المحتوى الرئيسى

استثناءات الـ«كروازيت»

05/14 09:12

هذا العام، يُصابُ تييري فيرمو ـ المدير الفني لمهرجان «كانّ» السينمائي ـ بحُمّي فرنسيه، بتمتينه مسابقته الرسميه بـ 4 افلام محليه دفعه واحده، ومعها شريطا الافتتاح «مرفوع الهامه» لايمانويل بركو، والختام «جليد وسماء»، وثائقي المخرج لوك جاك، بالاضافه الي 7 عناوين دوليه بتمويل فرنسي، لتصبح الدوره الـ 68 (13 ـ 24 ايار 2015) ـ التي يتراس لجنه تحكيمها الاخوان الاميركيان جويل وايثان كوّن ـ استثناءً خالصاً، بتكرار اسم بلده 13 مرّه في سابقه تاريخيه، تُخرِس الاعتراضات المرتفعه دائماً ضدّه، بشان الحصّه الفرنسيه عند حافه الـ «كروازيت».

يُكرِّس فريمو، مُحصَّناً بالحظّ ودهاء الاختيارات، عولمه سينمائيه في الخانه الاكثر اشراقاً، مع توافر 10 نصوص ترطن بلسان انكليزي، وتزخر بطلّات اهل هوليوود. الاشاره بليغه. احكام السوق المتعدده الوسائط تُحتّم الخنوع للّغه الاقوي والاوسع انتشاراً. هذه حاله سائده منذ زمن. الا ان حنكه فريمو وفريقه ـ من دون قيصر «كانّ» جيل جاكوب، اذ يحلّ مكانه القطب الاعلامي النافذ بيار لسكور ـ تهادن طرفي الاطلسي، وتضمن تواجد بريقهما ودولاراتهما التي يُعني بها «كانّ» الي حدّ الوله، سواء في «سوق الفيلم» المتعاظمه القوه، او ببذخ الحفلات والصفقات والهرج الاعلامي، علي الرغم من اعترافه في المؤتمر الصحافي الخاصّ باطلاق برنامجه: «في كل عام، نرفض اعداداً لا تحصي من افلام ناطقه باللغه الانكليزيه، تتقدم بها دول اجنبيه (غير ناطقه بها). بيد ان (الايطاليَّين) باولو سورنتينو وماتيو غاروني لم يختارا ذلك لارضاء السوق الانكلو ـ سكسونيه، بل لان لديهما حكايتين يجب ان تُرويا».

لا احد يجرؤ علي اكتشاف مفارقه خفيّه في هذا الكلام. فاولويه «كانّ» منتصره دائماً لاستثناءات السينما بكل صروفها، ومستدعيه قوّه بصيرتها، وفراده بشرها، وانسانيه موقفها. ذلك ان منطق مهرجان «السعفه الذهب» يؤمن ان «دم السينما لا يجفّ وهو خلاّق وجارف». عليه، يُفَلسف مخرج «الجمإل آلعظيم» (اوسكار الـ 2013) سورنتينو، في «فتوّه»، دلالات خواتيم العمر: هل يتوجّب الركون الي عطاله موت ذاتيّ، ترقّباً للمَنُون؟ يتوسّل بطلاه الموسيقار فرد (البريطاني مايكل كين) والسينمائي مايك (الاميركي هارفي كايتيل) روّاد منتجع ثريّ في جبال الالب، لتحقيق نصر اخير. يُستدعي الاول لقياده اوركسترا في حفل ملكي بريطاني، ويقرّر الثاني كتابه فيلمه الختامي. يقتبس مواطنه غاروني، في «حكايه الحكايات»، نصوصاً شعبيه لغمباتيستا بازيلي، مكتوبه بين العامين 1634 و 1636، صائغاً فانتازيا من 3 فصول حول عائله تعمل في سيرك، وملكه (سلمي حايك) تدفعها غيرتها الي اهدار حياه زوجها، وملك (فنسنت كاسيل) يقع ضحيه اغواء شقيقتين غامضتين.

عبر مجابهه مخرجه سينمائيه وشقيقها لبلوي وهن قلب والدتهما الراقده علي فراش الموت، يرصد المعلّم ناني موريتي، في «امي»، مالات اصره عائليه في مجتمع اناني ومادي. علي منواله، يستدعي صاحب «اختطاف ميشيل ويلبيك» (2014)، الفرنسي غيّوم نيكلو، قضاء عبثياً في «وادي الحب»، ممتحناً ازليّه ابوه مع قرار زوجين (كاترين دونوف وجيرار ديبارديو)، منكوبين بوفاه ولدهما في «وادي الموت» الاميركي، السفر الي هناك، وانتظار عوده ابنهما. هذا الاخير (الانتظار) يتحوّل الي رحله تامل ذاتيّ في عمل الاميركي غاس فِن سانت «بحر الاشجار»، حين يلتقي ارمل اميركي (ماثيو ماكنوهي)، يسعي الي الانتحار في غابه عند سفح جبل فوجي، يابانياً قادماً للغرض نفسه، لتتنوّر رفقتهما، فيمتثلان للحياه.

ياتي هذا الحَتَم الكوني بنبره عبثيه في عمل الاغريقي يورغوس لانثيموس «جراد البحر» (لوبستر)، عن شعب مستقبليّ يواجه جور قرار يحوّل افراده الي حيوانات تُطلَق في غابه وحشيه، عندما يفشلون في الارتباط بحبيب خلال 45 يوماً. فيما تصبح بطله شريط المعلّم التايواني هو شاو ـ شين، «القاتله»، قرينه سينمائيه لبطل لانثيموس الذي يجد الحب، لكنه يبقي طريداً ابدياً، اذ تعشق الشابه الدمويه احدي ضحاياه. فهل تكتفي بسفك الدم؟ الاميركي تود هينز يضع هذا الحب في قالب صدامي تهتزّ لاخباره نيويورك الخمسينيات الفائته، الواجده في علاقه سحاقيه بين امراتين عاراً. في حين ترسم الفرنسيه مايوان في «ملكي» صوره قاتمه لاستعاده شابه باريسيه، اثر تعرّضها لحادث، ذكريات علاقه غراميه بارت مع والد طفلها.

يختار الياباني كوري ـ ايدا هيركازو في «اختنا الصغيره»، والنرويجي يواكيم ترير في «اعلي ضجيجاً من القنابل»، والصيني تشيا تشانغ كو «قد تبارح الجبال»، ثيمات عائليه باهره، يجعلها الاول عنواناً لتكافل شقيقات يكتشفن اختاً غير معلنه في مجلس عزاء والدهنّ، ويتّخذها الثاني مقاربهً لصون ذكري، عبر استعاده اب وولديه موت الام المصوّره الفوتوغرافيه الشهيره (ايزابيل اوبير) بمعرض شامل. اما الثالث، فيُشيد منها رؤيه انقلابات صين معاصره، علي غرار عمله الاخّاذ «لمسه الخطيئه» (2013)، مكوَّنه من مقاطع ثلاثه لحياتيّ الشابين تاو ودونغ في تسعينيات القرن الماضي، قبل ان تتخلّي الاولي عن حبيبها للاقتران بصاحب منجم ثري. لكن دونغ يكتشف، بعد عقود وهو علي فراش موته، ان حبيبته مطلّقه وابنها منفي. ونُقابل الفتي في استراليا في العام 2025، حيث ان الكلمة إلصينيه الوحيده المتبقيه في قاموسه هي «اماه».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل