المحتوى الرئيسى

محمد إلهامي يكتب: معنى “لا إله إلا الله” وآثارها | ساسة بوست

05/07 15:07

منذ 5 دقائق، 7 مايو,2015

اقرا اولا: مدخل الي منهج الاسلام في بناء المجتمع

كان اول ما طلبه النبي حين بُعِث في مكه ان يشهد الناس بانه “لا اله الا الله”، ولان القوم كانوا يعرفون معني هذه الكلمه، ويدركون فيها انتزاعًا لسلطانهم، وكبحًا لاهوائهم، وتسويه بينهم وبين عبيدهم، والزامهم بما لا تشتهيه نفوسهم من اخلاق وشرائع واوضاع، فانهم نفروا من هذه الكلمه وحاربوها اشد المحاربه(1)، وطفقوا يلتمسون عيبًا في القران بعد ان اعترفوا ببلاغته وقوته وعجزوا عن مثله، كما طفقوا يلتمسون عيبًا في النبي، علي الرغم من انهم شهدوا له طوال اربعين سنه بالصدق والامانه والعفاف، تُري ما السر في كل هذا؟!

السرُّ في ان القوم كانوا مثل “المذنب في ساحه القضاء بعدما انكشفت جريمته وثبتت ادانته”، فان القوم الذين كثرت بايديهم الاموال عجزوا جميعهم عن جمع مال حلال يكفي لاكمال بناء بسيط كالكعبه فتركوه ناقصًا(2)، ففي ذلك دليل اعترافهم علي انفسهم بالغرق في الباطل والحرام، فكان اقسي ما ياتيهم دعوه تنطق بالحق، وتبغي تغيير الاوضاع واتمام مكارم الاخلاق! فالتوحيد “هو قاعده الفكر الاسلامي، ومن ثَمَّ القوه المُحَرِّكه والمُوَجِّهَه لفلسفه ونظام المجتمع الاسلامي، فنقطه الانطلاق هي تحرير الانسان من عبوديه الانسان، وعبوديه الاوهام، وعبوديه الكائنات والطبيعه، فهو حرٌّ مطلق، منذ لحظه تسليمه بالعبوديه المطلقه لله سبحانه وتعالي، او بقبوله شرح معني “لا اله الا الله.. نفي واثبات” وطرح هذا الفهم وقبوله، يقود الي رفض الاستكانه لاستبداد السلطه”(3).

ان عقيده التوحيد تدمر سلطان البشر، فلا سلطان لاحد علي احد الا بما امر الله، وذلك يعني سقوط شرائع الاستعباد والاذلال، وسقوط مسالك الغلبه والقهر والظلم، وهي روح هادره تنبعث في نفوس المظلومين والمقهورين لتحررهم من سلطه الملوك او الكُهَّان او الساده؛ لتجعلهم وجميع البشر سواءً، كلهم امام الله سواء، كلهم يخضعون لمنهج الله ودينه، كلهم يتفاضلون بالعمل الصالح الذي يملكونه لا باحساب وانساب لم يخترها احدٌ لنفسه. انه التحرر الكبير الذي يخلق جيلاً حرًّا، مخلصًا، ثائرًا، مصلحًا، متفجر الطاقات والمواهب، مستعينًا بالله تبارك وتعالي علي مهمته الجليله.

والمسئوليه ابنه التحرر، فهو يُنْتِجها، بل هي التطبيق العملي له، فلا معني للتحرر من دون استشعار واجب تحرير الناس من اغلالهم وقيودهم، وهذا المفكر الفرنسي الشهير الذي انتهي الي الاسلام – رجاء جارودي – يتحدث عن التوحيد؛ فيكون اول ما يلفت نظره هذه الحركيه التي تنشا عن استشعار المسئوليه، والتي تنافي التواكل والسلبيه، يقول: “سوف يكون غريبًا اعتبار عقيده – قادت المسلمين في غضون ثلاثه ارباع القرن الي تجديد اربع حضارات كبري، والي الاشعاع علي نصف العالم – عقيدهً قَدَريهً منقاده، هذه الديناميه في الفكر والعمل هي عكس القدريه؛ لقد اقتادت ملايين النإس إلي التاكد من انه كان يمكنهم ان يعيشوا علي نحو اخر”(4).

وكما ان التحرر يقود المسلم الي ان لا يقهره احد، ولا يتحكم فيه احد، فانه يقوده – ايضًا – الي الا يمنعه عن القيام بواجبه احد(5)، فهو خليفه الله في ارضه لرفع الظلم عن المظلومين جميعًا، هذه هي الخلاصه التي شرح بها ربعي بن عامر مهمه المسلمين امام رستم قائد الفرس قائلاً: “الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج مَنْ شاء من عباده العباد الي عباده الله، ومن ضيق الدنيا الي سعتها، ومن جور الاديان

الي عدل الاسلام، فارسلنا بدينه الي خلقه لندعوهم اليه، فمَنْ قبلَ منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وارضه يليها دوننا، ومن ابي قاتلناه ابدًا؛ حتي نفضي الي موعود الله”(6).

ثالثًا: انتفاء الواسطه بين الله وعباده

وانتفاء هذه الواسطه يدعم “المسئوليه” من جهتين؛ الاولي: رفع القيود والعوائق عن القائم بالمهمه؛ فلا يتوقف لانتظار اذن من احد في تنفيذ تكليف الهي، ولا يُسَلِّم لاحد قياده في غير معروف؛ اذ “السَّمْعُ وَالطَّاعَهُ عَلَي المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا اَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَهٍ، فَاِذَا اُمِرَ بِمَعْصِيَهٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَهَ”(7)، و”لَا طَاعَهَ فِي مَعْصِيَهِ اللهِ”(8).

والثانيه: هو وضع المسلم امام رقابه ربه، لا امام ملك او رئيس او كاهن او شيخ، فيعجز عن الخداع والالتفاف والمناوره، بل يستقر في ضميره ان يقوم بواجبه علي الوجه الذي يرضاه الله، فاذا اخطا او قَصَّر او تكاسل لم يسعَ في اخفاء هذا او تبريره او التنصُّل منه، فكل هذا مكشوف عند الله الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَاَخْفَي} [طه: 7]، و{يَعْلَمُ خَائِنَهَ الْاَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، بل يكون السعي في التوبه والرجوع ورفع اثار الخطا والتقصير.

وذلك ان التاسيس للتوحيد يستتبعه الاجابه عن الاسئله الوجوديه: ما الانسان؟ ما الطبيعه؟ اين كنا قبل الوجود؟ واين نصير بعد الموت؟ وما معايير الصواب والخطا؟ وكيف نفرق بين الحسن والقبيح؟ وكيف ينبغي ان نحيا في هذه الدنيا؟ وما دورنا فيها؟ وما علاقه الانسان بغيره من البشر او بغيره من الكائنات؟

وهذه الاسئله الثلاثه الاخيره هي ما يهمنا ان نركز عليها في مقام بحثنا الان، وسنجد في كتاب الله الجواب، وموجز هذا الجواب وخلاصته الاخيره تجمعها ايتان في كتاب الله؛ قال تعالي {وَاِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَهِ اِنِّي جَاعِلٌ فِي الْاَرْضِ خَلِيفَهً} [البقره: 30]، وقال تعالي {اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَهَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبَالِ فَاَبَيْنَ اَنْ يَحْمِلْنَهَا وَاَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْاِنْسَانُ} [الاحزاب: 72].

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل