المحتوى الرئيسى

هكذا جعلت العنصرية منهم نجوماً

05/09 12:26

تغص ابرز المنتخبات الاوروبيه اليوم بلاعبين متحدّرين من اصول اجنبيه، ويترافق ذلك مع اصوات احتجاجيه تخرج من بعض السكان الأصليين مطالبهً بمنع اولئك "الغرباء" من تمثيل المنتخب الوطني. هذه الاصوات، علي قلّتها، تترك اثاراً نفسيه لدي بعض اللاعبين، تدفع بعضهم للردّ عليها، كل علي طريقته.

كريم بنزيما، لاعب منتخب فرنسا ذو الاصول الجزائريه، بات يرفض ان يردّد السلام الوطني الفرنسي مع زملائه قبيل المباريات، ردّاً علي الاصوات المطالبه بـ"تنقيه" منتخب الديوك من الدخلاء.

كره القدم تشكّل ملاذاً اخيراً لالاف الاطفال الذين اضطرتهم الحروب والمجاعات والفقر لترك بلادهم والانتقال للعيش في بلاد اجنبيه، بحثاً عن فرصه حياه افضل. من ضواحي المدن خرجت مواهب كرويه لمعت كنجوم في سماء اللعبه ووصلت الي العالميه. لم يكن احتراف كره القدم حلماَ لمعظم اولئك الاطفال، بقدر ما كان وسيله للانتقام من التمييز العنصري والعرقي، الذي عاشوه في طفولتهم. فكانت اهدافهم وانجازاتهم صرخهً في وجه العالم للقول: "نحن هنا، نحن موجودون".

"الاشخاص العنصريون هم اقليه، لكنك لا تستطيع فعل شيء معهم، تستطيع ان تقول ما تريد، ان تفعل ما تريد لكنك لا تستطيع تغييرهم لانهم ببساطه اناسٌ اغبياء". بهذه الجمله ردّ ماريو بالوتيلي علي الاشارات العنصريه التي وجهت له في احدي مباريات الدوري الايطالي. لم يسلم اللاعب الغاني الاصل والايطالي المولد والجنسيه من المضايقات العنصريه طوال سنين حياته. المضايقات المزعجه هذه، بالاضافه الي الفقر المدقع ومرض الامعاء اللذين لازماه منذ الطفوله، جعلت منه شخصاً غريب الاطوار لا يثق باحد، ويطلق التصريحات الناريه يمنهً ويساراً.

بالعوده الي سيره حياه "السوبر ماريو"، نجد ان والده اضطر للموافقه علي طلب عائله بالوتيلي لتبنّي ماريو، بسبب عجزها عن تامين حاجاته الاساسيه. وقد استطاعت عائلته الجديده ان تعوضه بعضاً من الحرمان الذي عاناه في طفولته المبكّره. وهو انقطع لاحقاً عن زياره والديه البيولوجيين في عطله نهايه الاسبوع، متهماً اياهما بالتخلي عنه وقرر ان يحمل اسم عائله بالوتيلي. بمعني اخر، قرر ماريو قطع كل صلاته بالماضي متطلعاً نحو حياه افضل. كذلك رفض تمثيل منتخب غانا لكرة القدم، مفضّلاً المنتخب الإيطالي. وهو يفتخر بايطاليته ويشير اليها في الكثير من تصريحاته وتغريداته. الكره بالنسبه اليه هي السبيل الوحيد لازاله الفروق بينه وبين الاخرين.

ساله يوماً احد الصحافيين عن سبب عدم احتفاله بالاهداف التي يسجّلها، فاجابه: "انا اقوم بعملي، هل رايت يوماً ساعي بريد يحتفل بعد تسليم الرساله اليك؟". بمعني اخر، الكره عنده مكان للعمل وتحقيق الذات، اكثر مما هي مكان للشغف والاستمتاع. مع العلم ان هدفه الثاني في مرمي المانيا في نصف نهائي يورو 2012 جعله يخرج عن عادته ويحتفل بطريقه مثيره عندما خلع قميصه، واخذ يستعرض عضلاته. اعترف لاحقاً بان هذا الهدف هو الاهم في مسيرته اذ شعر من خلاله انه ايطالي بامتياز، وان الشعب الايطالي بحاجه اليه، وكان ذلك رداً علي التغريده التي انتشرت علي تويتر يومذاك Negro is not an Italian التي استهدفته هو بالذات.

من اب بوسني مهاجر وام كرواتيه، ولد زلاتان ابراهيموفيتش في العام 1981 في مالمو  السويديه. تعرض زلاتان في طفولته لاقسي انواع التمييز العنصري، ناهيك بالفقر والحرمان اللذين لازماه فترهً طويله.

"اهدي هذا الكتاب لعائلتي واصدقائي وكلّ من شجعني وكان بجانبي، اريد ايضاً ان ارسله لجميع الاطفال، وتحديداً لاي طفل يشعر انه مختلف وغريب قليلاً، واقول له ان الاختلاف عن الاخرين جيّد ايضاً. واصل ايمانك بنفسك (...)". بهذه الكلمات افتتح زلاتان كتابه "انا زلاتان" I am Zlatan الذي يروي سيرته الذاتيه، في اشاره واضحه الدلاله الي ان حياه النجوميه والاحتراف لم تمحُ من ذهنه ماسي الطفوله. يشيد زلاتان في كتابه بكره القدم، التي حوّلته من سارق دراجات ناريه وتلميذ مدرسه ينفر الجميع منه الي نجم كروي عالمي.

في العام 2010 انتقل زلاتان للعب مع برشلونه الاسباني في صفقه كبيره انتُظِر منها الكثير، لكن السنه التي لعبها في الكامب ناو لم تكن في مستوي التوقعات. لم يتاقلم زلاتان مع مجموعه لاعبي برشلونه الذين ترعرع معظمهم معاً في اكاديميه لاماسيا، شعر بانهم كتله واحده وبانه دخيلٌ عليهم، وجد نفسه وحيداً مره اخري، فعادت به الذاكره الي مالمو. "الطفل والد الرجل"، يقول سيغموند فرويد، زلاتان ابراهيموفيتش مثال صارخ علي تلك المقوله.

كان النجم الفرنسي زين الدين زيدان قد اختار مونديال المانيا 2006 ليكون نهايهً لحياته الكرويه. قدّم النجم الجزائري الاصل والمتحدر من قبائل بربريه صحراويه مونديالاً كبيراً مع رفاقه الذين بلغوا المباراه النهائيه ليواجهوا منتخب ايطاليا، وهذا ما جعل الفرصه مؤاتيه لرفع كاس البطوله وتوديع الكره بافضل طريقه ممكنه. الا ان زيدان فاجا الجميع قبيل نهايه المباراه عندما وجّه "نطحهً" الي صدر المدافع الايطالي ماتيرادزي بطريقه غريبه، ليخرج من المباراه ببطاقه حمراء، مُساهماً في خساره منتخبه البطوله وتاركاً غصّه في صدور عشاقه في انحاء العالم.

لم تكن تلك الحادثه يتيمه في مسيره زيدان، فاللاعب الذي يحرص دائماً علي الظهور بمظهر الجنتلمان لم يسلم من بعض التصرفات الانفعاليه. في دراسه لسلوكيات زيدان قام بها معالجون نفسيون فرنسيون تبيّن لهم ان ظروف طفوله زيدان المبكره وتعرضه لتمييز عنصري من اترابه، تركت جروحاً في نفسه، عادت لتظهر بعد سنوات طويله، وان احد اسرار عبقريه زيدان الكرويه مردّه الي الرغبه الجامحه في الوصول الي النجوميه لينتقم لطفولته.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل