المحتوى الرئيسى

الإعلام والانتخابات البريطانيّة: لا حياء في الانحياز

05/08 09:05

بينما انشغلت شرائح واسعه من الجماهير حول العالم بتامل وجه الاميره البريطانيه الصغيره، وتفسير دلالات اسمها... كانت الأحزاب السياسية في بريطانيا، وخلفها وسائل الاعلام التي تنطق باسمها، تخوض حرباً شرسه تحضيراً للانتخابات العامه التي جرت امس، في محاولهٍ لنيل اغلبيه المقاعد في البرلمان، ضمن حدثٍ سياسي هام يحصل مرهً كل خمس سنوات.

ما زاد انتخابات هذا العام شراسه، تعقّد المشكلات الداخليه والخارجيه التي تعصف بالمملكه المتحدة. بحيث شكّلت معالجتها واقتراح سبل حلها جوهر البرامج الانتخابيه للمرشحين، وزوّدت وسائل الاعلام بمواد دسمه للتحليل والنقد. اهتمت القنوات بعرض المواقف المختلفه من الحرب علي سوريا والاعتراف بالسلطه الفلسطينيه علي الصعيد الخارجي، فيما ظهرت ملفات المهاجرين وتحسين الوضع الاقتصادي والسكن والضمان الاجتماعي، الي جانب تحديد العلاقه مع الاتحاد الاوروبي، كابرز القضايا علي الصعيد الداخلي.

احتدام المنافسه السياسيه، انعكس علي اداء وسائل الاعلام البريطانيه التي اظهرت انحيازاً سياسياً صارخاً، يبتعد عن المواربه، للاحزاب والقوي الاقتصاديه التي تمتلكها. غزت العناوين الناريه التي تهاجم الخصوم الصفحات الاولي لكبري الصحف البريطانيه، واخذت في احيانٍ كثيره طابعاً هزلياً يرسم صوره مشهد سياسي مضطرب. علي سبيل المثال، اثار غلاف صحيفه «ذا صن» جدلاً واسعاً، وفيه ظهرت صوره رئيس حزب العمال اد ميلباند وهو يلتهم شطيره لحم خنزير مقدّد بشراهه. تم ارفاق الصوره بعنوان يُحذّر من ان ميلباند يوشك علي «التهام بريطانيا بذات الصوره، اذا ما كتب له الفوز». وفي محاوله للردّ علي غلاف «ذا صن»، بادر مناصرو حزب العمال لالتقاط صور تضامنيه يلتهمون فيها شطائرهم بطرقٍ غريبه، وتداولوها بكثافه علي مواقع التواصل الاجتماعي.

وضمن حربٍ اعلاميّه متعدده المستويات، لم تكتف «ذا صن» بالسخريه من خصومها، بل اجرت الصحيفه المحافظه تحقيقاً خاصاً حول الاجر الذي يتقاضاه العمال المغاربه لقاء صناعه القمصان القطنيه الممهوره بشعار حزب العمال، والمستخدمه في حملته الانتخابيه. اتهمت الصحيفه الحزب باستغلال العمال الذين يتقاضون 81 قرشاً في الساعه في مصنع نسيج شمال افريقيا. وذكّرت بتعهداته انهاء «التبعيه المُزمنه لبريطانيا للعماله الرخيصه». ومن باب رفع العتب، اعطت الصحيفه مساحه ضيّقه للمتحدثين باسم حزب العمال كي يدافعوا عن انفسهم.

وفي المقابل افردت «ذا غارديان» ذات التوجه اليساري المعتدل الداعم لحزب العمال، مساحاتٍ واسعه لانتخابات 2015، روّجت فيها لاجنده الحزب وعرضت موقفها من ملفات الهجره والضمان الاجتماعي والازمات الاقتصاديه. وبرز في هذا السياق الفيديو الترويجي الذي اعده فريق من العاملين في الصحيفه بعنوان: «هذه ليست انتخاباتٍ عاديه: لا تدع صوتك يؤخذ منك». يظهر في الشريط الصحافي اليساري اوين جونز موجهاً حديثه للناس في خطابٍ حماسي يشجعهم علي المشاركه في الانتخابات. يناقش الفيديو بصورهٍ اساسيه خطوره توجيه الغضب الشعبي تجاه الفئات الخاطئه من المهاجرين والفقراء والموظفين، بدلاً من المذنبين الحقيقيين من اصحاب السلطه والمال. اختار الفيديو ان «يزرع الامل» عبر العوده في الزمن الي بعض المراحل المُضيئه من تاريخ بريطانيا الحديث، حينما حارب البريطانيّون فيه عبر السبل الديموقراطيّه والسياسيّه للوقوف في وجه التعصّب ودفاعاً عن نظام الخدمات الصحيّه الوطنيّه. يقول جونز: «نحن ندين لاجدادنا بان نستمر في القتال، هذه ليست انتخابات عاديه، لانها ستحدد مستقبل البلاد، لذلك صوّت في هذه الانتخابات وتحلّي بالامل».

تجاوزت الحرب الاعلاميه حدود الصحف لتمتدّ الي المناظرات التلفزيونيّه التي وجّه فيها جمهورٌ مختارٌ من «بي بي سي» اسئله للمرشحين طوال 30 دقيقه. وبدورها قُسّمت مواقع التواصل الاجتماعي الي مناطق نفوذ. ففي الوقت الذي اختار فيه حزب العمال ان ينشط عبر تويتر، اعتمد حزب المحافظين بصوره اساسيه علي «فايسبوك» لنشر برنامجه الانتخابي والترويج لتصريحات دايفيد كاميرون.

لعبت «بي بي سي» من جهتها دور «الحكم الموضوعي»، وقدّمت تغطيه شامله تشرح فيها اليه الانتخاب وتعرّف الجمهور بابرز السياسيين ومواقفهم من الملفات الجدليه. وفي هذا السياق اختارت القناه بنسختها العربيه عرض تقرير يناقش تاثير اصوات الجاليه المسلمه علي الانتخابات البريطانيه. استطلع التقرير اراء شريحه من البريطانيين المسلمين، وناقش اسباب عزوف الكثير منهم عن المشاركه، في ضوء تداعيات الحرب علي الارهاب والاسلاموفوبيا التي جعلتهم يقتنعون «بان لا صوت لهم».

بالرغم من انَّ التعدّد السياسي الظاهري، وتنوّع المنابر الاعلاميّه، حَدَّد تاريخياً المفهوم المعاصر «للديموقراطيه» كما يروّج لها الغرب، استطاعت السنوات الماضيه بما حملته من تحدياتٍ داخليه وخارجيه، فضح قصور هذا المفهوم. المشهد الذي بدا تعددياً غدا متشابهاً ومكرراً. اعتمدت الكثير من الوسائل الاعلاميه اليات واستراتيجيات متقاربه، واختارت التركيز علي محاربه الخصوم عبر تصيّد زلّات اللسان والانشغال بمراقبه لغه الجسد، بدلاً من التركيز علي ما قد يهم حقاً ويحدث فرقاً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل