المحتوى الرئيسى

سامراء العراقية.. بين تمدد "الخلافة" والقدسية الشيعية

05/12 12:52

لم تتوقف هجمات تنظيم "داعش" علي سامراء ومحيطها، في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، ومحاولاته للسيطره علي المدينه ذات المكانه المقدسه لدي الشيعه، وتسيطر عليها حالياً القوات العراقيه والحشد الشعبي (قوات شيعيه تقاتل الي جانب الحكومه).

وخلال الاشهر الماضيه، ظلت سامراء محط انظار الجميع وازدادت المخاوف من اقتحامها من قبل "داعش" وتكرار عمليه التفجير التي وقعت عام 2006 واستهدفت مرقد "الامامين العسكريين" ذو المكانه المقدسه لدي الشيعه، علي يد مسلحين ووجهت اصابع الاتهام وقتها لـ"تنظيم القاعده في بلاد الرافدين".

واثر التفجير، اشتعلت اشرس حرب طائفيه بين الشيعه والسنه في تاريخ العراق علي مدار عامي 2006 و2007، وهو ما تسبب بمقتل الالاف من الطائفتين وتحويل المناطق المختلطه الي مناطق ذات طائفه واحده بفعل التهجير الطائفي القسري.

ويعد مرقد "الامامين العسكريين" علي الهادي وابنه الحسن العسكري من ابرز معالم مدينه سامراء ويحمل قدسيه لدي الشيعه الاثني عشريه (احدي فرق الشيعة)، كون صاحبي المرقد من الائمه الاثنا عشر الذين يتبعهم اتباع تلك الفرقه، ويزور الالاف من الشيعه سامراء سنوياً لغرض اقامه طقوس دينيه في المزار الذي يتوسط المدينه.‎‎

وتثير سيطره الحشد الشعبي الشيعي الموالي للحكومه الي جانب القوات الحكوميه علي المدينه ذات الغالبيه السنيه، مخاوف من تجدد الصراع الطائفي، خاصه مع دعوات سابقه اطلقتها رموز شيعيه لـ"الجهاد في سامراء"، وابرزهم زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر الذي دعا نهايه عام 2014 ومع اقتراب تنظيم "داعش" من المدينه الي الدفاع عنها ممن اسماهم "فلول الارهابيين والتكفيريين" واعلن عن تشكيل فصيل مسلح "سرايا السلام" بهدف حمايه الاماكن المقدسه وفي مقدمتها مرقد "الامامين العسكريين".

وحسب مراسل "الاناضول"، فان المدينه شهدت منذ يونيو 2014 تاريخ الاجتياح الاكبر الذي شنه تنظيم "داعش" علي مناطق واسعه من العراق، عوده لعمليات الاستهداف الطائفي والتي يتهم السكان مسلحي الحشد بالوقوف وراءها.

ويفيد بعض سكان سامراء الذين تحدثوا لـ"الاناضول" انهم "مقيدو الحركه ومتخوفون من الحشد، بالاضافه الي ان المدينه منذ تواجد مقاتلي الحشد فيها شهدت العديد من عمليات السرقه والقتل التي كانت اختفت لسنوات عديده بعد انتهاء الاقتتال الطائفي".

والي جانب اهميه سامراء الخاصه لدي الشيعه بما تضمه من مزارات شيعيه، لها اهميه خاصه ايضاً لدي السنه كونها احدي عواصم الخلافه العباسيه (754- 1258م) التي بسطت نفوذها لمساحات واسعه وممتده غرباً حتي تونس.

كما تمثل اهميه لدي المتصارعين سواء الحكومة العراقية التي استعادت قواتها السيطره عليها من قبضه "داعش" الذي سيطر عليها لساعات مطلع يونيو 2014، وتحاول كذلك تثبيت انتصاراتها ضد التنظيم المتشدد الذي يسعي بدوره لضمها لاراضي "خلافته" التي اعلنها الصيف الماضي وانتزاعها مجددا كونها ذات غالبيه سنيه ورمزاً شيعياً لاحتوائها علي "المزارات المقدسه" فما هو سر هذه المدينه العراقيه التاريخيه.

 سامراء او "سر من راي" هي المدينه الابرز في محافظه صلاح الدين، ومن المدن الاكثر اهميه وحساسيه في البلاد، تسكنها غالبيه سنيه ساحقه واقليه شيعيه وكرديه.

و"سامراء" الحاليه التي بناها الخليفه العباسي المعتصم(221 هـ -835 م) لتكون عاصمه دولته وسماها "سر من راي" وتغير نطقها لاحقا لتصبح باسمها الحالي، تقع علي ضفاف نهر دجله وتبعد مسافه 120 كيلومترا شمال العاصمه العراقيه بغداد.

وتاريخيا فان مدينه سامراء اقدم من الخلافه العباسيه نفسها حيث ذكرها المؤرخ الروماني اميانس مرقلينس (320 – 390م) بصيغه "سومرا"، ونوه اليها المؤرخ اليوناني زوسيمس بصوره "سوما"، وفي التدوينات الاشوريه جاء ذكر اسمها بصيغه "سرمارتا" في حين ورد اسم سامراء في مصنفات السريان علي كونها "شومرا"، وتم كل ذلك قبل ان يامر المعتصم ببنائها مجدداً.

وتضم سامراء معالم اثريه ونقوشات هندسيه وفنيه طوّرت محلياً قبل ان تنقل الي اقاليم العالم الاسلامي وابعد من ذلك.

ومن بين الاثار العديده والبارزه الموجوده في المدينه المسجد الجامع ومئذنته الملويه (اللولبيه)، وقد شيد في القرن التاسع الميلادي، اضافه الي دار الخلافه وهو اكبر القصور العباسيه في سامراء واجملها ويطل علي نهر دجله ويعرف حاليا بقصر الخليفه، ولكن يبقي قرابه 80٪ من المدينه الاثريه القديمه مطمورا ويحتاج الي تنقيب.

وتوجد حتي الان في المدينه مواقع اثريه مسيحيه ويهوديه، بالاضافه الي الاسلاميه التي يعود ابرزها للارث العباسي والديني الشيعي، وفي وسط المدينه يوجد معبد التوراه اليهودي الذي كان اليهود من سكان سامراء يؤدون طقوسهم فيه حتي خمسينيات القرن الماضي، وتعرف المنطقه التي تحيط به اليوم باسم "حي اليهود".

وفي العصر السابق للاسلام، وتحديدا في الحقبه الساسانيه والمناذره، اتخذ في بعض مواقع مدينه سامراء حصون استراتيجيه وعسكريه اثناء احتدام الصراع بين الروم والفرس.

واثناء الغزو المغولي في نهايه العصر العباسي، هدمت معظم اسوار ومباني المدينه وتشير بعض المراجع التاريخيه التي تفترض ان اصل التسميه هو "سر من راي" كنايه عن جمالها وادخالها السرور الي من ينظر اليها، الي ان الاسم تحول الي "ساء من راي"، كونها اصبحت تسوء من ينظر الي الخراب والدمار الذي لحق بها علي يد المغول ومع الزمن تحول الاسم اختصاراً الي صيغته الحاليه "سامراء".

 وخلال الخلافه العثمانيه شهدت المدينه نهضه عمرانيه، وبنيت فيها عدد من القصور والتلال الاثريه مثل قصر بلكوارا وتل الصوان وقصر العاشق والاسطبلات والقبه الصليبيه وغيرها من القصور والمباني العباسيه التي ما يزال اغلبها قائم حتي اليوم.

وبنيت اول مدرسه ابتدائيه فيها عام 1881م، كما نصب سنه 1878م اول جسر علي نهر دجله يربط مدينه سامراء بالضفه الغربيه للمدينه.

وتعد سامراء واحده من المدن التاريخيه المهمه في العراق ووضعتها منظمه "يونسكو" علي لائحه التراث العالمي المهدد بالخطر عام 2007 لما تحتويه من اثار شاخصه حتي اليوم.   ‎

ومن المنشات الحديثه تضم سامراء معمل ادويه وسد مائي يغذي بحيره الثرثار من نهر دجله وتعد البحيره الاكبر والاهم لتخزين المياه في العراق وكذلك صمام الامان فهو يحمي العاصمه والمدن المحيطه بها من الفيضانات.

كما توجد مساحات واسعه من المناطق الزراعيه في محيط سامراء خصوصا في النواحي الثلاث التابعه لها وهي دجله والمعتصم والحويش.

ويبلغ عدد سكان قضاء سامراء (المدينه والمناطق التابعه لها) حوالي 300 الف نسمه بحسب احصائيات غير رسميه، غالبيتهم من العرب السنه، من عشائر "السوامره" و"البو بدران" و"الدليم" و"الجبور" و"العنزه" و"العبيد".

في حين ان باقي السكان من السنه الاكراد، والشيعه الذين هجر عدد قليل منهم ابان الغزو الامريكي للعراق عام 2003 تحت تهديد السلاح علي ايدي تنظيم "القاعده" انذاك.

وسامراء كانت المدينه الاولي التي سقط نصفها بيد تنظيم "داعش" يوم 5 يونيو 2014 وبعد وصول التنظيم الي مشارف مرقد "الامامين العسكريين" الذي اعيد بناؤه بعد تفجير 2006 انسحب مسلحوه نحو مواقعهم خارج المدينه بعد سبع ساعات من فرض سيطرتهم الكامله علي المدينه مع تقدم الكثير من القوات الحكوميه من بغداد نحو المدينه وتعزيز الدفاعات في محيطها.

وبعد ذلك بخمسه ايام هاجم التنظيم مدينه الموصل مركز محافظه نينوي شمالي العراق وسيطر عليها بالاضافه الي مدن عده من المحافظه وتقدم صوب صلاح الدين وسيطر علي تكريت التي استعيدت لاحقا بالاضافه الي قضائي بيجي والشرقاط، فيما يقاتل التنظيم بمحافظه الانبار غربي البلاد ايضا وسيطر هناك علي معظم مساحه المحافظه التي كان قد مهد لدخولها منذ مطلع عام 2014.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل