المحتوى الرئيسى

"الوطن" تحاور أسامة السعيد الفائز بالمركز الأول في جائزة "الشارقة"

05/08 13:57

للقهر تاريخ، والتاريخ لا يسير ابدًا في خطٍ مستقيم، وانما في حلقات دائريه.. ولان المراه تمثل الحلقه الأضعف في مجتمعنا العربي، فان نصيبها من القهر و الاضطهاد كان مضاعفًا، ورغم انها كانت صوتًا جليًا ومؤثرًا في الثورات المصريه علي اختلاف ازمانها، فان تلك المشاركه لم تشفع لها في تغيير نظره المجتمع ازائها، ولا في تحطيم الاغلال التي صنعتها عقليات ذكوريه وسلطويه مغلفه بغلاف الدين.

ما بين امراه مملوكيه، وباحثه في التاريخ المصري، وصحفي معاصر، وباسلوب سردي شيّق ينتقل فيه بين زمنين متباعدين، لكنهما متقاربين في الاحداث والماسي، تدور احداث روايه أسامة السعيد "رواق البغداديه" الفائزه بالمركز الاول بجائزه الشارقه للابداع العربي في دورتها الثامنه عشره، والتي تجاوز عدد المشاركين فيها هذا العام 300 مشارك من مختلف الدول العربية.. "الوطن" حاورت الروائي الفائز في السطور التاليه.

* لماذا اخترت ان تكون المراه محورًا اساسيًا لروايتك "رواق البغداديه"؟

- اولًا المراه حاضره دائما وبقوه في حياتنا، وللاسف الشديد كثير من التعاطي الادبي او الاعلامي يُكرّس لرمزيه ضعف واستخدام المراه، فاردت ان اقدم من وحي التاريخ والواقع نموذجًا مغايرًا، يُكرّس لقيمه المراه كصانعه ومحركه للتغيير في مجتمعاتنا العربيه التي باتت تمارس بحق المراه كل اشكال الاضطهاد والاستغلال، فعادت للاسف الشديد تجاره الفتيات، وافكار السبي والرق وغيرها من الافكار التي كانت البشريه قد تجاوزتها منذ عقود طويله، فضلًا عن ان كثير من التيارات الفكريه والسياسيه في المنطقة العربية لا تري من المراه سوي جسدها، واصبحنا نعاني ازدواجًا في الشخصيه، ندعي التقدم والتحديث والتحضر، بينما نرتد في الكثير من افكارنا الي الماضي البعيد، وابرز مثال علي ذلك هو المراه، من هنا جاء اختياري ان تكون الروايه في مساريها التاريخي والمعاصر تركز علي دور المراه، وان من يظنه البعض ضلعًا اعوجًا يمكن ان يتحول عند الضروره الي سيف في وجه ظالميه.

* استدعيت تاريخ اضطهاد المراه المصريه في الحقبه المملوكيه.. ماذا اردت ان تقول عندما ربطت بين ذلك وبين وضع المراه في الوقت الراهن؟

- اولًا "الحقبه المملوكيه" في راييّ الخاص حقبه ثريه للغايه بالدراما الانسانيه والتاريخيه، ورغم تناول العديد من الاعمال الابداعيه لتلك الحقبه، الا انها لا تزال كنز مغلق علي الكثير من القصص التي لم ترو بعد، ومن بينها التاريخ الاجتماعي، وتداخله مع التاريخ السياسي، والمراه عانت كثيرًا في هذا العصر، تمامًا كما تعاني في عصرنا الراهن، فقد مارس المجتمع عليها ازدواجيته الفجه، فنجد المجتمع المملوكي الذي كان يفيض بالمفاسد السياسيه والاجتماعيه والاخلاقيه، يتجه لبناء اروقه لعزل النساء المطلقات والمهمشات اجتماعيًا بحجه حمايه الاخلاق منهن، وكانت تفرض عليهن قيود شديده للغايه، ومن تلك الاروقه رواق البغداديه الذي يمثل جزءًا من الفضاء المكاني للروايه، في المقابل كانت تحفل قصور الساسه والحكام المماليك بكل اشكال الانحلال الاخلاقي دون حسيب او رقيب، وكان من يمارسون هذا في قصورهم هم من يرفعون رايات العفه والاخلاق في مواجهه الناس، وهذه المفارقه اللافته اجدها كثيرًا في المجتمع المصري، خصوصًا العقود الاخيره، فهناك ازدواجيه اجتماعيه واضحه بين المواقف المعلنه، وما يحدث بالفعل ويسكت المجتمع عنه، بل بات المجتمع يركز علي قضايا هامشيه لانها فقط تتعلق بالاخلاق او ما يمكن ان نصفه بالقشره الخارجيه للاخلاق، ويترك جوهر بناء هذه المنظومه الاخلاقيه، وهذا امر خطير للغايه.

* الثوره كانت لها حضورها ايضًا في روايتك.. هل كانت المراه المصريه عنصرًا فاعلًا في اشعال تلك الثوره؟

- المراه كانت حاضره في كل ثورات مصر الشعبيه، في 1919 علي سبيل المثال كانت ثوره المراه جزءًا من ثورة مصر نحو التحرر والاستقلال، وفي ثوره 25 يناير 2011 وما تلاها، كانت المراه حاضره وبقوه، سواء في اشعال الثوره او تحمل عواقبها، وحتي لو كانت ثوره يناير في مصر محل جدل الان نتيجه المسارات المرتبكه التي اتخذتها الثوره واختطاف اهدافها لصالح فصائل سياسيه بعينها، لكن حتي هذا الاختطاف كانت المراه المصريه كانت احد المتضررين الرئيسيين في المجتمع، فاذا كان كثير من المصريين دفعوا ثمنًا بشكل او باخر نتيجه الاحداث التي اعقبت الثوره، فقد دفعت المراه ثمنًا مضاعفًا، فعانت من عواقب الانفلات الامني، ثم من التحرش من قبل عصابات منظمه ارادت منعها من المشاركه في الحراك العام، فضلا عن التشويه الفكري لخروج المراه و مشاركتها في الحياه العامه، وبينما كانت المراه المصريه كجزء من النسيج الاجتماعي للثوره الباحث عن واقع افضل وحريات اوسع، اذا بالفضاء العام يضيق بها، ويتركها نهبًا للمتربصين سواء من التيارات المتشدده او من المجرمين الذين استغلوا احداث الثوره وضعف قبضه الدوله، او حتي من الدوله نفسها التي لم يستطع قطاع من مسؤوليها ومؤسساتها تقبل فكره خروج المراه وكسرها حاجز العزله والخوف، فتعرضت لكثير من الظلم حتي من جانب الدوله، وهذا ما حاولت الروايه التماس معه.

* هل تعتقد ان الثورة المصرية الاخيره اسهمت في تغيير الصوره النمطيه عن المراه او علي الاقل مواجهه اشكال الاضطهاد ضدها؟

- علي العكس، المراه ساء موقفها بعد ثوره 25 يناير، وفقد كثير من المكتسبات التي كانت حققتها بنضال عمره عقود طويله، وحتي تلك المكتسبات التي ارادت دوله مبارك ان تحسن بها صورتها تراجعت في كثير من القطاعات، والمهم في تقديري ليس تلك المكتسبات الشكليه التي يختزلها البعض في مساله الشكل والمظهر والحجاب وغيرها، لكن الاهم هو تحرير عقل المراه وعقول المجتمع كله من تلك الصوره النمطيه التي ما تزال تحكمنا حول التعامل مع المراه كجسد، ويقيني انه اذا لم تتحرر المراه فلن يتحرر الوطن، واذا لم يصل التحديث الي افكارنا بشان الصوره النمطيه عنها، فلن يتقدم الوطن تقدمًا حقيقيًا.

* لماذا قررت استدعاء التاريخ وربطه بالأحداث الجارية في روايتك؟

- انا قارئ نهم للتاريخ، واعتقد ان التاريخ جزءًا من حاضرنا سواء اردنا او لم نرد ذلك، والحقيقه انني اجد في التاريخ ماده ادبيه ثريه، ربما بحكم ان التجربه الانسانيه فيه اكتملت، وربما ايضًا لان حريه الكاتب تكون اوسع من تعامله مع الواقع الذي تؤثر انحيازاته عليه، رغم ان الكاتب يظل مُقيّدًا بالاطار العام للتاريخ، فحريه الكاتب في بناء الشخصيات مطلقه وبناء المسارات الدراميه لها، لكن في المقابل لا يمكنه ان يخرج عن الحقائق المستقر للتاريخ، وان كان يستطيع اعاده قراءتها او انتاج التفاصيل، واهم شيء في تقديري هو ان الكاتب تكون احدي عينيه علي التاريخ، لكن عينه الاخري تكون علي الواقع، بمعني انه لا يقدم عملًا تاريخيًا بحتًا، لكنه يسقط دروس التاريخ علي الواقع، او يقرا الواقع علي ضوء التاريخ، والقارئ عليه ينتبه جيدًا، فكل عمل رواية تاريخية هي اضاءه مستتره للواقع حتي ولو لم تعلن ذلك صراحه.

وفي خلال مرحله البحث قبل كتابه روايه "رواق البغداديه" كانت مفاجاه لي شخصيًا ان وجدت تشابهًا يصل الي حد التماثل بين واقع مصر وبين الحقبه التي تدور فيها احداث الروايه وهي فتره العام التي حكم فيها الملك ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ولم تدم سوي عام واحد فقط، وانتهت نتيجه سوء الحكم والمصائب التي حاقت بالمصريين بثوره شعبيه اطاحت بحكمه، ويتضح بجلاء مدي التشابه بين تلك الفتره والعام الذي حكم فيه "الاخوان المسلمون" مصر، وانتهت بانتفاضه شعبيه ضد حكمهم، فضلًا عن واقع الظلم الاجتماعي السائد في نفس تلك الفتره التاريخيه والذي يشبه كثيرًا ما تعيشه مصر المعاصره، وان اختلفت بعض السياقات التاريخيه.

* وهل تعتقد ان تلك هي نفس دوافع كثير من الروائيين في مصر في الفتره الاخيره؟

- اعتقد ذلك، فكما قلت التاريخ يقدم ماده ادبيه ثريه، وشخوصًا وتطورات دراميه تثري اي عمل روائي، والروائي المتمكن من ادواته يستطيع ان ينسج من التاريخ عملًا ادبيًا مميزًا، دون ان يقع في فخ المباشره الذي قد يسقط فيه البعض عن تعاطيهم مع الواقع المعاش.

* قلت سابقًا ان الروايه اصبحت بمثابه "ديوان العرب" في العصر الحديث.. كيف تفسر ذلك؟

- هذا صحيح تمامًا، فالروايه الان تعيش عصرًا ذهبيًا، سواء في ما يتعلق بتعدد اصوات الكتابه في مختلف ارجاء الوطن العربي، وهناك العديد من التجارب الروائيه الممتازه التي لم تحظ بنصيب وافر من الاضواء في مصر والمنطقه، وكذلك تعيش الروايه حقبه مميزه في مجال النشر وتكوين جمهور واسع، وبخاصه من الشباب، في المقابل تراجعت الفنون الاخري مثل الشعر والمسرح نتيجه تطورات الحياه اليوميه، وصارت الروايه هي ديوان العرب الحديث، لكن رغم تطور الروايه العربيه منذ جيل الرواد، مرورًا بكتاب مهمين في الستينات وحتي الان، لكنها ما تزال تتسع للمزيد من الاصوات والتطوير في الشكل والمضمون، بل انها اكثر الاشكال الادبيه حاليًا قدره علي استيعاب الرؤي الاجتماعيه والانسانيه لمجتمعاتنا العربيه والتحولات التي تشهدها، وخصوصًا اذا ما استطاعت حركه الدراما السينمائيه والتلفزيونيه ان تستفيد من زخم الروايه المطبوعه، سنكون امام تطور جديد يمكن ان يوسع جمهور الروايه ليكون بالملايين، وسينعكس ايضا بالايجاب علي حركه النشر الروائيه بشكل خاص، والادبيه بشكل عام، لكن المساله تتطلب جهدًا يتجاوز المبادرات الفرديه ليتحول الي عمل مؤسسي وصناعه متكامله.

* ماذا يمثل لك الفوز بجائزه الشارقه؟

- بالطبع ان احمد الله تعالي علي هذا الفوز، لان هذا التكريم والاحتفاء جاء من جائزه لها سمعتها في الوطن العربي كله، وتعتمد معايير فنيه محترمه في تقييم الاعمال الفائزه، وقد استطاعت جائزه الشارقه للابداع العربي ان ترسخ مكانتها الادبيه وسط الكثير من الجوائز العربيه الاخري التي ربما تفوقها في القيمه الماديه، لكن القيمه الادبيه لجائزه الشارقه تظل متميزه، لانها تقدم للعمل الاول في المجال الذي يتقدم اليه المبدعون، وفي هذا رساله مهمه لتقديم جيل جديد من المبدعين العربي في فنون مختلفه، ومن الجميل ان يلقي عملي الروائي الاول احتفاء من تلك الجائزه العربيه المهمه، رغم ان ذلك يمثل بالنسبه لي عبئا ومسؤوليه كبيره، اتمني ان اكون علي قدرها ان شاء الله.

* قدمت قبل عام ونصف تقريبًا مجموعتين قصصيتين هما "هيت لك" و"عوره مكشوفه".. لماذا لم تبدا بالروايه مباشره بدلًا من القصص القصيره؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل