المحتوى الرئيسى

عاصمة عثمانية قديمة تظهر في رومانيا - BBC Arabic

05/15 21:35

لم اكن اعلم ان واحده من الساحات المفضله لدي في رومانيا تخفي سرا وراء واجهتها الاوروبيه الحديثه.

لقد سمعت شائعات عن ان ميدان الحرية في مدينه تيمشوارا كان موقعا لحمام تركي رائع خلال العهد العثماني (1552-1716). لكني لم ار اي مؤشر علي وجود ذلك العالم باستثناء لوحه صغيره مكتوبه بالعربيه علي جدار مبني مجاور.

فيما بعد، وفي سبتمبر / ايلول من عام 2014 عدت الي المدينه الواقعه علي الحدود الغربيه لرومانيا، واكتشفت شيئا مثيرا: لقد اكتشف علماء الاثار حماما عاما عمره 400 عام كان يعرف باسم "الحمام الكبير".

كانت اعمال الحفر مستمره، الا انني لم اتمكن من الانتظار لاستكشاف الكنوز التي كُشف عنها. وبدات في التحري وعلمت ان علماء الاثار وجدوا اثارا اخري وليس الحمام الكبير فحسب.

وكانت طواقم من العمال تحفر في مناطق متعدده في المركز التاريخي للمدينه، وكان الماضي الشرقي للمدينه يظهر من الارض حرفيا. وصراحه، فقد اصبت بالدوار. فمن المثير ان تكون شاهدا علي مدينه عرفتها عن قرب وهي تكشف عن وجه جديد تماما لها، وعن مجموعه من الاماكن الجديده التي يجري استكشافها. لقد شعرت بانني اسافر عبر الزمن.

لقد احتلت الأمبراطورية العثمانية تيمشوارا في يوليو / تموز عام 1552. وتحت قياده قره احمد باشا الذي ولد في البانيا، استولي ما يقرب من 16.000 جندي علي المدينه، وحولوها فورا الي عاصمه لاقليم "بانات".

وحكم السلطان العثماني مدينه تيمشوارا بشكل مباشر لمده 160 عاما. وكانت المدينه تتصدر النزاع بين الامبراطوريه العثمانيه والامبراطوريه النمساويه المجريه علي الاراضي التي شكلت المنطقه لقرون لاحقه.

بينما كنت واقفا في منطقه حفر الحمام الكبير، استطعت رؤيه اثار مناطق الغرف القديمه والممرات التي تسمح للهواء بالدوران، والتي كان يجري العمل علي ترميمها ببطء. فكرت في عشرات المرات التي زرت فيها ساحة الحرية وانا اجهل تماما ما يقع تحتها.

وتوجد الساحه في موقع مركزي بين ساحه الاتحاد، وهو نقطه التقاء شعبيه يوجد فيها حانات ومقاهي، وساحه الاوبرا، التي تستضيف اهم النشاطات الاجتماعيه والثقافيه في المدينه.

ولعل الساحتين اللتين يسودهما الضجيج حاليا يجعلان ساحه الحريه تبدو وكانها واحه من الهدوء النسبي، وتوفر اشجارها ظلالا لكل من يهمه الجلوس ومراقبه الحياه تجري امام ناظريه.

لا بد ان ساحه الحريه كانت موقعا مثاليا لمراقبه الناس في القرن السابع عشر ايضا. ولا تزال الحمامات التركيه في اماكن مختلفه من العالم تعتبر اكثر من مجرد اماكن للاستحمام والاسترخاء. فهي تقوم بدور في الحياه المدنيه من خلال جمع الناس في اجواء حميمه، اضافه الي دورها الديني في تنقيه الروح.

وقد كشفت الحفريات ان الحمام الكبير كان يحتوي علي 15 غرفه مرتبه حول قاعه مركزيه كبيره. وكانت ارضيه الحمامات معلقه علي اعمده مربعه من الطوب للسماح للهواء الساخن بالدوران، وهو الهواء الذي كانت تنتجه غرفه الفرن.

وكانت كل غرفه مجهزه بممرات للهواء وبمداخن. وفي الخارج، كانت المنطقه محاطه بالحدائق وقاعات الاجتماعات الداخليه للمباني المجاوره، مما كان يخلق اجواء خاصه وهادئه ومثاليه لتجاذب اطراف الحديث.

وانا واقف في الساحه في صباح يوم ربيعي بارد في زياره سابقه، تمنيت لو ان الحمام لا يزال هناك حتي اتمكن من تدفئه نفسي بالبخار في داخله. اردت استكشاف الاثار التي تغير وجه المدينه اكثر، فتجولت في ساحه سانت جورج، علي بعد اقل من 100 متر غربا.

وساحه سانت جورج هي عباره عن ميدان صغير يقع وسط مبان تشبه تلك المبينه علي طراز مدينه فيينا. وخلال زياراتي السابقه الي تيمشوارا، كنت دائما امر به وانا في طريقي لتناول وجبه خفيفه من محلات بيع الكعك الجاف المملح، واتوقف علي الطريق لتصفح الكتب الانجليزيه المعروضه للبيع علي رفوف مؤقته.

ولكن مؤخرا اكتشفت اثار جديده في ساحه سانت جورج ايضا مما حدا بعالم الاثار الروماني فلورين دراسوفيان الي وصف الموقع بانه "عالم الالهه، عالم الاحياء والاموات".

في النصف الاول من القرن الثامن عشر، رسم القائد في الجيش النمساوي الامبريالي فرانسوا بيريت خريطه لتيمشوارا حدد عليها عددا من المعالم الرئيسيه من العهد العثماني. من اهم هذه المعالم كان مسجد تيمشوارا الكبير.

وقد وصف ايليا سيليبي (1611-1682)، وهو كاتب رحلات مشهور من الحقبه العثمانيه، ذلك الجامع بانه محراب عظيم للصلاه.

بعد استيلاء النمسا علي المدينه عام 1716، حول المسجد الي كنيسه هدمت في وقت لاحق. وبنيت كنيسه جديده في الموقع ذاته، مما ادي الي محو كل اثار المسجد تقريبا حتي اجراء عمليات التنقيب عام 2014.

وبعد قرون من الغياب، بدات اساسات المسجد وقطع اثريه منه تظهر اخيراً، مما ممكن دراسوفيان من اعاده اكتشاف ما اطلق عليه اسم "عالم الالهه".

ليس ذلك كل شيء. بالاضافه الي المسجد، اكتشف علماء الاثار الذين كانوا ينقبون في ساحه سانت جورج بقايا بيوت خشبيه وقنوات. وكانت القنوات من بين اول انظمه اداره المياه في المناطق الحضريه التي تم انشاؤها في رومانيا.

وبينما لم يبن الاتراك تلك القنوات بالاصل، الا انهم نظموها لامداد المباني العامه بالمياه. اما البيوت الخشبيه، فيعود تاريخها الي فتره العصور الوسطي قبل وصول الاتراك، وقد تمت صيانتها الي ان بدا النمساويون في تحديث المدينة في القرن الثامن عشر.

وقد اظهرت عمليات التنقيب ايضا 160 قبرا حول المسجد، يعود معظمها لاناس من عامه الشعب كانت قد لفت جثثهم بقطعه واحده من القماش حسب التقاليد الاسلاميه.

وكان الاتراك، وبهدف الحفاظ علي السلام والهيمنه السياسيه خلال الحكم العثماني، قد قبلوا اناسا من كافه الاديان والعرقيات، ولم يتدخلوا في حياه المواطنين المحليين. وبينما ابقي ذلك علي تيمشوارا مدينه امنه من الداخل، الا انها ظلت تواجه تهديدات من الخارج.

لذا، عزز الاتراك دفاعات المدينه. واستغلوا الانهار القريبه من بيغا وتيميس، وحفروا خنادق مائيه حول المدينه اضافه الي بناء قلعه. وارتفعت فوق المياه جدران بسمك ثلاثه امتار كان يحرسها جنود عثمانيون.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل