المحتوى الرئيسى

بعد أزمة تصريحات وزير العدل: القصة الكاملة لـ«أسطورة» استقلال القضاء في مصر - ساسة بوست

05/12 12:17

وللاسف عليه، لم يحظ الوزير بكثير من التاييد لتصريحاته، اذ ثارت وسائل الاعلام والصحافه المصريه المختلفه، وكذا مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن الحركات والاحزاب السياسية؛ كلهم يعتبر حديثه اما مسيئًا واما عنصريًّا. ولم يكد يمر يوم واحد علي تصريحاته، حتي اعلن إبراهيم محلب، رئيس الحكومه، اقاله الوزير علي خلفيه التصريحات، التي تمسّك بها، في تصريحات لاحقه لوسائل إعلام مصريه.

هذا، ويلفت العديد الي ان تصريحات الوزير، ما هي الا انعكاس عن حقيقه واقعه في القضاء المصري، الذي بات التعيين فيه بالوراثه سُنّه متّبعه، الوزير نفسه، وفي تصريح صحافي لحق اقالته، اكّد علي ان حديثه نابع عن واقع يحدث في السلك القضائي، وكذا في كل من مؤسسات الشرطه والجيش!

بدورنا، نحاول هنا الاجابه علي تساؤل لم يتطرق اليه الكثير، تساؤل نري انه جِذري في التعامل مع منظومه القضاء المصري؛ وهو من شقين: استقلال القضاء في صالح من؟ وهل هو حقيقي ام مجرد وهم؟

الغت كومونه باريس، استقلالية القضاء الوهميه، وجعلت القضاء بالانتخاب، وقننت محاسبتهم وفصلهم. – اسامه عبدالله (مجلّه الشراره)

في 22 نوفمبر 2012، وبعد نحو 5 اشهر من حكمه، اصدر الرئيس محمد مرسي اعلانه الدستوري المثير للجدل، والذي تضمن ما اسماه بـ”القرارات الثوريه”. في كل الاحوال، ما يهمنا هنا، هي القرارات التي تضمنها الاعلان المتعلقه بالقضاء، وتحديدًا كل من الماده الثانيه والثالثه والخامسه، ونصها:

الماده الثانيه: الاعلانات الدستوريه والقوانين والقرارات السابقه عن رئيس الجمهوريه منذ توليه السلطه في 30 يونيو 2012 وحتي نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائيه ونافذه بذاتها غير قابله للطعن عليها باي طريق وامام ايه جهه، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ او الالغاء وتنقضي جميع الدعاوي المتعلقه بها والمنظوره امام ايه جهه قضائيه.

الماده الثالثه: يُعين النائب العام من بين اعضاء السلطه القضائيه بقرار من رئيس الجمهوريه لمده اربع سنوات تبدا من تاريخ شغل المنصب. ويشترط فيه الشروط العامه لتولي القضاء والا يقل سنه عن 40 سنه ميلاديه، ويسري هذا النص علي من يشغل المنصب الحالي باثر فوري.

الماده الخامسه: لا يجوز لايه جهه قضائيه حل مجلس الشوري او الجمعيه التاسيسيه لوضع مشروع الدستور.

كما يتضح، فان المواد الثلاثه المذكوره (فضلًا عن الاولي الخاصه باعاده التحقيقات والمحاكمات في القضايا المتعلقه بقتل واصابه المتظاهرين في ثوره 25 يناير) مرتبطه باحداث تغييرات في منظومه القضاء المصري، يمكن وصفها بالانيه، اولًا من حيث تقليص نفوذ النائب العام، بتحديد مدته لاربع سنوات، وثانيًا من حيث تحجيم دور المحكمه الدستوريه، وسحب صلاحياتها المتعلقه بامكانيه حلها للمجالس التشريعيه، او الطعن في قرار من قرارات الرئيس، في الوقت الذي كانت البلاد فيه، خاليه من سلطه تشريعيه حقيقيه متمثله في مجلس الشعب.

مما يجدر ذكره في هذا السياق، ان الساحه السياسيه والاعلاميه المصريه ثارت علي قرارات مرسي، بدعوي انها “اعتداء علي نضالات تراكميه نحو استقلال القضاء المصري”، هذا علي الرغم من ان ماده من المُعترَض عليها، حققت مطلبًا سياسيًّا اصيلًا لدي المعارضه المصريه ما بعد ثوره 25 يناير، وهو اقاله النائب العام (الاسبق) عبد المجيد محمود، الذي نال من الاتهامات كفايتها، حول تستره علي ملفات متعقله بقضايا فساد ال مبارك وقيادات نظامه.

من جهه اخري، فان المؤيدين للاعلان الدستوري، اعتبروا ان ماده تحصين مجلس الشوري والجمعيه التاسيسيه، ليست لتوسيع نفوذ الرئيس في مقابل القضاء، ولكن لضمانه الحفاظ علي مجهود واموال شهور، بخاصه بعد واقعه حل مجلس الشعب الوحيد بعد 25 يناير، ولضمان تحصين الاعلان الدستوري من الطعن فيه، كان لا بد من الماده الاولي التي تُحصّن الرئيس بدورها من تدخلات القضاء، اذ ثمّ فرضيه تفيد بانّ احتماليه تدخل القضاء في الخلاف السياسي الدائر انذاك، بحل مجلس الشوري او الجمعيه التاسيسيه، يُعتبر ممارسه سياسيه، ما يتنافي واستقلال القضاء.. ولهذه حكايه!

المحكمه الدستوريه في درج مكتب الجنزوري!

قرار حل مجلس الشعب موجود في درج مكتبي.

الجمله السابقه، كانت تهديدًا من كمال الجنزوري، رئيس الحكومه انذاك، لمحمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب في 2012، كشف عنها الاخير في لقاء تلفزيوني، في 25 ابريل 2012. جاء ذلك بعد ان احتدم الصراع بين مجلس الشعب من جهه، وحكومه الجنزوري معها وسائل الاعلام وبعض القوي السياسيه من جهه اخري. الطريف في الامر، هو ان المحكمه الدستوريه، المنوطه بالتحقق من دستوريه القوانين، اصدرت في يونيو من العام نفسه، حكمًا بحل مجلس الشعب، بدعوي بطلان بعض مواد القانون المنظمه لانتخاباته، ليفتح الباب امام تساؤلات “مشروعه”، حول ما اذا كان الحكم دستوريًّا بالفعل، ام سياسيًّا، انطلاقًا من نقطتين: الاولي تهديد كمال الجنزوري بان قرار الحل في درج مكتبه، والثانيه لحيثيات الحكم التي تاسست علي “بطلان القواعد القانونيه التي انتخب علي اساسها البرلمان”، ما يعني ان البرلمان معيب منذ بدء الاعلان عن فتح باب الترشح، دون ان تحرك المحكمه الدستوريه بدورها ساكنًا.. اذًا فلماذا الان؟ بالربط بين النقطه الاولي والثانيه، ربما نصل الي اجابه!

لاحقًا، وبعد توليه الرئاسه، اصدر مرسي في يوليو 2012، قرارًا بالغاء قرار حل البرلمان، داعيًا اعضاءه الي استئناف عقد جلساتهم، لكنّ المحكمه الدستوريه مرّه اخري وقفت له بالمرصاد!

هذا، وادّي حكم حل البرلمان، الذي صدّق عليه قرار المجلس العسكري انذاك، الي تغريم البلاد نحو 2 مليار جنيه، كلفه تنظيم انتخابات برلمانيه، فضلًا عن هذا، فان حل البرلمان، دفع بالبلاد، والي الان، الي حاله من الخواء التشريعي وعدم توازن بين السلطات، ثمّ ومع حل الشوري بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، تركزت كل السلطات التشريعيه في يد رئيس الجمهوريه!

في المقابل، ماذا فعلت المانيا؟!

في المانيا حدثت ازمه مشابهه، تتعلق بعدم دستوريه قانون منظم للعمليه الانتخابيه، وتوزيع المقاعد، وبعد ان حكمت المحكمه الدستوريه الالمانيه بعدم دستوريه القانون، اكدت ان حكمها لا ينطوي علي حلّ البرلمان، وانما تجاوز العقبه القانونيه من قبل المُشرّع (اعضاء البرلمان انفسهم) لعدم التكرار في الانتخابات اللاحقه، الامر نفسه الذي حدده حزب الوسط المصري، في بيان له، عقب اعلان محمد مرسي الغاء قرار حل البرلمان، فبعد ان اكّد الوسط علي ضروره ان تناي المحكمه الدستوريه بنفسها وعملها عن خلافات وصراعات الساحه السياسيه، لفت الي ان اي عوار شاب العمليه الانتخابيه، يُمكن تداركه في الانتخابات القادمه، كي لا تتواصل حاله “الفراغ التشريعي”. فضلًا عن ذلك: هل استحق الامر عناء تغريم البلاد 2 مليار جنيه في الوقت الذي كان الاطباء يضربون فيه عن العمل، رفعًا لاجورهم؟!

كنت علي علم بحكم الحل قبل ان يصدر! – سيد بدوي رئيس حزب الوفد

اقرا ايضًا: بعد الثورات والحروب والانقلابات: 3 تجارب لاصلاح القضاء في العال

اذًا، هل اكتفت المحكمه الدستوريه؟

لا يبدو ذلك، فبعد حكم حل مجلس الشعب – الذي كان سيد بدوي يعلم به قبل صدوره، وهو الذي لم يكن يمثل اي صفه في النظام الحاكم، او في مؤسسات الدوله، غير انه معارض، ساهم لاحقًا مع حزبه في اسقاط مرسي- اصدرت الدستوريه احكامًا اخري مثيره للجدل، اثنين منها لايقاف قرارات رئيس الجمهوريه المتعلقه بعوده مجلس الشعب، ودعوه النواب لاستئناف عقد جلسات البرلمان، واثنين ضد قانونين لمجلس الشوري، والثالث حلّ مجلس الشوري!

مع هذا التفحّل في نفوذ المحكمه الدستوريه، وما يمكن تسميته ببطشها في كل سلطه سواها باحكام تبدو وسط حاله الانقسام السياسيه الواضحه، انها تنحاز لطرف دون اخر، وليس ادل من التصريحات سابقه الذكر. مع كل هذا، ومن وسطه، خرج قرار الرئيس محمد مرسي بالاعلان الدستوري المكمّل، الذي نتجت عنه جمله من القرارات، اطاحت بدورها، بعدد من قيادات المحكمه الدستوريه، علي راسها تهاني الجبالي.

هل قبّلت تهاني الجبالي يد سوزان مبارك؟!

لا يعلم احد علي وجه الدقه ان كانت فعلت ذلك ام لا، رغم مزاعم مرتضي منصور انها فعلت، وبعض الهتافات التي رددها مناصرو جماعه الاخوان المسلمين ضدها: “يا تهاني فاكره زمان.. لما بوستي ايد سوزان؟”.

لكن في كل الاحوال، بات من المعلوم لدي الجميع العلاقه الوطيده بين الجبالي وسيده ال مبارك، اذ تكشف وثائق ان تهاني الجبالي كانت محاميه سوزان مبارك، ليربط البعض تعيينها المفاجئ نائبًا لرئيس المحكمه الدستوريه، بعلاقتها بعائله مبارك. غير ذلك، فان الجبالي، ظهرت بصحبه سوزان في العديد مما سمي بالانشطه النسويه، التي كانت ترعاها سوزان مبارك.

كذلك نالت تهاني الجبالي انتقادات واسعه بسبب احاديثها وتصريحاتها المتكرره، والمتعلقه بالشان السياسي، وقت ان كانت نائب رئيس المحكمه الدستوريه، ما يتنافي ودورها القضائي الذي لا يسمح لها قانونًا، او عرفًا، الحديث في الشؤون السياسيه او التعليق عليها.

كبار قضاه الدوله ساعدوا المجلس العسكري في الحفاظ علي سلطلته السياسيه، ومنع صعود الاسلاميين. – تهاني الجبالي لنيويورك تايمز

القضاء المصري وصراع التوريث: انتهاك لمبادئ استقلال القضاء

من بين مبادئ استقلال القضاء التي وضعتها الامم المتحده ضمن ميثاق حقوق الانسان، وفي الجزء المتعلق بـ”المؤهلات والاختيار والتدريب”، اكّدت انه، يتعين علي من يقع عليه الاختيار لشغل وظيفه قضائيه، ان يكون من الافراد ذوي النزاهه والكفاءه، لكن الاهم بالنسبه لما نحن في صدده، وبيت القصيد، هو الجزء الذي ينص علي انّه:

يجوز عند اختيار القضاه، ان يتعرض اي شخص للتمييز علي اساس العنصر او اللون او الجنس او الدين او الاراء السياسيه او غيرها من الاراء، او المنشا القومي او الاجتماعي، او الملكيه او الميلاد او المركز.

بالجمله، يمكن القول ان هناك تعارضًا باديًا بين المبادئ التي اقرتها الامم المتحده، وبين ما هو سارٍ في مصر، من عده اوجه، اقربها الجزء المتعلق “بالتمييز العنصري” علي اي اساس، بما في ذلك “المنشا الاجتماعي والملكيه والمركز”، الامر المنطبق تمامًا علي تصريحات وزير العدل، الذي انطلق في رفضه لتعيين ابن عامل النظافه في السلك القضائي، من فرضيه تفيد بانّه “لازم يكون من وسط مناسب”، وبقدر عموميتها فانها تندرج ضمن انواع التمييز الذي شدد ميثاق حقوق الانسان، وما تضمنه من مبادئ لاستقلال القضاء؛ علي عدم جوازها.

بيد ان تصريحات الوزير المقال، ليست الاولي في هذا السياق، اذ سبقها لرئيس نادي القضاه احمد الزند، الذي شدد خلال لقاء جمعه باعداد من القضاه، علي ضروره الدفاع عن تعيين ابناء القضاه في سلك ابائهم.

في 2013 وبعد شهور قليله من انقلاب الثالث من يوليو، صدر قرار جمهوري من الرئيس المعين عدلي منصور (رئيس المحكمه الدستوريه قبل ذلك والان)، بتعيين 475 من خريجي كليات الحقوق والشرطه والشريعه والقانون من دفعتي 2010 و2011 في النيابه العامه، بدلًا عن 601 كان قد صدر لهم قرار سابق بتعيينهم، في عهد محمد مرسي. الروايه الرسميه تقول ان من تم استبعادهم هم ابناء اعضاء جماعه الاخوان المسلمين، بينما تفيد تقارير ان المستبعدين هم من الاوائل والحاصلين علي تقديرات مرتفعه. وعمومًا لا تبدو الروايتين متضادتين، اذ انه في كل الاحوال، انبني القرار الجمهوري علي “تمييز” علي اساس سياسي، وكذا اجتماعي ومركزي.

اقرا ايضًا: القضاء المصري بين 7 عهود.. 24 محطه بارزه في علاقه القضاء بالسلطه 

هذا، ويمكن القول، ان القرار الجمهوري السابق ذكره، ومعه تصريحات الوزير المقال، او تسريبات الزند، هي نتاج “نضال” متواصل من قبل القضاه، للاستقلال بما يمكن تسميته بـ”دولتهم” او “تنظيمهم” الخاص، فبعد القرار الجمهوري الصادر في 2007، والمنظم لعمليه القبول في السلك القضائي، بان تكون علي اساس الحصول علي تقدير جيد علي الاقل في الكليات المؤهله (حقوق – شرطه – شريعه وقانون)؛ ومن وقتها والقضاه يتباحثون لايجاد حلول تفضي الي تعيين ابنائهم، بخاصه بعد عقبه تقدير جيد. وكان من بين ذلك، اقتراح تعديل علي قانون السلطه القضائيه، يعمد الي تخصيص “كوته” لابناء القضاه. هذا التعديل اتفقت عليه كل اجنحه القضاء المصري علي حد سواء، اذ يُذكر علي سبيل التندّر ان احمد مكي وزير العدل في الوقت الذي طُرح فيه الاقتراح (عهد مرسي)، اتفق مع احمد الزند رئيس نادي القضاه، علي هذا التعديل، فلكل منهما ابناء يسعون لميراثهم!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل