المحتوى الرئيسى

استمرار سجال "تحرير أم احتلال؟" يؤخر ولادة الدولة العراقية

05/09 12:26

حتي الساعه الثانيه عشره من ظهر التاسع من ابريل 2003، كان العراقيون يسمعون اصوات الغارات الامريكيه، لكنهم لم يشاهدوا جنوداً امريكيين في شوارع عاصمتهم بغداد. وبعد ظهر ذاك اليوم، دخلت دبابات امريكيه الي العاصمه العراقيه ووصلت الي ساحه الفردوس وسط بغداد.

الامريكيون ايقنوا ان ما يريدون تخليده يجب ان يتم امام وسائل الاعلام، وفهموا ان هذا اليوم يجب ان تكون له ذكري ثابته. لذلك توجهوا نحو تمثال للرئيس العراقي الاسبق صدام حسين يتوسط ساحه يطل عليها اثنان من اهم فنادق العراق، فلسطين وعشتار، حيث كانت تنتشر وسائل الاعلام الاجنبيه ووكالات الانباء العالميه.

مع توقف المدرعات امام النُصب، راحت وسائل الاعلام الاجنبيه ترصد تحركاتها. في تلك الاثناء تجمع العشرات من سكان المنازل القريبه في منطقه الكراده وشارع السعدون بالقرب من المدرعات الامريكيه.

خلال فتره حكم صدام التي امتدت من 1979 حتي 2003، شهدت ساحه الفردوس ازاله نصب الجندي المجهول الذي كان يرمز الي الجنود المجهولين في الحروب التي خاضها العراق، ورفع تمثاله الذي صار ايقونه سقوط نظامه.

كان صدام حسين، يمتلك، بحسب ارقام ظهرت بعد سقوط نظامه، 2500 تمثال في العراق. وكان اسقاط التمثال الذي يتوسط ساحه الفردوس في بغداد، بدايه لسقوط التماثيل الاخري.

فجاه، صعد جندي امريكي الي التمثال بمساعده مواطن عراقي. ربطا سلاسل طويله بعنق الرئيس، وفور نزولهما جذبت الدبابه الامريكيه السلاسل فسقط اشهر تمثال للرئيس العراقي الاسبق، واُعلن سقوط النظام الديكتاتوري.

نجاح كريم كان يبيع السجائر علي طاوله صُنعت من بقايا اثاث منزلي رث، بالقرب من جامع 14 رمضان في ساحه الفردوس. ظل مذهولاً لدقائق وهو ينظر الي اقتراب قوه امريكيه مدرعه الي مكان كان ينتشر فيه، قبل ساعات قليله، عناصر مسلحه من حزب البعث. قال نجاح الذي كان عمره في ذلك اليوم 25 عاماً، ان "مسلحين ينتمون لحزب البعث ابلغوه قبل رؤيته الدبابات الامريكيه بساعات ان بغداد مؤمنه والامريكيون لن يدخلوها".

ولان نجاح واحدٌ من 30 مليون عراقي، لم يعتقد في يوم من الايام ان تلك الصوره الاسطوريه التي صُنعت لصدام ستتلاشي، في وقت قصير، ويُصبح مَن كان يحكم بالقوه هارباً من اصغر مُجند في الجيش الأمريكي.

بعد 12 عاماً من تلك الحادثه، لم يعرف نجاح الذي يشغل حالياً منصباً ادارياً في احدي مؤسسات الدولة العراقية، ماذا قررت حكومات "الشراكه الوطنيه" في العراق. هل الذي حصل ذاك اليوم احتلال ام تحرير؟

التحالف الوطني (الشيعي)، الذي ينتمي اليه رؤساء الحكومات العراقيه منذ عام 2005، شهد في اوقات سابقه خلافات حاده بين كُتله. تباينت مواقفها من احداث يوم التاسع من ابريل 2003، فمنها مَن اعتبره يوماً يستحق الاحتفال بذكراه ومنها مَن اعتبره احتلالاً، وهناك من رفض الاحتفال لتزامنه مع ذكري استشهاد الزعيم الشيعي محمد باقر صدر، الذي اعدمه صدام حسين مع شقيقته عام 1980.

لكن الحكومه العراقيه الانتقاليه، برئاسه ابراهيم الجعفري، قررت عام 2006 ان يكون التاسع من ابريل يوم عطله رسميه استناداً الي اول قرار اتخذه مجلس الحكم في 13 يوليو 2003. الا ان مجلس

رئيس الحكومه العراقيه السابق ونائب رئيس الجمهورية العراقي الحالي، نوري المالكي، قال في الذكري العاشره لتغيير النظام العراقي: "علي الرغم من المشاكل التي مرت بها البلاد خلال العقد المنصرم، فان اغلبيه العراقيين يتفقون علي اننا اصبحنا اليوم بحال افضل مما كنا عليه في زمن الدكتاتوريه الوحشيه".

واضاف ان العراقيين "سيظلون ممتنين لدور الولايات المتحده وللتضحيات التي قدمها الجيش والمدنيون الذين ساهموا في انهاء نظام حكم صدام"، مشيراً الي ان "تلك التضحيات قليله بالمقارنه مع الخسائر التي قدمها الشعب العراقي".

ولكن في المقابل، تعتبر اغلبيه العشائر العراقيه هذا اليوم "احتلالاً"، خاصه تلك التي تسكن شمال البلاد وغربها، وذلك نتيجه العلاقه الوطيده التي كانت تربطها بنظام صدام، ووجود الكثير من ابنائها في الجيش السابق والجهاز الامني الخاص بالرئيس. وبرغم ان شيوخ تلك العشائر يعتبرون ذلك التاريخ "احتلالاً"، فان علاقه ايجابيه كانت تربطهم بالمسؤولين العسكريين الامريكيين، الذين لطالما دعوهم لحضور ولائم واحتفالات ومؤتمرات.

علي السراي، وهو صحافي عراقي واكب التطورات التي حدثت بعد ذلك التاريخ، قال لرصيف22 ان العراق متنوع في وصفه وتقييمه ليوم ٩ ابريل 2003، وهو بالضروره تنوع ثقافات سياسيه، تتصادم علي مصالح متناقضه ومتضاربه تركتها الولايات المتحده، من دون حسم.

واضاف: "الحيره بين الاحتلال والتحرير، والصراع بين هاتين المقولتين، تخبرنا بان العراق سيبقي في مرحلته الانتقاليه، او الاحري انه عاجز عن الانتقال الي دوله ما بعد صدام، بل ان الانتقال اسير بين خياري "العراق المحرر" او "المحتل"، في حين لا يمكن لاي من الفريقين البحث عن عراق ثالث".

ويلفت السراي الي ان "جزءاً من تعثر المسار العراقي يعود الي ان النخبه العراقيه ​لا تزال عالقه في تلك اللحظه، وبعضها لا يزال يقدم انشطه سياسيه متواضعه ومرتبكه من وحي صدمه تغيير نظام صدام، اذ يشعر السُنه بان تلك اللحظه ازاحتهم عن السلطه والنفوذ، بينما يركض الشيعه سريعاً لتصفيه ارث ٣٥ عاماً من التهميش، اما مَن هم بينهما فيلفظهم هذا التصادم". ويؤكد: "لا مؤشرات علي فض الاشتباك بين هذه الثنائيه حتي الساعه".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل