المحتوى الرئيسى

طارق البرغوثي يكتب: القيادة بالقدوة الحسنة | ساسة بوست

05/11 17:40

منذ 17 دقيقه، 11 مايو,2015

خلق الله في الانسان غريزه التقليد كاداه تساعده علي التقاط المعلومات واكتساب المهارات، وهو في هذه المسيره يحتاج الي قدوات تضيق وتتسع، تبدا من الاسره ثم تتسع لتشمل العالم.

والانسان وان بلغ المراتب العُلي لا بد له من قدوات حسنه فهم زاد الطريق كما قال الله تعالي (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينه الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا).

ويلفت الله سبحانه وتعالي نظر نبيه محمد صلي الله عليه وسلم الي الاقتداء بمن قبله من الرسل (اولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده). (الانعام 90).

وان كان هذا الاقتداء له استثناءات كما في الايه (قد كانت لكم اسوه حسنه في ابراهيم والذين معه) حتي قوله (الاّ قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك) (الممتحنه 4).

ويخُصُّ الله نبيه محمدا بالاقتداء في قوله تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله اسوه حسنه لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)، وذكر سبحانه كلمه “اسوه” منكّره للاقتداء به في جميع الجوانب، فمن اراد قدوه في العلم، في الحرب، في السلم، في الخير والصلاح، في تحمّل العنت والمصيبه، في العباده، في الحب، في كل جوانب الحياه، فالقدوه هو الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم.

والرسول بعد ذلك وضع للناس قدوات من صحبه رضوان الله عليهم بافضل ما عند كل واحد فيهم من صفه، لان صفات الكمال لا تجتمع عند انسان، فكلُّ يؤخذ منه ويُرد الا المعصوم صلي الله عليه وسلم.

اَرْحَمُ اُمَّتِي بِاُمَّتِي اَبُو بَكْرٍ، وَاَشَدُّهُمْ فِي اَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَاَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَاَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَاَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَاَقْرَؤُهُمْ اُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ اُمَّهٍ اَمِينٌ, وَاَمِينُ هَذِهِ الاُمَّهِ اَبُو عُبَيْدَهَ بْنُ الْجَرَّاح.

يقول الغزالي بما معناه: “الاعجاب لا ينبت في النفس خبط عشواء، اتظن ان العقول النضره تعجب بالعقول الخربه؟ ان المسلمين استحقوا التاسي بهم لانهم كانوا يمثلون نهضه راشده، فالمعجب بك يذوب فيك, وهذا ما حدث عند ذوبان الامم في الاسلام).

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوه والاسوه الحسنه، فعندما صدح بكلماته الاولي التي تؤذن بفجر جديد وقال: يا معشر قريش، لو اخبرتكم ان خيلاً خلف هذا الوادي تريد ان تغير عليكم اكنتم مصدقي؟! قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبًا، قال: فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد).

* ان يطابق فعله قوله، تامّل قول الله تعالي (يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبُر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون) (الصف)، فالفعل ابلغ من الكلام، فاذا اردت ان يتاسي بك الناس فكن انت في كل المواقف.

* ان تتقدم الناس في الشّر وتتاخر عنهم عند جني الثمر، وكما تقول الحكمه “اذا اردت ان تكون امامي فكن امامي، فانت تستطيع ان تجبر الاخرين علي اتّباعك عن طريق مركزك وسلطانك ولكن اذا ما انتهي هذا السلطان فقدت بريقك، اما بالقدوه الحسنه فالناس لن تبتعد عنك وستكون ُملهما لهم في كل الاوقات.

* الصدق في كل الظروف، فكونك صادقا سيثق الناس بك، والثقه عنوان القياده الناجحه.

لا اريد ان اطيل في الصفات، ولا اجمع من قول عائشه – رضي الله عنها – عندما جاءها رجلٌ من اليمن يسالها ان تصف له خُلق النبي صلي الله عليه وسلم, فقالت بكلام بليغ فصيح: الستَ تقرا القران؟ قال بلي، قالت: فانه خلق رسول الله”، فمن كان خلقه القران وجب التاسي به في جميع حالاته، وهي الصفه الجامعه لمعاني الخير كلّها.

القدوه سلاح ذو حدين، فعّاله اذا تم توجيهها بما يجلب الخير, ومن ايجابياتها:

1- القدوات يحفظ الله بهم الارض, هم النموذج لمن اراد ان يقترب من الكمال، وهم من يُلهم الاخرين في جميع المجالات.

2- بثّ العزه في النفوس, فالقدوه من امثال احمد بن حنبل في محنته، والعز بن عبد السلام في وقفته مع المماليك، وسعيد بن جبير مع الحجاج، كل هؤلاء القدوات يقتدي بهم في مواقف تنضح بالعزّه، وفي كلمه الحق التي بها يُحفظ الدين علي اهله.

3- قدوات يقتدي بهم في اخلاقهم ومعاملاتهم، بهذه القدوات دخل الاسلام بقاعًا ما كان ليدخلها الا باخلاق هؤلاء المسلمين العظام، مثل اندونيسيا وغيرها.

4- قدوات يمثلون ذاكره الامّه، جاهدوا في الله حق جهاده، فايٌ منا لا يستشهد بالفارس عمر المختار, والفارس عبد الكريم خطابي وغيرهم من المعاصرين او خالد والقعقاع والزبير وسعد وغيرهم من الرعيل الاول؟!

5-قدوات تحفّز علي خير العمل، كثير من القدوات لديهم همّه وطاقه عاليه، من خلال مؤلفاتهم، محاضراتهم، وكم من قدوه كان خير مثال علي ان المستحيل لا يوجد الا في قاموس العاجزين، وهؤلاء لا حصر لهم وتاريخ الامه زاخر بهم.

6-من لم يتبع قدوه حسنه سيتبع قدوه سيئه، او لا يكون له قدوه، وتخيل شخصًا ليس له نموذج يحاول ان يصل اليه! او يكون قدوته كاليسا ومارادونا وغيرهم من قدوات الفن والرياضه!

7-وجود نماذج طبقت الاسلام علي الارض فاصبحت بهم جنه بعدما كانت جحيمًا، فالاسلام بهذا المفهوم ليس نظريا وانما طبق علي الارض بواسطه بشر مثلنا مثلهم، فهناك اذن امكانيه بناء نموذج مشابه رغم التحديات.

وللقدوات جوانب يجب التحرّز منها، اذكرُ منها:

*- عندما تتحول القدوات الي الهه تُعبد من دون الله، عندها يقيم الناس لهم اصنامًا يظلون لها عاكفين، ياتمرون بامرهم ويصبحون همُ المنهج والمنهج هُم، وهم القبله التي يحجّ اليها الناس، فيتخذونهم من دون الله اندادا!

فالمتصوفه الذين يقدسون شيوخهم، اذا اراد احدهم ان يستشهد بكلام، فلا يقول قال الله وقال الرسول، ولكن يقول قال شيخي، وحدثني شيخي، وينزل حديث شيخه بمنزله النص، وكما قال ذلك الشيعيّ المضلل: والله لو قال لي الولي الفقيه ان خلف هذا الوادي جيشًا، فذهبت فلم اجد شيئا لكذّبت عيني واتهمت نفسي، او كما قال مضلل سُنيّ: نظره عندنا من الامام احمد تعدل عباده سنه! فاين هؤلاء من قول الله سبحانه: (ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا)، وقد خلق الله للانسان عقلاً حتي يميز الخبيث من الطيب.

نحن نحتاج القدوه للوصول الي الحق، كما كان الشافعي رحمه الله يقول: مذهبنا صواب يحتمل الخطا ومذهب غيرنا خطا يحتمل الصواب، ولما اختلف الشافعي مع ابي عبيد بمساله، بدا الشافعي بالافتاء بما قال به ابو عبيد، في حين وجدوا ابا عبيد يفتي بقول الشافعي، ذلك لانهم تجردوا من حظ النفس وتجاوزوه الي ما يخدم هذا الدين.

*- احيانا يقف القدوات جدارًا منيعًا امام المُقتدي فيُصيب المقتدون الاحباط والياس لعدم مقدرتهم مجاراه القدوات, فيعتقدون انهم اصغر من ان يبلغ شاوهم, والعظماء هم من يكسرون تلك الحواجز التي يقيمها عظماء قبلهم.

في مراحل النهضه تتبين كيف ان القدوات الصالحه كانت وراء هذه النهضه وفي مراحل التخلف تري غيابًا للقدوات الحسنه وحضور القدوات السيئه.

كثير من قدوات الامه تم التشهير بها، وقدوات اخرون تم تغييبهم وجعل اسمائهم طيّ النسيان، لان تشويههم يصرف قلوب الامه عنهم وعن علمهم وبهذا تفقد الامه ذاكرتها ومصدر عزّتها، وهناك اله اعلاميه في الداخل والخارج تقوم بهذا العمل، وكثير منّا يقوم بهدم عمالقه من قلوب الناس بجهلنا او حقدنا واحيانا كثيره عن طيب نوايانا.

ان النقد البنّاء الذي يهدف للوصول الي الحق مطلب كل انسان، اما استهداف رموز الامه بالتشهير لاسقاطهم من القلوب والعقول فهذا خلاف نقدٌ هدّام، فمن الملاحظ ان العرب كانوا اوّل من اسس علوم الجرح والتعديل وعلم الرجال لمعرفه العدول ومجروحي العداله، وكانوا يتورعون في ذلك اشد الورع، والانسان ليس معصومًا وليس ملاكا, فالخطا طبيعه البشر، وعلينا ان نحسن الظن بالاخرين وخاصه القدوات الذين يقتدي بهم خلق كثير.

في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)، فالشخص الذي عرف بالصلاح وشهد له القاصي والداني بان عدله اكثر من جرحه وجب علينا ان نحمل كل ما يصدُر عنه علي الاصل الا اذا تحقق الخطا، ثم لا ننسي الفضل له لان حسناته تغلب سيئاته.

كثير منّا ينتظر من القدوه احيانا اكثر مما يُطيق فنسقطه من اعيننا اذا لم يقل كلمه حق في موقف كان يجب ان يقولها، ولنتذكر في محنه خلق القران كيف انّ الامام احمد رحمه الله كان من القلائل الذين صمدوا في هذه الفتنه، ولنستمع الي الامام يحيي بن معين، الامام الحافظ (اقرا سيرته في سير اعلام النبلاء) وهو يقول: اراد الناس منا ان نكون مثل احمد بن حنبل والله ما نقوي ان نكون مثله ولا نطيق سلوك طريقه”.

ان الغرب اليوم ينصُب له قدوات واعلاما لشعبه ليقول لهم: هؤلاء ما نريده لكم ان تكونوا في المستقبل، فهتلر في المانيا، ونابليون وديغول في فرنسا، وتشرتشل في بريطانيا، وجورج واشنطن في امريكا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل