المحتوى الرئيسى

معجزة اليابان، كيف نهض العملاق الياباني؟! خمسة أسئلة تشرح لك - ساسة بوست

05/07 14:20

منذ 16 دقيقه، 7 مايو,2015

قبل ان تسال نفسك (كيف اصبحت اليابان يابانًا؟) هناك سؤال تمهيدي مهم هو (كيف تولد الكهرباء من ربطات العنق؟!)

حسنًا، هناك دوله واحده فقط في العالم يمكنها الجواب علي هذا السؤال!

في صيف العام 2005 وجدت وزاره البيئه اليابانيه ان معدل استهلاك الكهرباء في ارتفاع مستمر، وان موارد الطاقه اليابانيه تحتاج الي ترشيد عاجل (علي الرغم من ان معظمها – في ذلك الحين – كان نوويًا)، ولان الجهاز الحكومي للدوله هو احد افضل الاجهزه الحكوميه التكافليه – تعاون وزاراته بعضها البعض في ظل نظام دقيق – في العالم، قامت وزاره البيئه بتحمل المهمه والاضطلاع بها، وبدات حمله تحت قياده وزيره البيئه حينها (يوريكو كويكي) والتي بالمناسبه اصبحت بعدها بعامين وزيره للدفاع، حمله تدعي (Cool Biz).

تم وضع زمن محدد من يونيو الي الثلاثين من سبتمبر كفتره تجربه يتم علي اساسها اتخاذ قرار التكمله او الغاؤها، اعتمدت الحمله في فتره تجربتها علي شقين، الاول مطالبه الموظفين اليابانيين الحكوميين ثم موظفي القطاع الخاص ثم عموم المواطنين بتثبيت درجه حراره اي جهاز تكييف في اليابان علي 28 وعدم خفضه درجه واحده عن ذلك، اما الشق الثاني فتعلق باجابه سؤال (كيف نمارس وظائفنا في درجه حراره مرتفعه بتكييف مثبت علي 28؟)، واجابت الحكومه حينها ان الحل في عدم حضور اي موظف ياباني مرتديًا ملابسه الرسميه الكامله (بذله/ رابطه عنق) واستبدال ذلك بملابس قطنيه خفيفه تساعد علي تنفس مسام الجسم وتكون ماصه للرطوبه!

كان الطلب الاول (درجه بروده التكييف) بشعًا بما يكفي، لكن الثاني كان معاناه حقيقيه بالنسبه لليابانيين واعتبروه علامه ضخمه علي عدم التهذيب، وبعض اعضاء وزارة الخارجية اليابانية وبعض موظفي الشركات الخاصه اشتكوا من شعورهم بالدونيه والاساءه لمن امامهم من وفود اجنبيه رسميه او خاصه وهم يرتدون ملابسَ خفيفه صيفيه بينما نظراؤهم يرتدون ملابسَ رسميه كامله، وجزء مهم من حل المشكله كان التزام اهم مسئولي الحكومة اليابانية بالحمله وشروطها وعلي راسهم (جونيتشيرو كوريزومي) رئيس الوزراء وقتها.

في الثلاثين من سبتمبر خرجت النتائج للشعب الياباني، التزام عدد كبير من الشعب بالملابس الخفيفه ادي الي التزامهم بدرجه حراره 28 واحتمالهم لها، وجود ملايين المكيفات علي هذه الدرجه ادي الي تخفيض 460 الف طن من اجمالي انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكربون بما يعادل حجم ثاني اوكسيد الكربون المنبعث من مليون اسره يابانيه، اما الكهرباء فقد تم توفير 210 كيلو وات/ ساعه في الفتره من يونيو لاخر سبتمبر، وبالنسبه لتاثير الحمله الاقتصادي فقد اثـّرت بالسلب علي قطاع صناعه رابطات العنق وتسببت في انخفاض مبيعات بنسبه 36% مما دعا بالقطاع الي المطالبه بانهاء الحمله وسط تجاهل تام له، وفي نفس الوقت اثـْرَت قطاع الملابس بـ18 مليار ين والاقتصاد الياباني كله بمائه مليار ين!

الحمله مستمره بنجاح تام حتي الان، وتعتبر احدي اهم واذكي حملات البيئه واكثرها ابتكاريه في العقود الاخيره.

(1) كيف انهي الميجي حكم الساموراي العسكري؟!

المتداول والمعروف بشكل واسع النطاق ان اليابان نهضت بمعجزه تنمويه حقيقيه بعد الحرب العالمية الثانية عندما ضربتها الولايات المتحده بقنبلتين ذريتين فانهت الاقتصاد الياباني اكلينيكيًا، حسنًا، ما حدث هو تعافي الاقتصاد وليس النهوض، فالنهوض الحقيقي بدا من قبل الحرب بمائه عام تقريبًا.

في بدايات القرن السابع عشر وبعد ان استتب حكم اليابان لـ(اياسوا توكوجاوا) بدا الرجل خطته لارساء دعائم حكم له ولعائلته وقد نجح في هذا حتي وصولنا الي منتصف القرن التاسع عشر وهو بدايه نهضه اليابان الحقيقيه، خطه توكوجاوا كانت واضحه وحولت اليابان لما يزيد عن مائتي عام لكوريا شماليه حاليه، فحظر علي اليابانيين السفر للخارج ومنعهم من بناء سفن عابره للمحيطات وعامل – هو ومن خلفه في الحكم – الحملات التنصيريه الكاثوليكيه باشد انواع التنكيل للمحافظه علي انغلاق القوقعه اليابانيه، وقد كان الامر مفيدًا علي عكس المتوقع في رفع درجه اندماج وتفرد السكان اجتماعيًا، هذا التماسك الذي استخدمه (ميجي) فيما بعد في ثورته.

بدايه النهضه الفعليه كانت عندما اتي الامبراطور (موتسوهيتو) الذي عرف بـ(الميجي) او (الحاكم المستنير) للحكم في يناير عام 1868 وقاد حركه اصلاحيه ثوريه – بمقاييس عصره – قامت علي مبدا واحد هو (بلد غني وجيش قوي)، وكان اليابانيون في هذا الحين يتابعون التمزيق التام للصين اثناء حروب الافيون من قبل قوي اوروبا وعلي راسها المملكه المتحده (بريطانيا)، لذلك ولتجنب هذا المصير ادركوا ان الهدف الاساسي ينبغي ان يكون (سد الفجوه الاقتصاديه والعسكريه بينهم وبين الغرب).

كسرت حركه الميجي الاصلاحيه عزله البلاد وبدات في حركه انفتاح تجاريه وعلميه، ففتحت الموانئ البحريه بشكل كامل والغت الاقطاعيات العسكريه وبدات في تقليص نفوذ الساموراي وتجريدهم من امتيازاتهم حتي استطاعت ان تنهي تحكم الطبقه العسكريه في اليابان في ظرف ثماني سنوات تقريبًا، في نفس الوقت سمحت الحركه للفلاحين للمره الاولي منذ اكثر من قرنين بامتلاك الاراضي الزراعيه وانتاجها مما ساهم في تكوين طبقه فلاحين منتجين، وقامت بادخال ثوره حقيقيه علي نظام التعليم، كل ذلك لم يكن في ظروف مواتيه وانما قامت طبقه الاقطاعيين العسكريه والاجتماعيه بمحاوله الانقلاب علي الميجي مرتين في عام 1874 و1877، وفي المرتين نجح الامبراطور في فرض سيطرته حتي انتهت الطبقه الديكتاتوريه ودانت اليابان بالطاعه لموتسوهيتو.

كانت حركه الانفتاح في مجملها علي مرحلتين، الاولي هي التوجه للقاره الاوروبيه لاخذ ما يساعد نظاميًا الهرم الياباني الناشئ، فتمت الاستعانه بنظام الشرطه والتعليم الفرنسيين والنظام الاداري (الحكومي) الالماني، ثم كانت المرحله الثانيه فيما بعد الحرب العالميه الأولى والتوجه للولايات المتحده لرفع كفاءه القطاع الصناعي والتوسع الاقتصادي للشركات الكبري العامله ونقل الاداره الصناعيه والمعرفه التقنيه لها.

انتج هذا الاستنساخ الواعي في المرحله الثانيه تصاعدًا اقتصاديًا لاول قوه شرقيه خارج نطاق القوي التقليديه (اوروبا والولايات المتحده)، وتكون نسيج شديد التماسك من اتحاد الدوله باجهزتها بقياده اصلاحيي ميجي (العسكريين ايضًا) مع اتحاد شركات القطاع الخاص وهو اتحاد تكون من مجموعه ضخمه من الشركات الخاصه اليابانيه العامله في مجالات الصناعه والتجاره والشركات الماليه مكونه فيما بينها ما عرف باتحاد (زايباتسوا) والذي هيمن حتي ما قبل الحرب العالميه الثانيه علي نصف الانشطه الاقتصاديه في البلاد.

ثم اتت الحرب العالميه الثانيه.

(2) كيف تخطت اليابان الدمار الشامل؟!

1945. Japan. Explosion of the atomic bomb on Nagasaki. (Photo by: Photo12/UIG via Getty Images)

علي مشارف نهايه الحرب العالميه الثانيه، ومع انهيار المانيا النازيه ودخول اربع دول بشكل رئيسي اليها ليقسموا كعكه برلين (فرنسا/ بريطانيا/ الولايات المتحده/ الاتحاد السوفيتي)، ووقوع الصين بشكل اساسي تحت مطرقه الشيوعيه، مع كل ذلك لم يتبق الا اليابان كدوله شديده الخصوصيه ينبغي السيطره عليها، في هذا الوقت وضعت الولايات المتحده كل ثقلها الحربي في اليابان لتتسبب في اكبر مجازر حربيه في التاريخ الحديث!

في البدء كان القصف الجوي المكثف علي كل المدن اليابانيه والذي تركز في شرق طوكيو متسببًا في مقتل مائه الف ياباني مع تشريد مئات الالاف الاخرين، ثم كانت قنبله هيروشيما كاول تجربه امريكيه لسلاحها الذري الوليد والتي تسببت في مقتل مائه وعشرين الفًا فورًا مع اصابه مئات الالاف الاخرين، ثم تجربه نوع اخر علي ناجازاكي ليُقتل ستون الفًا علي الفور ايضًا، كل ذلك كان شيئًا اقل مما فعلته الولايات المتحده متبعه احدي استراتيجيتين لهزيمه الجيش الياباني عندما فرضت حصارًا بحريًا شاملًا علي الدوله وهو السبب الرئيسي المؤدي لانهيار الاقتصاد الياباني حينها.

بعد توقيع الإمبراطور الياباني لوثيقه الاستسلام وتعيين الجنرال ماك ارثر حاكمًا فعليًا لليابان بدات سنوات احتلال الولايات المتحده لها (1951:1945)، العام الذي تلا كل هذه المذابح كان احد اسوا الاعوام في التاريخ الياباني، انهيار الاقتصاد تسبب في نقص حاد في الانتاج والسلع والغذاء مما انذر بمجاعات واسعه النطاق تتسبب في هلاك مئات الالاف، انتشرت الاسواق السوداء مع ارتفاع هائل في الاسعار، ثم زادت الولايات المتحده بتسريح الجيش الياباني بالكامل مما ادي الي وجود ما يقارب الخمسه ملايين عاطل بجوار الاخرين، والعدد النهائي الذي كان مطلوبًا من الدوله اقتصاديًا استيعابه هو عشره ملايين عاطل.

المثير للتامل انه لا المجاعه ولا البطاله حدثت، في البدء استوعب قطاعا (الزراعه/ الاعمال الحرفيه) اغلب هذه الملايين مما ساهم في تخفيف حده انهيار ما بعد الحرب، لكن التضخم بقي كما هو مع انتشار مخيف للاسواق السوداء، بالطبع مارست الولايات المتحده هوايتها الاثيره في التحكم عن طريق المساعدات، وتقريبًا من اهم دعائم نجاه اليابان في السنوات الخمس العجاف بعد الاستسلام هي المساعدات الامريكيه (مليار ونصف دولار من 1950:1945)، كل ذلك لم يكن له ان يستمر للابد، وهنا بدات البراعه اليابانيه.

قبل الهزيمه بشهر كان هناك شابان مسئولان منفصلان تمامًا عن الواقع، اليابان تنهار والولايات المتحده توشك علي دكها بالكامل والارض الطيبه تتحول لارض رعب مقيم، لكن الشابين وسط كل ذلك كانا يفكران في اشياء اخري اهم الف مره.

قبل شهر من الاستسلام راي (سابورو اوكيتا ويونوسوكي جوتو) ان الهزيمه اتيه لا محاله وستجلب معها انهيارًا اقتصاديًا لا مفر منه، كان الاثنان يعملان مهندسيْ كهرباء في العاصمه الصينيه بكين، لكنهما عندما شاهدا ما يحدث عادا الي طوكيو ليبدا التحضير لجلسات نقاشيه اوليه يتم فيها وضع خطه لتجاوز ما سيحدث اقتصاديًا، عقد الاجتماع الاول يوم 16 اغسطس لعام 1945 (بعد الهزيمه بيوم واحد فقط)، وفيه تمت مناقشه اتفاقيه بريتون وودز التي كانت وقعت قبل الجلسه بعام في الولايات المتحده ونتج عنها تثبيت الدولار كعمله قياسيه وانشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

بمرور الوقت تحولت الجلسات من جلسات خاصه لجلسات عامه يحضرها اكاديميو وسياسيو اليابان لمناقشه اعاده الاعمار، وتولي اوكيتا وجوتو مهمه تلخيص نقاط كل جلسه نقاشيه وتحويلها لتقرير كامل، بعد فتره اخري تبنت الحكومه الجلسات رسميًا وضمتها وزاره الخارجيه اليها تحت مسمي (لجنه المسح الخاصه).

في اواخر عام 1945 ظهرت المسوده الاولي لتقرير الجلسات الشامل، ثم ظهرت المسوده النهائيه في مارس من 1946، ثم خضعت لتعديلات لتظهر نسخه التقرير النهائيه في سبتمبر من نفس العام وكان عنوانها (المشكلات الاساسيه لاعاده اعمار الاقتصاد الياباني)، تناول التقرير المشكلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد مع توصيف دقيق جدًا للوضع الداخلي، ثم وضع استراتيجيه عامه لمواجهه كل المشكلات، ثم في مرحله التقرير الثالثه وضعت توصيات التحرك لاعاده الاعمار بالتفصيل، مثل التقرير مثالًا بليغًا متداولًا حتي الان علي العقليه اليابانيه الخلاقه، ومازالت اليابان تعمل ببعض توصياته الاقتصاديه حتي لحظتنا هذه!

(3) كيف وصلت اليابان لعصـر النمـو المدهـش؟

At a research and development facility, Japanese industrialist and founder of Honda corporation, Soichiro Honda (1906 - 1991) (right) talks with engineers about a solution to an automobible body noise problem, Tokyo, Japan, 1967. (Photo by Takeyoshi Tanuma/The LIFE Picture Collection/Getty Images)

في عالم ما قبل الحرب كان هناك طفل في مقاطعه هماماتسو ينحدر من اسره شديده الفقر، ابن لحداد وطالب من افشل طلاب مدرسته، كان هذا الطفل يحب مراقبه والده وهو يعمل في ورشته وتعلم منه استخدام الافران لصهر المعادن وصب القوالب، وعلي الرغم من فشله الدراسي الا انه كان مجنونًا بالميكانيكا ولذلك عندما فتح والده ورشه صغيره لتصليح الدراجات الهوائيه كان الطفل ذراعه الايمن فيها، ثم انهي دراسته الثانويه في الخامسه عشره من عمره ليرحل الي طوكيو ويعمل في شركه صغيره لتصليح السيارات ويتطور عامًا بعد الاخر ليصل لرئاسه فرع الشركه في هماماتسو وهو في الحاديه والعشرين فقط من العمر.

بعد عام واحد فقط ترك الشركه ليبدا في تاسيس ورشته الخاصه في عام 1928، كانت مكابس السيارات في هذا الوقت تصنع من الخشب فبدا هو باختراع مكابس معدنيه للسيارات، عندما وجد انه يحتاج للدراسه عاد الي معهد المقاطعه الفني ليدرس فيه الهندسه الميكانيكيه، ثم انشا ورشه لانتاج بعض قطع السيارات لعملاق الصناعه اليابانيه (تويوتا)، كانت الامور تسير علي ما يرام بالنسبه له حتي اتي العام 44 لتضرب قاذفه قنابل امريكيه ورشته ثم يكمل عليها زلزال في العام 45 بعد ان انشاها مره اخري، لتنتهي الحرب العالميه الثانيه بخسارته لكل شيء.

بعد الحرب، ترك الشاب مجال السيارات واتجه لسوق الدراجات الناريه بالصدفه البحته، في العام التالي مباشره لقصف اليابان النووي اسس معهدًا للابحاث التقنيه والميكانيكيه ثم بدا في تطوير محركات للدراجات الناريه، في هذا الوقت كانت هناك مائتان وخمسون شركه عامله في اليابان في هذا المجال، بدا بتصنيع اولي اجيال دراجته (Dream)، وبحمله تسويق عبقريه واستهداف مكثف لشرائح المراهقين والفتيات ممن يستخدمون الدراجات الهوائيه استطاع بعد سنوات معدوده ان يصبح الشركه اليابانيه الاولي في تصنيع الدراجات الناريه، ثم لم يكتف بذلك وانما ذهب للولايات المتحده ليغزو السوق هناك في عقر دارهم واستطاع بعد عشر سنوات اخري ان يصدر للولايات المتحده مليون دراجه ناريه في العام!

بالتوازي وفي بدايه الستينات بدا الشاب في الدخول الي مجال صناعه السيارات، كان هذا المجال محرمًا في اليابان بشكل غير رسمي بعد فشل عشر شركات منذ العام 1925 في دخول السوق، لكن الشاب وببراعه وبدعم مطلق من وزاره التجارة الدولية بدا تصنيع السيارات في اطار استراتيجيه الوزاره لرفع الصناعه اليابانيه لتنافس نظيرتها الامريكيه، لتصبح شركته فيما بعد احد اكبر سته مصنعين للسيارات في العالم، والاولي عالميًا في تصنيع الدراجات الناريه.

الشاب الذي يدعي (سويتشيرو) مؤسسًا لعلامه تجاريه تقدر قيمتها الان بما يفوق الستين مليار دولار كاحدي اكبر الشركات العالميه، الشركه التي تدعي (هوندا).

ما سبق هو تقريبًا نفس قصه اخرين باسماء مختلفه، يشتركون كلهم في الظروف شديده الصعوبه، في الفشل المستمر قبل النجاح، في خروجهم عن المالوف، وفي دعم الدوله لهم في حقبه الاتجاه الياباني للنمو السريع، وفي تاثيرهم بالغ الاهميه في فتره البناء الاقتصادي الياباني واسهام شركاتهم في وصول اليابان في منتصف السبعينات وما بعد لاحد اقوي وافضل الاقتصادات العالميه واحد اهم منافسي الولايات المتحده الامريكيه تكنولوجيًا، سويتشيرو مؤسسًا لهوندا، ماتسوشيتا مؤسسًا لشركه كهرباء ماتسو العالميه ليقدم للعالم (باناسونيك وناشيونال)، وماساروا ايبوكا واكيو موريتا مؤسسا (سوني)، وغيرهم.

في الاقتصاد الياباني يطلق علي فتره ما بعد انتهاء الحرب الكوريه (1953) الي اوائل العقد السبعيني فتره النمو المدهش الذي اوصل اليابان حينها لاحتلال المركز الثاني كاقوي اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحده مباشره بمعدل نمو مبهر بلغ 13.9%، في البدايه كانت اليابان تعاني من مشكلات اقتصاديه رئيسيه، التضخم، انخفاض العمله، نقص الطاقه لاعتمادها التام علي الفحم بينما اتجه العالم في تحول سريع لثوره النفط، التخلف التكنولوجي، انخفاض حاد في الصادرات.

كان امام الشعب الياباني وحكومته خيارات قليله جدًا وبديهيه للتعامل مع الوضع، تخفيض قيمه العمله بشكل حاد، او التقشف وانكماش الاقتصاد بالتالي، لكنّ اليابانيين اختاروا طريقًا ثالثًا بالغ الصعوبه وهو (تحسين الانتاجيه) مع استثمار فائق في القطاع التكنولوجي لمضاعفه الانتاجيه كمًّا مع هدف زياده الجوده.

جزء كبير من التطور ايضًا يرجع للعام 1949 حيث تم دمج ثلاثه كيانات هم (وكاله الفحم، ووزارة التجارة والصناعة، ووكاله التجاره الدوليه) ليظهر للنور كيان جديد هو (MITI) او وزاره التجاره الدوليه والصناعه التي ساهمت بشكل كبير في اعاده هيكله الصناعات اليابانيه بتعاون وثيق نادر بينها وبين القطاع الخاص ودفع هذه الصناعات وصولًا الي منافسه الولايات المتحده مباشره.

عبقريه الـMITI تمثلت في استراتيجيتها العامه التي اعتمدت بشكل رئيسي علي الانتقائيه، فكان الدعم الوثيق للسياسات الصناعيه قائمًا علي مفاضله دقيقه بين الصناعات اليابانيه المختلفه وقياس اتجاه العالم ثم دعم الصناعات المتوقع ارتفاع الطلب عليها كل عشر سنوات، ولذلك اهتمت الوزاره بشكل كامل بالصناعات الثقيله والصناعات التكنولوجيه والتقنيه وقطاع الكهرباء والنقل، ما ساهم فيما بعد في خلق بنيه تحتيه ادت الي ما نراه في اليابان اليوم.

متوسط دخل الفرد الياباني عندما بدات طوكيو عصر نموها في 1950 كان 1/14 من متوسط دخل الامريكي، اي ان الولايات المتحده كانت تتقدم علي اليابان بـ14 ضعفًا، نسبه مهوله جدًا، بعد عشر سنوات وفي 1960 انخفضت النسبه واصبح متوسط دخل المواطن الياباني سنويًا 1/6 من متوسط دخل الامريكي، ثم بعد عشر سنوات اخري اصبح متوسط دخل الياباني 1/2.5 من متوسط دخل الامريكي في 1970!

(4) ومتي دخلت طوكيو مره اخري الازمه؟

بعد العام 1970 كانت اليابان قد حققت جزءًا كبيرًا من طموحها فيما يخص العالم الغربي، تجاوزت الفجوه وانتقلت من كونها دوله مستورده للتكنولوجيا لدوله مصنعه لها، كان هذا احد اهم اسباب التباطؤ، لانه اثناء عمليه اللحاق بالركب المتقدم يمكنك ان تستورد دائمًا النظم الجديده والتكنولوجيا الغربيه، لكن عندما تصبح جزءًا من هذا العالم لا يمكنك الا ان تبدا في تطوير المسار الخاص بك وابتكار تكنولوجيا جديده، لن تستطيع ان تنسخ الاخرين مره اخري.

بعدها جاءت فترتان من الضعف الاقتصادي علي اليابان في عشر سنوات فقط، احداهما في 1974 والاخري في 1979، الفترتان كانتا بسبب النفط وارتفاع سعره في الاولي من 2 الي 11 دولارًا للبرميل الواحد وفي الثانيه الي 30 دولارًا للبرميل الواحد، وبسبب ان اليابان دوله مستورده للنفط بنسبه 99.7% كانت الازمه.

في المره الاولي حدث ذعر استهلاكي وفرغت رفوف المحلات ونشط الاحتكار ومعه الاسواق السوداء، وسجلت اليابان حينها اول معدل نمو بالسالب (-0.8%)، العبقريه اليابانيه تجلت في الخروج من كل ذلك باقل الاضرار الممكنه، واتباع استراتيجيه تقتضي ترشيد استهلاك الطاقه بشكل لا يجعلها ثغره في الجدار الحديدي الياباني مره اخري، فاتخذت الحكومه اجراءات للتحكم في الصناعات كثيفه الاستهلاك للطاقه، واطلقت حمله قوميه شامله لتغيير سلوك الشعب فيما يخص الاستهلاك، وشجعت عمالقه الصناعه علي ان يتجهوا لابتكار مصادر اوفر، ويتضح هذا في مثال هوندا الذي سبق العالم باكمله لاختراع اول محرك سيارات صديق للبيئه وموفر للطاقه بدعم من الحكومه متقدمًا علي فورد وجنرال موتورز الاكثر تطورًا في العالم حينها، بمرور الوقت تحول توفير الطاقه في اليابان لسلوك عام ونشاط اقتصادي مربح، لتاتي الازمه الثانيه في عام 1979 فتمر علي اليابان بشكل طفيف جدًا غير مؤثر ومعدل تضخم قليل ومعدل نمو مستمر ومقبول.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل