المحتوى الرئيسى

أحمد السيد يكتب: الانتخابات البريطانية ٢٠١٥: الطريق إلى برلمان منقسم ومملكة لم تعد متحدة؟ | ساسة بوست

05/08 23:20

منذ 34 دقيقه، 8 مايو,2015

عنوان هذا المقال تضمّن تعبيرًا تنقصه الدقه، هل لاحظته؟ اعد قراءه العنوان اذًا. هل عثرت عليه؟ انه هناك في عباره “الانتخابات البريطانيه”، الاكثر دقه هو ان الانتخابات المزمع اجراؤها في السابع من مايو الجاري هي الانتخابات العامه في المملكه المتحده. وهل هناك فرق بين “بريطانيا” و”المملكه المتحده”؟ يعرف كثيرون الجواب الصحيح، لكن الامر ما زال يختلط علي البعض. علي كل حال، ربما تفيدنا الاجابه علي هذا السؤال بشيء من التفصيل، كمدخل الي هذا التقرير المعني بمناقشه الانتخابات العامه في الدوله التي كانت يومًا ما امبراطوريه لا تغيب عنها الشمس.

انجلترا، بريطانيا العظمي، والمملكه المتحده .. ما الفرق؟

انجلترا هي احدي البلدان الاربعه ذات السياده التي تتكون منها المملكه المتحده وهي انجلترا، سكوتلاندا، ويلز، وايرلندا الشماليه. وعاده ما تستخدم انجلترا – بشكل خاطئ – كمرادف او بديل لبريطانيا او المملكه المتحده، وربما السبب في ذلك ان انجلترا تمثل الجزء الجغرافي الاكبر مساحهً والاكثر سكانًا في المملكه المتحده. كما انها مثلت النواه الاستعماريه التوسعيه التي تاسست عليها المملكه، بالاضافه الي وقوع العاصمه لندن داخل حدودها. بريطانيا العظمي، علي جانب اخر، هو مصطلحُ جغرافيٌ قبل ان يكون سياسيًا، وهي الجزيره التي تضم انجلترا وسكوتلاندا (في الشمال) وويلز (في الغرب). اما المملكه المتحده، كما نري في اسمها الرسمي – وهو المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية – فهي الاتحاد السياسي الذي يضم دول بريطانيا العظمي وايرلندا الشماليه.

الانتخابات العامه ٢٠١٥ ليست كسابقاتها .. لماذا؟

لانها ربما تكون الانتخابات الاولي من نوعها، خلال عقود، التي قد تاتي ببرلمان منقسم بشكل كبير. هذا البرلمان قد يُفضي الي حكومه اقليه، او حكومه ائتلافيه ستكون خاضعه باستمرار لاملاءات وضغوط معارضيها. هذه الظروف لا تضع قيودًا بالغه علي قدره الحكومه علي تنفيذ اجندتها التي اعلنتها لمواطنيها فحسب، بل ستُبقي علي احتمالات الاطاحه بالحكومه ذاتها قائمه. الي جانب بيئه عدم الاستقرار السياسي تلك، يبقي البرلمان والحكومه القادمين علي درجه بالغه من الاهميه بسبب الدور المنتظر ان يضطلعا به في اعاده صياغه السياسه الخارجيه للمملكة المتحدة وبخاصه فيما يتعلق بالاتحاد الاوروبي، وكذلك مستقبل ترسانه الاسلحه النوويه البريطانيه، والاخطر من ذلك تبعات هذه الانتخابات علي تماسك الاتحاد الذي تقوم عليه المملكه، والتزام سكوتلاندا بالبقاء فيه. لنتعرف علي علاقه انتخابات ٧ مايو الجاري بتلك الملفات الشائكه سنُلقي نظره اولًا علي طبيعه الانتخابات البرلمانيه وتشكيل الحكومه هناك.

الانتخابات العامه وتشكيل الحكومه في المملكه المتحده

الانتخابات التي نقصدها هنا، علي وجه التحديد، هي انتخابات “مجلس العموم” – اعلي سلطه تشريعيه في البلاد – والذي يمثل الغرفه السفلي للبرلمان. اما الغرفه العليا فهي “مجلس اللوردات” الذي يعمل كجهه استشاريه لمجلس العموم، ولا يُنتخب اعضاؤه من قبل المواطنين. طبقًا لمرسوم “البرلمانات ثابته المده” لعام ٢٠١١، فان الانتخابات البرلمانيه تجري عاده كل خمس سنوات، في يوم الخميس الاول من شهر مايو. وتنقسم المملكه المتحده الي ٦٥٠ دائرة انتخابية، تُمثّل كل واحدهٍ منها بعضو برلماني واحد في مجلس العموم. وتوزّع هذه الدوائر علي البلدان الاربعه المكونه للمملكه كالتالي؛ ٥٣٣ دائره انتخابيه في انجلترا، ٥٩ في سكوتلاندا، ٤٠ في ويلز، و١٨ في ايرلندا الشماليه.

يختار المواطنون، عبر اقتراع عام، من بين مرشحي الاحزاب في دائرتهم، علي ان يفوز المرشح الذي يحصل علي اعلي الاصوات بتمثيل الدائره في مجلس العموم، وهو ما يعرف بنظام “الاكثر اصواتًا يفوز” او First Past The Post. وفي حال حاز احد الاحزاب الاغلبيه المطلقه (٥٠% + ١) من مقاعد البرلمان، وهي ٣٢٦ مقعدًا، يكون من حقه تشكيل الحكومه، ويصبح زعيم الحزب هو رئيس وزراء المملكة المتحدة. اما اذا فشلت كل الاحزاب في الحصول علي اغلبيه المقاعد، وهي الحاله التي يُطلق عليها “البرلمان المعلق” اوHung Parliament، كما كان الحال في انتخابات ٢٠١٠، فانه طبقًا للاعراف الدستوريه يكون من حق رئيس الوزراء الحالي “الفرصه الاولي” لتشكيل حكومه جديده. لكن عاده ما يتخلي رئيس الوزراء عن هذا الحق – اذا حل حزبه في المرتبه الثانيه في الانتخابات – لزعيم الحزب الذي فاز باكبر عدد من مقاعد البرلمان.

تبقي نقطه بالغه الاهميه لا ينبغي اغفالها، وهي ان عدد مقاعد البرلمان وحدها لا تكفي لتحديد الحزب الذي ستدعو الملكه زعيمه لتشكيل الحكومه. بل سيكون ذلك من نصيب من يستطيع ان يحوز ثقه اغلب اعضاء البرلمان. بصيغه اخري، الحزب الذي يستطيع حشد تاييد اغلبيه داخل مجلس العموم لصالحه، هو الحزب الذي سيشكل الحكومه الجديده. اذًا ما هي الخيارات المتاحه امام الحزب الذي فاز بالعدد الاكبر من مقاعد البرلمان دون ان يصل الي الاغلبيه؟

ثلاثه مسارات بامكان ذلك الحزب ان يسلكها. الاول هو تشكيل حكومه ائتلافيه مع احزاب اخري تشاركه في الحكم، علي ان يكون لهذا الائتلاف اغلبيه مقاعد البرلمان. وذلك ما حدث في ٢٠١٠، عندما تحالف المحافظون (٣٠٦ مقاعد) مع الليبراليين الديموقراطيين (٥٧ مقعدًا) وشكلا الحكومه التي حازت الاغلبيه في مجلس العموم وهي ٣٦٣ مقعدًا. المسار الثاني ان يشكل الحزب تحالفًا غير رسمي مع حزب اخر او اكثر فيما يعرف بـاتفاق “الثقه والدعم” او Confidence and Supply. ويرتكز اساس هذا الاتفاق علي ان يدعم المتحالفون الحزب الحاكم خلال التصويت علي خطاب الملكه الذي تقدم فيه حكومتها الجديده لاعضاء مجلسي العموم واللوردات، وكذلك التصويت ضد اي محاوله لسحب الثقه من الحكومه، بالاضافه لدعم مشروع الموازنه الذي تقدمه الحكومه. وذلك في مقابل بعض المكاسب او التنازلات التي يحصل عليها هؤلاء المتعاونون من الحزب الحاكم.

المسار الثالث وهو الاكثر صعوبه، والاقل حدوثًا، ان يمضي الحزب منفردًا ويشكّل حكومه اقليه. هذه الحكومه ستكون مضطره مع كل تصويت علي مشروعاتها السياسيه والتشريعيه العمل علي حشد وتجنيد اغلبيه برلمانيه كافيه لتمرير هذه المشروعات.

فضلًا عن ان هذا العمل يتطلب مجهوداتٍ مضنيه وموائماتٍ قد تكون مؤلمه، فان الاطاحه بالحكومه ذاتها سيكون امرًا غير مستبعد اذا ما اجتمع امر معارضيها علي سحب الثقه منها.

انتخابات معقده، برلمان منقسم، ومملكه في طور التفكك؟

عوامل عده، متنوعه ومتداخله، ساهمت في تشكيل المشهد المعقد الحالي للانتخابات. يمكن تلخيص ابرز هذه العوامل في النقاط التاليه؛ تقارب نتائج استطلاعات الراي والتكافؤ النسبي لشعبيه الحزبين الكبيرين، طبيعه النظام الانتخابي والاعراف الدستوريه المنظمه لتشكيل الحكومه، صعود احزاب مثل الحزب القومي الاسكوتلاندي وحزب استقلال المملكه المتحده. وذلك بالاضافه الي ما يتصل بهذه العوامل من افاق انفصال سكوتلاندا عن المملكه المتحده، وكذلك العلاقات بين المملكه واوروبا.

استطلاعات الراي والنتائج شديده التقارب

ليس مفاجئًا ان نعلم ان رئيس الوزراء القادم لن يكون سوي ديفيد كاميرون – زعيم المحافظين ورئيس الوزراء الحالي – او ايد ميليباند – زعيم العمال – لكن المفاجئ حقًا سيكون ايهما ينتصر، فاستطلاعات الراي والاستبيانات التي تصدرها دوريًا المؤسسات والهيئات المشهود لها بالمصداقيه ومنها علي سبيل المثال؛ YouGov، Populus، ICM، وAshcroft توحي بالتقارب الشديد بين حظوظ المحافظين والعمال لحصد اعلي الاصوات. ومع ذلك فاغلب، ان لم يكن كل، استطلاعات الراي تؤكد فشل الحزبين في حصد الاغلبيه، وبالتالي علي الارجح سيكون البرلمان القادم برلمانًا معلقًا كسابقه.

رغم تبادل الحزبين لتصدر المشهد، بهامش طفيف، في استطلاعات الراي تبقي الافضليه النسبيه لحزب المحافظين، وكذلك قبولًا اعلي لديفيد كاميرون بالمقارنه مع ايد ميليباند. كاميرون كان قد رفض الاشتراك في اي مناظرات مباشره ضد ميليباند، وهو الطلب الذي كرره الاخير مرارًا. ثلاث مناظرات رئيسيه شارك بها المتنافسان، بدات مع “المعركه من اجل رقم ١٠” مع جيرمي باكسمان في ٢٦ مارس الماضي. رقم ١٠ ذلك يرمز الي ١٠ دواننج ستريت وهو مقر اقامه رئيس وزراء المملكه المتحده. ثم “مناظره القاده” علي شاشه ITV في ٢ ابريل الماضي، والتي ضمت الي جانب زعيمي المحافظين والعمال كل من؛ نايجل فاراج (حزب استقلال المملكه المتحده UKIP)، نيك كليج (الليبراليون الديموقراطيون Lib Dem)، ناتالي بينيت (الخُضر Greens)، نيكولا ستيرجين (القومي الاسكوتلانديSNP)، وليان وود (حزب ويلز Plaid Cymru). والمناظره الاخيره كانت في ٣٠ ابريل الماضي بين كاميرون، ميليباند، وكليج في برنامج بي بي سي الاخباريه “وقت السؤال” مع ديفيد ديمبلبي، والتي اشار استطلاع راي اجرته صحيفه الجارديان بالشراكه مع ICM مباشره بعد بثه، ان ٤٤% من المشاهدين شعروا ان كاميرون كان صاحب الاداء الافضل، مقابل ٣٨% لصالح ميليباند، و١٩% لصالح كليج. علي نفس المنوال، في استطلاع عام عن مدي قبول القاده السياسيين لدي المواطنين، اجراه YouGov جاء كاميرون السياسي الاكثر قبولًا، ونايجل فاراج الاكثر بغضًا لدي المشاركين في الاستطلاع.

رجوعًا الي حظوظ الاحزاب من مقاعد البرلمان، فقد وضعت نتائج احدث الاستبيانات التي اجراها Electoral Calculus المحافظين في المقدمه بـ ٢٨١ مقعد، مقابل ٢٧٤ للعمال. وفي التوقعات الاحصائيه التي اجراها Electionforecast تصدر المحافظون بـ ٢٨٠ مقعدًا، مقابل ٢٦٩ للعمال. في حين انه في استطلاع الراي الاخير الذي اجراه YouGov بسؤال الجمهور؛ اذا اجريت الانتخابات العامه غدًا، لاي حزب ستصوِّت؟ حاز حزب العمال ثقه ٤٤% من المشاركين، في مقابل ٤٣% للمحافظين. لكن هل نسبه التصويت لحزب ما مرتبطه بعدد المقاعد التي يفوز بها ذلك الحزب؟ الاجابه التفصيليه علي هذا السؤال تنقلنا للفقره التاليه وهي..

طبيعه النظام الانتخابي والاعراف الدستوريه المنظمه لتشكيل الحكومه

كما ذكرنا سابقًا فان النظام الانتخابي يقوم علي قاعده “الاكثر تصويتًا يفوز” وهي القاعده التي تسبب خللًا في التمثيل النسبي للاحزاب بسبب تفاوت حجم الدوائر الانتخابيه من حيث عدد السكان، وكذلك حرمان الاحزاب ما دون المركز الاول من نيل حصه من المقاعد مكافئه لنسبه التصويت التي نالتها. مثال علي ذلك، في انتخابات ٢٠١٠ حصل الحزب القومي الاسكوتلاندي (SNP) علي ٦ مقاعد في البرلمان بعد تصويت ١,٧% من اجمالي اصوات الناخبين، في حين حصل حزب استقلال المملكه المتحده (UKIP) علي نسبه ٣,١% من اجمالي الاصوات ولم يحصل علي اي مقعد.

النقطه الاشكاليه الاخري، انه برغم ان المملكه المتحده ليس لديها وثيقه واحده تسمي الدستور، لكن هناك تنظيمات وقواعد دستوريه تضبط النظام السياسي العام. احد الضوابط الدستوريه المتعلقه بتشكيل الحكومه، اذا فشل الحزبان الكبيران في الحصول علي اغلبيه برلمانيه، تمنح رئيس الوزراء القائم الحق في الفرصه الاولي (first go) تشكيل الحكومه. لكن علي ارض الواقع، فان زعيم الحزب الذي حصل علي العدد الاكبر من مقاعد البرلمان عاده ما تُترك له الفرصه الاولي لتشكيل الحكومه، تقديرًا لانتصاره السياسي.

وهنا نود التذكير مره اخري بان عدد المقاعد الاكبر او نسبه التصويت الاعلي لا تكفي لاختيار زعيم المحافظين او العمال لتشكيل الحكومه، لان تشكيل الحكومه تسنده الملكه الي من يستطيع ان يحوز اغلبيه داخل البرلمان. بالتالي، في حاله البرلمان المعلق، فان القدره علي تشكيل تحالف يرتكز علي اغلبيه برلمانيه سيكون العامل الحاسم في تحديد الحزب الذي سيقود الحكومه. وبناءً علي ذلك ستلعب الاحزاب الصغيره دورًا مهمًا للغايه في تشكيل واستقرار الحكومه الجديده، وهذا ما ينقلنا الي الفقره التاليه.

صعود الحزب القومي الاسكوتلاندي وحزب استقلال المملكه المتحده

من المشاهد اللافته في انتخابات هذا العام الصعود المدوي للحزب القومي الاسكوتلاندي National Scottish Party (SNP) والذي من المرجح ان يحصل علي ما بين ٤١ الي ٥٦ مقعدًا، وهو تفوق ساحق بالنظر الي ان اجمالي عدد الدوائر الانتخابيه في سكوتلاندا، والتي ينافس الحزب علي مقاعدها، هو ٥٩ دائره. الهدف الاسمي لهذا الحزب هو استقلال سكوتلاندا وانفصالها عن المملكه المتحده، ورغم ان الحزب قد خسر الاستفتاء علي الاستقلال، العام الماضي، بنتيجه ٤٥% مع الاستقلال، في مقابل ٥٥% ضد الاستقلال، الا ان شعبيه الحزب وتمدده السياسي في سكوتلاندا اصبح طاغيًا، خصوصًا بعد ان تنكّر ديفيد كاميرون للوعود التي قطعها لتشجيع الاسكوتلانديين علي البقاء مع المملكه المتحده، وكانت في جلها تنصب علي منح سلطات اكبر لحكومه سكوتلاندا وبرلمانها المحليين.

نيكولا ستيرجين، التي خلفت اليكس سالموند في زعامه الحزب، والوزير الاول في الحكومه الاسكوتلانديه، كان لها حضورًا لافتًا في المناظرات الانتخابيه التي شاركت فيها والتي عرضت خلالها اهداف الحزب ومشروعه. لم تخف نيكولا رغبتها الحاسمه في الاطاحه بحزب المحافظين من الحكومه، عارضت بشده مشروع تجديد الاسلحه النوويه البريطانيه، ورفضت حملات الترهيب من المهاجرين والترغيب في الخروج عن الاتحاد الاوروبي – تلك الحملات التي يقودها حزب استقلال المملكه المتحده UKIP – ومدت يدها بالتعاون والشراكه لزعيم العمال ايد ميليباند للاطاحه بكاميرون، لكن ميليباند في اكثر من مره، اكد بشكلٍ قاطع انه لن يكون طرفًا في اي تحالف او ائتلاف مع الحزب القومي الاسكوتلاندي. لماذا رفض ميليباند هذه الدعوه، التي بدونها قد يستحيل ان يكون رئيسًا للوزراء؟

الاجابه ترتبط بالحمله الشرسه التي شنها المحافظون عليه واتهموه فيها بالتعاون مع القومي الاسكوتلاندي، للفوز برئاسه الحكومه، دون النظر الي ان الحزب يطمح لتفكيك المملكه المتحده. بروباجندا المحافظين لم تتوقف عن ترديد هذه المزاعم رغم نفي ميليباند لها مرات عده.

لدرجه ان كاميرون حذر من ان تحالف ميليباند مع القوميين الاسكوتلانديين هو تحالف الفوضي. ورغم ان هذه الحمله ترفع شعار مناهضه اولئك الراغبين في تفكيك المملكه، الا انها تغازل المشاعر القوميه للانجليز بالاساس، وبالتالي فان هذه الحمله ذاتها قد تُسرع من وتيره هذا التفكك. ذلك لان اللهجه والخطاب الشعبوي الذي ينتهجه حزب المحافظين يعمل علي تاجيج وتصاعد وتيره المشاعر المعاديه لاسكوتلاندا بخاصه في انجلترا. اما عن شعبيه المحافظين انفسهم في سكوتلاندا، فيكفي قراءه هذه الجمله التي يتندر بها الاسكوتلانديين لمعرفه حجم هذه الشعبيه؛ “سكوتلاندا لديها من دبب الباندا ما يفوق عدد ما لديها من برلمانيين محافظين“. الحقيقه ان عدد اعضاء حزب المحافظين الذي انتخبوا في سكوتلاندا لعضويه مجلس العموم في ٢٠١٠، كان عضوًا واحدًا لا غير.

اهدار ميليباند لفرصه التحالف مع القوميين في سكوتلاندا قد يؤدي لخمس سنوات جديده من حُكم المحافظين. وهنا نقطه اخري، يُعتقد انها ستدفع في اتجاه استقلال سكوتلاندا، وهي ان وجود معارضه قويه من الحزب القومي الاسكوتلاندي داخل البرلمان ضد المحافظين – الذي يبغض سياساتهم شعب سكوتلاندا – بدوره سيُزيد من شعبيه الحزب ويغذي المشاعر القوميه الاسكوتلانديه. وبالنظر الي احدث استطلاعات الراي التي اجرتها سكاي نيوز في سكوتلاندا، وفيها راي ٤٣% من الناخبين الاسكوتلانديين ان صراعات انتخابات برلمان ٢٠١٥ قد جعلت احتمالات انقسام الاتحاد اكثر حدوثًا، فيما اعتقد ٥٥% منهم انهم قد يشهدون استقلال سكوتلاندا خلال حياتهم، يمكننا ادراك العواقب الجسيمه التي قد تترتب علي نتائج الانتخابات المقبله وخاصه ان نيكولا ستيرجين قد صرحت بان استفتاءً جديدًا بخصوص استقلال سكوتلاندا قد يُطرح في المستقبل.

تشظِّي المشهد السياسي البريطاني الحالي والبرلمان الوشيك، لم يعززه صعود نجم قوميي سكوتلاندا فحسب، بل ايضًا تزايد شعبيه حزب استقلال المملكه المتحده United Kingdom Independence Party (UKIP) بزعامه نايجل فاراج. اجنده الحزب وحملته الانتخابيه تصوّر للناخبين ان بريطانيا ستكون في وضع افضل اذا وضعت قيودًا هائلهً علي الهجره اليها، وقلّصت من حجم معوناتها الخارجيه، وتوسعت في نفقاتها العسكريه، واذا “استقلت” عن الاتحاد الاوروبي. يُعتقد ان الحزب قد يحصل علي ٣ مقاعد برلمانيه. نايجل فاراج قد صرّح باستعداده التحالف مع المحافظين ودعمهم، خاصهً بعد تاكيد ديفيد كاميرون اعتزامه طرح استفتاء علي البقاء او الخروج من الاتحاد الاوروبي علي المواطنين بنهايه ٢٠١٧، وهو المطلب الذي قال فاراج انه لن يتخلّي عنه. الازمه ان شراكه فاراج-كاميرون نفسها ستجعل المشهد السياسي اكثر فوضويه وانقسامًا، ذلك لسبيين رئيسيين.

اولهما ان تحالف من هذا النوع سيفرز سياسات اكثر يمينه تشجع زياده ميزانيه التسليح، تعادي المهاجرين، وتضع الاقليات، ومنها ضمنها الاقليه المسلمه، في وضع صعب، هذا الي جانب السياسات الاقتصاديه الضاغطه علي ذوي الدخل الاقل في البلاد، وتعميق عزله بريطانيا عن السوق الاوروبي وربما العالم. هذه التبعات ستترسخ، اذا ما انضم الي ذلك التحالف، الحزب الديموقراطي الوحدوي Democratic Unionist Party (DUP) اليميني المتطرف من ايرلندا الشماليه. تحالف ديفيد كاميرون مع الديموقراطي الوحدوي يعني ان كاميرون “يبصق علي وجه كل الاقليات في ايرلندا الشماليه”، كتبت شيفون فينتون في جريده الاندبندنت.

السبب الثاني، ان حزب الليبراليين الديموقراطيين Liberal Democrats (Lib Dem) علي لسان زعيمه نيك كليج – شريك المحافظين في الحُكم – اعلن بشكل قاطع انه لن يكون طرفًا في اي ائتلاف يكون حزب استقلال المملكه المتحده (UKIP) جزءًا منه، وهو الامر الذي يزيد خريطه التحالفات السياسيه ارتباكًا وتعقيدًا.

الليبراليون الديموقراطيين كانوا حتي انتخابات ٢٠١٠، احد اكثر الاحزاب المبشره والصاعده في السياسه البريطانيه. حصدوا في تلك الانتخابات ٥٧ مقعدًا، ومن دون شراكتهم لم يكن لديفيد كاميرون ان يصبح رئيسًا للوزراء. لكن هذه الشراكه التي ادت الي اخلاف قائمه من التعهدات التي قطعها نيك كليج علي نفسه، وكان من ابرزها الغاء المصروفات الدراسيه، كانت سببًا في انهيار شعبيه كليج – التي قُدرت يومًا بانها تنهاز شعبيه وينستون تشرشل – وحزبه. هو ما قلّص حظوظ الليبراليين الديموقراطيين الي نيل ما بين ١٩ الي ٣٣ من مقاعد مجلس العموم القادم. ورغم ذلك، تظل هذه النسبه معتبره وذات اثر خاصه في ظل برلمان مفتت.

هذا البرلمان قد يضم ايضًا حوالي ٥ مقاعد لكل من حزب الخضر وحزب ويلز. هذان الحزبان التقدميان بقيادتيهما النسائيه ناتالي بينيت ولِيان وود، علي الترتيب، حليفان رئيسيان للحزب القومي الاسكوتلاندي، ومناهضان بشده لديفيد كاميرون ونايجل فاراج. جدير بالذكر ان حزب ويلز هو الاخر حزب قومي يسعي، رغم انه اضعف كثيرًا بالمقارنه مع نظيره الاسكوتلاندي، الي استقلال ويلز عن المملكه المتحده.

بالحديث عن القوميين، ينبغي الا نغفل ان هناك ٥ داخل مجلس العموم، حصل عليها حزب شين فين Sinn Féin الجمهوري الايرلندي الشمالي، بقيت شاغره خلال الخمس سنوات الفائته منذ انتخابات ٢٠١٠، وقد تعهد الحزب بان تظل المقاعد التي يحصل عليها في الانتخابات القادمه خاليه ايضًا. تعهُّد برلمانيي شين فين القوميين بمقاطعه برلمان ويستمنيستر ورفضهم قسم الولاء للملكه ياتي متسقًا مع عقيده الحزب الذي يري ان ايرلندا الشماليه جزءًا من جمهوريه ايرلندا، لا المملكه المتحده. وان كان هناك فريق اخر من القوميين الايرلنديين الشماليين الذي لا يشارك شين فين في تاييد سياسه الغياب السلبيه Abstentionism عن ويستمنستر، وهو حزب العمال الديموقراطي الاجتماعي Social Democratic and Labour Party (SDLP)، والذي حصد ٣ مقاعد في البرلمان السابق. هذا الحزب ربما يكون هو الحزب الوحيد الذي تشغل قضايا عربيه مساحه اساسيه في اجندته للسياسه الخارجيه، وابرزها تعهد الحزب بممارسه ضغوط علي الحكومه البريطانيه لتكون داعمه ومؤيده لميلاد الدوله الفلسطينيه.

ستُجري يوم الخميس، السابع من مايو ٢٠١٥، الانتخابات العامه في المملكه المتحده. قد يترتّب علي هذه الانتخابات برلمانًا معلقًا سيكشف عن مدي حاله التشظي والانقسام التي وصلت اليها السياسه البريطانيه. ليكون بمقدور اي منهما تشكيل الخكومه، علي المحافظين والعمال، ليس فقط السعي للاستحواذ علي اكبر عدد ممكن من المقاعد، لكن ايضًا العمل علي ترتيب تحالفات او شراكات تضمن لايٍ منهما اغلبيه برلمانيه. في غياب هذه الاغلبيه، يمكن لحكومه اقليه ان تُشكّل، لكن استمرارها واستقراها سيكون رهنًا لمعارضيها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل