في ذكرى ميلاد سيد مكاوي.. طفل كفيف ضحى بالشهرة ليتربع على عرش الغناء والتلحين

سيد مكاوي.. طفل استطاع ان يحجز له مكانا في الحقل الموسيقي وتربع علي كرسيه الفني الي جانب عمالقه عصره، ولد عام 1928 في حي الناصريه، بالسيده زينب، وسط اسره شعبيه بسيطه وكان لكف بصره عاملًا اساسيا في اتجاه اسرته الي دفعه للطريق الديني بتحفيظه القران الكريم، فكان يقرا القران و يؤذن للصلاه في مسجد ابوطبل ومسجد الحنفي بحي الناصريه.

وعندما بلغ لسن الشباب حتي انطلق ينهل من تراث الإنشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين مثل: الشيخ اسماعيل سكر والشيخ مصطفي عبدالرحيم، وكان يتمتع بذاكره موسيقيه جباره فما ان يستمع للدور او الموشح لمره واحده فقط سرعان ما ينطبع في ذاكرته الحديديه، وكانت والدته تشتري له الاسطوانات القديمه من بائعي الروبابيكيا بالحي، بثمن رخيص ليقوم بسماعها ليروي عطشه الدائم لسماع الموسيقى الشرقية .

ويشاء القدر ان يسوق اليه اول صديقين في تاريخه الفني وهما الشقيقين اسماعيل رافت ومحمود رافت، وكانا من ابناء الاثرياء ومن هواه الموسيقي، وكان احدهما يعزف علي اله القانون، والثاني علي اله الكمان، وكان لديهما في المنزل الاف الاسطوانات القديمه والحديثه من تراث الموسيقي الشرقيه لعباقره العصر امثال داوود حسني ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي والشيخ درويش الحريري وكامل الخلعي.

وكان سيد مكاوي في بدايته مهتما اكثر بالغناء، و يسعي لان يكون مطربًا وتقدم بالفعل للاذاعه المصريه في بدايه الخمسينات وتم اعتماده كمطرب بالاذاعه وكان يقوم بغناء اغاني تراث الموسيقي الشرقيه، من ادوار وموشحات علي الهواء مباشره في مواعيد شهريه ثابته، ثم تم تكليفه بغناء الحان خاصه وذلك بعد نجاحه في تقديم الحان التراث، ولعل من مفارقات القدر ان تكون اول اغانيه الخاصه والمسجله في الاذاعه، ليست من الحانه بل من الحان صديقه والملحن الناشيء في هذا الوقت الفنان عبدالعظيم عبدالحق، والاغنيه هي «محمد» والثانيه كانت للملحن احمد صدقي وهي اغنيه «تونس الخضرا » وهما الاغنيتين الوحيدتين التي غناهما سيد مكاوي من الحان غيره .

وكانت بدايته مع الفنان محمد قنديل في اغنيه «حدوته» للشاعر صلاح جاهين، رفيق كفاح سيد مكاوي، وقدم بعد ذلك العديد من الالحان للاذاعه من اغاني وطنيه وشعبيه فقدم مثلا لمحمد عبدالمطلب اغنيتي «اتوصي بيا، وقلت لابوكي عليكي، قالي، وكل مره لما اواعدك» والتي غناها سيد مكاوي في الثمانينات ونالت شهره واسعه الي ان شاء القدر ان يحظي سيد مكاوي ببدايه الشهره الطاغيه من خلال لحن لشريفه فاضل وهو «مبروك عليك يا معجباني يا غالي» واللحن الاشهر لمحمد عبدالمطلب وهو «اسال مره عليه»، والذي دوي في جميع انحاء القطر المصري وسلط الضوء علي ذلك الملحن.

وانشا ميكاوي مدرسه «سيد درويش» التعبيريه ومدرسه «زكريا احمد» التطريبيه وكان كثيرا ما يغني الحانهما سواء في جلساته الخاصه او حفلاته العامه وكان دائم الاعتراف بفضل سيد درويش وزكريا احمد علي الموسيقي، وان كان لم يعاصر الاول، وقدم للمطربه الكبيره ليلي مراد «حكايتنا احنا الاتنين» وللمطربه شاديه «هوي يا هوي ياللي انت طاير» و«همس الحب يا احلي كلام»  ولنجاه الصغيره «لو بتعزني».

ويعتبر «مكاوي» بصمه فنيه مهمه في الكلمات ومحطه من المحطات اللحنيه المتفرده، في التراث الموسيقي الشرقي، كما كان له  الفضل الاول في وضع اساس لحني خاص لتقديم «المسحراتي» وكان له ايضا الفضل في وضع اساس لتقديم الاغاني الجماعيه بالاذاعه، حيث كان اول من لحن اغاني «المجاميع» وكان معروفًا ان كل ملحن يسعي لتقديم لحنه لاحد الاصوات الشهيره الموجوده تحقيقا للشهره والذيوع ولكن سيد مكاوي وجد ان نصوص تلك الاغاني لا تحتاج لاصوات فرديه فضحي بالشهره في مقتبل عمره في سبيل تقديم اللون الغنائي الذي يراه مناسبا، فقدم للشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل اغنيه جماعيه هي «امين امين يا رب الناس» وكذلك اغنيه «وزه بركات» وللشاعر القدير فؤاد قاعود اغنيه «عمال ولادنا والجدود عمال».

وعقب نكسه 1967، كان لسيد مكاوي نظره ثاقبه، في هذا الامر فسرعان ما تقدم للاذاعه بهذا العمل حيث تم تقديمه من خلال اذاعه البرنامج العام، خلال شهر رمضان عام 1968 من اخراج فتح الله الصفتي، وهذا البرنامج له المقدمه الغنائيه الشهيره «اول كلامي سلام » وقام بغنائه سيد مكاوي في شكل الشاعر الراوي، وقدم من خلال الثلاثين حلقه العديد من الاصوات الجديده والمواهب الشابه انذاك والتي شاركته في الغناء مثل ليلي جمال وزينب يونس ووجنات فريد وعبدالحميد الشريف.

وكان من اشهر اغاني سيد مكاوي والتي قدمت من خلال هذا البرنامج اغنيه «الارض بتتكلم عربي» ويعتبر هذا العمل عمل ملحمي مليء بالتراكيب اللحنيه الشيقه والمعقده والمركبه ويعتبر مرجعا مهمًا لكافه الملحنين الجدد للاستفده منه في كيفيه التسلسل اللحني وحسن النقلات الغنائيه.