخترقها الرياح من كل الجهات. ذات شتاء من العام 1949، وبسبب البرد الشديد، كانت مدفاه تعمل علي الكاز مشتعله. وللصدفه يتعارك شخصان ليقلبا المدفاه. استمرّ مع الفرقه بالغناء والعزف اذ كانت المشاجرات «مالوفه» في مثل تلك الاماكن. لكن صوتاً صرخ لاحقاً محذراً من النار، فما كان عليه الا ان هرب مع الهاربين، ليكتشف حين وصل خارجاً انه نسي غيتاره في الداخل. فقرّر العوده اذ «لم اكن غنياً، والغيتار – من ماركه غيبسون – ثمنه ستون دولاراً، اي ما كان يعني ثروه حقيقيه في تلك الفتره». وما ان وصل الي «المسرح» ليلتقط غيتاره حتي انهار السقف، فلم يعرف كيف هرب مجدداً لينقذ نفسه من الاختناق. حين عاد في اليوم التالي – اكتشف انه سقط نتيجه المعركه قتيلان وعدد من الجرحي، مثلما اكتشف ان المعركه حدثت بسبب فتاه تُدعي لوسيل، ما جعله يطلق هذا الاسم علي جميع غيتاراته، قبل ان تصنع شركه غيبسون موديلاً خاصاً من الغيتارات تطلق عليه اسم لوسيل تيمّناً بـ بي بي كينغ.

لم يقتصر حضور بي.بي.كينغ علي موسيقي البلوز فقط. صحيح ان طريقته في العزف مستوحاه من عازفين عديدين قبله مثل لوني جونسون وتي ـ بون والكر، الا انه عرف كيف يطوّرها عبر «الفيبراتو» الذي كان يعلقه بمعصمه الايسر. هذه الطريقه اثرت باجيال لاحقه وبخاصه في عازفين مثل ايريك كلابتون (الذي اعتبره مرجعه الاوحد) وجورج هاريسون وجيمي هاندركس، من هنا نجد ان كثيرين من فناني الروك وجدوا فيه استاذاً وبخاصه فرقه الرولينغ ستونز الذي شاركها العزف مثلما شارك مايك جاغر (مؤسسها) في ما بعد في بعض حفلاته، كما فرقه «يو 2» بعد سنين من ذلك.

كان بي. بي كينغ يعتبر ان الشخص الاسود الذي يعزف البلوز هو «اسود مزدوج». بمعني انه يضطلع بشرطه الانساني كما بشرطه الفني. فكما هو معروف جاء هذا النوع الموسيقي ـ الذي بدا في القرن التاسع عشر وبخاصه في الحقول التي كان يعمل بها «الافرو ـ اميركيين» ـ ليعبر عن الحزن والتعب والالم الذين يتعرّضون له. صفات لا بدّ ان نجدها في «ثقافات» اخري بالتاكيد، وهذا ما حاولت اخذه لاحقاً ثقافات الموسيقي الشعبيه الاميركيه والجاز والروك اند رول وغيرها.

بعيداً عمّا يمثله من فن كبير، لعب بي.بي.كينغ ايضاً دوراً اخر في تحريك «وعي» اجتماعي ما. علي سبيل المثال الحفل الذي ارتجله مساء اليوم الذي اغتيل فيه مارتن لوثر كينغ، كذلك الحفلات التي عزف فيها في السجون الاميركيه، وربما الاهم من ذلك كله الصوره «الايجابيه» التي قدّمها عن فنان البلوز بعيداً عن تلك النمطيه التي تفيد بان عازف البلوز هو مدمن علي الكحول والمخدرات. الادمان الوحيد الذي عرفه هو «الموسيقي» اذ كان يقدّم في السنه الواحده احياناً اكثر من 300 حفل. وقد تكون جملته (في حوار صحافي اجري معه العام 2007) تلخص هذا الادمان: قال «اريد بعد» ويقصد العزف والغناء، اذ بالرغم من مرضه وبالرغم من ضعف احدي ركبتيه ما جعله يعزف وهو جالس علي كرسي، كان يردّد اريد ان اعزف ايضاً وايضاً لغايه ان اموت.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل