المحتوى الرئيسى

أحمد سرحان: روسيا اليوم..بين الحلم القديم والواقع الجديد - e3lam.org

05/06 23:25

5 مشاركات شارك علي الفسيبوك شارك علي تويتر شارك علي جوجل

تستعد موسكو اليوم لاكبر عرض عسكري منذ الحرب العالمية الثانية احتفالاً بيوم النصر في التاسع من مايو، ذكري مرور سبعين عاما علي هزيمه النازيه وتوقيع وثيقه استسلام المانيا الي الماريشال السوفييتي جيورجي جوكوف في برلين، والذي يتصدر تمثاله ممتطياً حصاناً ضخما مدخل الميدان الأحمر، كما دخله اول مره، في موكب النصر عام 1945. علي مقربه منه، يقع اول فرع لمحلات ماكدونالدز الامريكيه الشهيره في المدينه العريقه، علي بعد خطوات من سور الكريملين و مقبره لينين قائد ثورة البلاشفة الشيوعيه، حيث يبدو انه لم يبق من افكاره سوي جثمانه المحنط داخل تابوت زجاجي ليشاهده السياح.

سبعون عاما هي مناسبه خاصه بالفعل، وهي ايضا تعني مرور ربع قرن علي انهيار الاتحاد السوفييتي وانفتاح روسيا علي الغرب. ولكنها تاتي اليوم وقد اتخذت روسيا بقياده فلاديمير بوتين اتجاهاً معاكساً مع استمرار العقوبات الاقتصاديه المفروضه عليها بعد تدخلها في اوكرانيا وضم القرم.

لم يعاصر بوتين زمن النصر العظيم. فهو من مواليد 1952 في مدينه سان بطرسبرج التي كانت تسمي ليننجراد في زمن السوفييت، والتي قاومت ببساله 870 يوما من الحصار النازي العنيف في واحده من اهم محطات الحرب العالميه الثانيه، قبل ان يبدا منها الزحف علي برلين. درس بوتين الحقوق، وحصل علي درجه الدكتوراه في الاقتصاد والحزام الاسود في الجودو. انتخب بوتين لاول مره سنه 2000 بعد تنحي بوريس يلتسين الضعيف لاسباب غامضه. اول قرارات بوتين كانت منح حصانه قضائيه لسلفه و لاسرته، قبل ان يصدر قرار اخر باستعاده النشيد الوطني السوفييتي، ليصبح من يومها هو النشيد الرسمي للاتحاد الروسي. بعد فترتين في الرئاسه تراجع بوتين خطوه خلف ديميتري ميدفيديف الذي مكث في الكريملين اربع سنوات، غير خلالها الدستور لتصبح الفتره الرئاسيه ست سنوات، وليعود بوتين مره اخري مكتسحاً انتخابات 2012. ان بقي بوتين في منصبه حتي سنه 2024، سيصبح صاحب ثاني اطول فتره بقاء في الكريملين، خلف الدكتاتور ستالين. يجادل البعض اليوم فيما اذا كانت روسيا دوله سلطويه ام انها تتجه الي الشموليه، حيث الكل داخل الدوله ولا شئ خارج الدوله ولا احد ضد الدوله. او باختصار، ان تعود كما كانت في زمن ستالين.

ضابط الكي جي بي السابق يفهم جيدا الزمن الذين نعيش فيه. زمن الصوره. في 2005 قرر انشاء جهاز اعلامي “بهدف مواجهه البروباجندا الانجلوساكسونيه وكشف الحقائق”. بعد عشر سنوات، زار بوتين مقر قناة روسيا اليوم، التي تبلغ ميزانيتها 300 مليون دولار سنويا وتبث ارسالها بالروسيه والانجليزيه والعربيه ، قائلا “لقد حققتم هدفي”. هذا صحيح الي حد ما، فالقناه التي ترفع شعاراً بالعربيه “مشروع جديد من صديق قديم” تركز علي تغطيه كل خبر بشكل مناقض تماما للتغطيه الغربيه. مثل تغطيتها للنزاع في سوريا التي تعكس وجهه نظر الكريملين المساند للاسد، بل و تلميعه كما ظهر في لقاء اجرته معه صوفي شيفرنادزه (وهي بالمناسبه حفيده وزير الخارجيه السوفييتي السابق)، و ان كانت لا تقوم بكشف كثير من الحقائق في الداخل الروسي، مثل المظاهرات التي خرجت احتجاجاً علي تصفيه المعارض الروسي بوريس نيمتسوف بالرصاص في قلب موسكو، او الضغوط اليوميه علي حريه التعبير استناداً علي حجج اخلاقيه او دينيه، مثل حظر فليم ” ليفاييثن ” لمخرجه الروسي المرشح للاوسكار اندريه زفياجينتسيف لتعرض الفيلم الي الفساد في الاداره الروسيه. بالاضافه الي تصاعد الرقابه علي الانترنت و وسائل الاعلام و مواجهه كل انتقاد يوجه الي جهاز الامن الفيدرالي، الذي خلف جهاز الكي جي بي، و الذي كان بوتين نفسه مديرا له سنه 1998 في رحله صعوده الي الكريملين.

الشهر الماضي ركزت قناه روسيا اليوم علي ماراثون الاسئله الذي يعقده بوتين بشكل دوري، ويستمر لعده ساعات يجيب خلالها علي اسئله موجهه اليه من عموم الناس ومختاره بالقرعه. احدي السيدات تدعي يلينا طلبت من بوتين بصفته القائد الاعلي للقوات المسلحه ان يامر زوجها بوريس العقيد بالجيش الروسي ان يسمح لها بشراء كلب في عيد ميلادها. في البدايه قال بوتين انه ليس من سلطاته ان يفعل ذلك، ولكني اقترح عليك يا يلينا ان تخبري زوجك بعدم رغبتك في اقتناء الكلب الان وانك ستطيعينه فيما يطلبه منك، وانا علي يقين ان زوجك ربما يشتري لك ماهو اكبر من مجرد كلب بل وربما يهديكي معطفا من الفرو، المهم ان تجدي يا يلينا الطريقه والوقت المناسب. وانت يا بوريس، ربما عليك تسمح لها باقتناء الكلب من اجل حياه زوجيه اكثر وفاقا، فالزوجه السعيده اساس الاسره.

قصه علي غرابتها تظهر لنا كيف يفكر القيصر. يرسم لنفسه صوره الاب للامه الروسيه. يلجا اليه الجميع لحل مشاكلهم. في ختام الماراثون، يغادر بوتين مقعده امام الكاميرا حاملا رزمه ضخمه من الاوراق يبدو انه دون فيها ملاحظاته ليبدا العمل علي حل مشاكل شعبه و معاقبه المسؤولين المقصرين. في اليوم التالي، بحث الصحفيون علي السيده، ووجدوا ان زوجها استجاب لنداء بوتين وسمح لها باقتناء الكلب في عيد ميلادها الاربعين. علقت وكاله الانباء الروسيه سبوتنيك قائله «عندما يعطي بوتين درسا فلا وقت للدراسه»، و «عندما يتحدث الرئيس، يبدا الاطفال بالمشي»! ربما هو بابا نويل، او ربما كما قال عنه البطريرك كيريل الاول راس الكنيسه الاورثوذكسيه الروسيه: فلاديمير بوتين هو معجزه من الرب.

اول ما سوف تواجهه عند وصولك لاحد مطارات موسكو الثلاثه هو نظرات الشك التي ستلاحقك . الارتياب من الاجنبي هو من موروثات العصر السوفييتي. عليك ان تستعد للانتظار طويلا امام رجل الجوازات، يفحص و يدقق و يتصل برؤسائه، ثم يعيد الفحص والتدقيق قبل ان يسمح لك بالمرور، حتي لو كانت هذه زيارتك العاشره للبلاد. انت من الشرق الاوسط، فلا تنخدع بكل ما يقال عن العلاقات المصريه الروسيه الحميميه.

موسكو مدينه كبيره. جميله، مذهله، و جذابه. مبهره بعمارتها و ساحاتها الواسعه و تاريخها العظيم. قد تنبهر ايضا بسيارات فارهه تقطع شوارعها المزدحمه، وهي من علامات طبقه الاثرياء الجدد، الذين ظهروا في التسعينات، عندما كان كل شئ واي شئ للبيع. وحتي اليوم، يستفيد الروس من نوستالجيا الاتحاد السوفييتي اكثر مما استفادوا تحت حكمه. تستطيع شراء اي شئ تركه الرفاق، من قداحات تحمل صور لينين و ستالين، الي بعض الاسلحه الخفيفه التي كانت يوما في حوزه جنود الجيش الاحمر ، بوتين ايضا، بصفته من المشاهير، تجد صورته علي المقتنيات التذكاريه، يقبل عليها السائحون. حسب مجله فوربس، فان موسكو تاتي علي راس قائمه اغلي مدن العالم وتفوق تكلفه الاقامه فيها مثيلتها في لندن بنسبه اربعين في المائه. بينما يعيش فيها 75 مليارديرا. ربما تشاهد بعضهم يتوافدون كل ليله في مواكب البذخ والترف علي مسرح البولشوي التاريخي، تحت انظار تمثال كارل ماركس الشهير علي الجهه الاخري من الشارع، والذي حفرت تحته العباره التاريخيه: “ايها العمال من كل دول العالم، اتحدوا” !

اهرب من زحام الشوارع الي احد اعرق واكبر شبكات قطارات الانفاق في العالم واكثرها تعقيدا. مترو موسكو، يخدم يوميا 7 ملايين راكب، عبر 200 محطه، تتميز كل منها بعماره مبهره، وجداريات فنيه خالده، حتي لتبدو وكانها قاعات قصور. بني اغلب هذه المحطات في زمن الاتحاد السوفييتي، ويصل عمق بعضها الي 70 مترا، حيث كانت تتخذ كملاجئ زمن الحرب تحمي حتي من هجوم نووي. انها مدينه كامله تحت الارض، يخترقها زئير العربات القديمه والتي لم يطرا عليها تجديد جذري منذ عشرات السنوات. يحق للروس ان يفخروا بهذا الصرح العظيم. المترو متحف مفتوح في الحاضر. ولكنه ليس بالضروره انعكاس لمستقبل عظيم. ربما لهذا يكسو وجوه الركاب تهجم واضح. ليس من المعروف عن الشعب الروسي انه يحب الفكاهه. تاريخ بلاده ملئ بالماسي والاحزان والحروب بهزائمها و انتصاراتها، في اشعار بوشكين وحكايات تولستوي و لوحات فاسيلي بيروف التي يمكنك تاملها في جاليري تريتياكوف العريق. هي بلاد علي مساحتها الشاسعه عانت طويلا من هجمات جيرانها عبر التاريخ، بدءاً بالمغول في القرن الثالث عشر، مرورا بالبولنديين والسويديين و العثمانيين، وحتي الغزو النازي الذي راح ضحيته اكثر من عشرين مليونا من الروس. هو بالتاكيد شعب صبور، يعاني تحت وطاه ازمه اقتصاديه وغلاء مستمر منذ سنوات.

في مارس الماضي اعلنت جازبروم انخفاض عائداتها بنسبه 85% في 2014 مرجعه ذلك الي هبوط اسعار البترول و انهيار الروبل امام الدولار لاقل من نصف قيمته قبل عام. جازبروم هي عملاق صناعه البترول والغاز في روسيا، وتسهم وحدها بعشر الناتج المحلي الاجمالي للبلاد. لكن التراجع في نمو الاقتصاد الروسي سبق ازمه انخفاض اسعار البترول والعقوبات الاقتصاديه. ففي 2013 لم يتجاوز نمو الناتج المحلي 1.5% ، وهو اليوم يبلغ 2 تريليون دولار، ويتعرض لانكماش في الربع الاول من العام الحالي، وياتي متاخرا خلف الهند و البرازيل، ويعادل فقط خمس الناتج الاجمالي للصين، وثلث الناتج المحلي لليابان، ولا يقارن باقتصاد امريكا البالغ 17 تريليون دولار. مع هبوط الروبل لنصف قيمته في اقل من عام، واعتماد الاقتصاد الروسي في 80% من صادراته علي البترول والغاز والتعدين، ارتفع عجز الموازنه الي 10.5% من الناتج المحلي الاجمالي، و قفز الدين الخارجي الي 600 مليار دولار، وخسر البنك المركزي نصف احتياطاته النقديه. من المالوف ان تصادف شباباً روس من حمله الشهادات العليا، ويعملون بوظائف اقل ما يقال عنها انها لا تليق، و يرغب نصفهم في الهجره الي الغرب. ومثلما خلقت البطاله المقنعه في مصر وظيفه عامل المصعد الذي يزاحمك ليقوم بدلا عنك بالضغط علي زر الطابق الذي تريد، في روسيا توجد هذه الوظيفه ايضا، وغيرها، مثل تلك السيده التي تجلس ساعات طوال في غرفه زجاجيه تراقب حركه السلم الكهربائي في محطات المترو، مرتديه هي و زميلاتها معطفا سماوي اللون من مخلفات زي العمال في الحقبه السوفييته.

الاسلحه النوويه والصواريخ وغزو الفضاء نجحت في اخفاء حقيقه ان الاتحاد السوفييتي كان دوله من دول العالم الثالث، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.و كذلك روسيا اليوم. هي اكبر دول العالم مساحه، 17 مليون كم مربع، و 150 مليون من السكان، واكثر من 40% منهم يواصلون العمل بعد سن التقاعد نظرا لضعف شبكه الضمان الاجتماعي. مهما بحثت عن سلعه صناعيه روسيه في السوق العالميه، خاصه فيما يتعلق بالابتكار في التكنولوجيا الحديثه من الاتصالات او السيارات او الهندسه البيولوجيه او غيرها، فلن تجد. الحقيقه ان روسيا تقف اليوم عاجزه عن المنافسه في عالم تتفوق فيه الصناعه الصينيه والتقنيه الهنديه

في الاسبوع الماضي اعلنت وكاله الفضاء الروسيه روسكوزموس عن فقدانها مركبه فضاء غير ماهوله كانت في طريقها الي المحطه الفضائيه الدوليه، تحمل بالاضافه الي المواد الغذائيه والمعدات، نسخه من علم الجيش الاحمر بمناسبه الاحتفالات بيوم النصر. عشر مركبات اخري ضاعت في الفضاء في السنوات الخمس الماضيه. ولكن لا داع للقلق، فالخبر الجيد ان رائد الفضاء الروسي القابع في المحطه الدوليه لديه نسخه اخري من العلم.

الاخطر من غياب الابتكار والمبادره، ان الفساد يعد من الملامح الرئيسه للدوله الروسيه، حيث تتصدر الدول الاوروبيه في قائمه المنظمه الدوليه للشفافيه، بل و تاتي متاخره في المركز ال136 عالميا خلف نيجيريا و مالاوي و موزبيق و اوغندا علي مؤشر الفساد، بل و بعد مصر التي تسبق روسيا باثنين واربعين مركزا !

البعض في بلادنا يتحمس لدور روسي جديد في المنطقه. يشتاق لعوده عالم القطبين والحرب البارده. يعتقدون انهم يعرفون قواعد اللعب فيه. يتغافلون عن رؤيه روسيا شريكا في الحرب الدائره في سوريا، وحليفاً لايران و سياساتها المعاديه لمصر والخليج. يتناسون ان الدور السوفييتي في الماضي ادي الي نكسه 67، واورثنا سياسات اقتصاديه فاشله نعاني منها الي اليوم. نوستالجيا مثيره للشفقه. لدي خبر سئ: الحرب البارده انتهت قبل ربع قرن، و الاتحاد السوفيتي لم يعد له وجود.

الحقيقه انه ليس لدينا ما نقدمه للروس بينما مصر في اضعف حالاتها، تعتمد علي مساعدات اشقائها، ولا تملك بوصله استراتيجيه واضحه. و الاسوا ان موسكو ليس لديها ما تقدمه لنا، اكثر من نشوه النكايه والمكايده للامريكان، وهي تصرفات تتقنها بعض السيدات في احياء القاهره الشعبيه. عالم اليوم تحكمه المصالح الاقتصاديه المشتركه فقط- ان وجدت- وليس صراع الايديولوجيات.

لقد انقذ بوتين روسيا من مصير يوغوسلافيا. ان ينجح في تحويلها الي دوله عظمي لها شان اخر. واليوم تزدان الشوارع بالرايات والاعلام استعدادا لاحد اكبر العروض العسكريه في التاريخ، والذي سيتكلف 150 مليون دولار و يشارك فيها عشرات الالاف من الجنود و مئات الطائرات و المركبات، وسط مقاطعه رؤساء الدول الغربيه حلفاء النصر، بينما اعلن الرئيس المصري انه سيحضر المناسبه.

تمر الذكري و روسيا اليوم لم تعد هي القوه العظمي التي دفعت ثمانا غاليا لتنتصر علي المانيا النازية، بل دوله تعاني اقتصاديا وسياسيا و اجتماعيا، وتنخرط في صراع مسلح مع بعض الجماعات في اوكرانيا. ولكن يبدو ان هذا هو اقصي ما تستطيع روسيا ان تظهره للعالم اليوم: احتفال مبهر بنصر قديم.

هي بلد ذو تاريخ عظيم.. وشعبها كذلك.. ولكنها ليست دوله عظمي و لن تكون، علي الاقل في حياه جيلي.

جابر القرموطي يدخن “شيشه بالباميه” علي الهواء

عدو “سرايا عابدين” يزور اسرائيل‬  

حقيقه وفاه “ناظر مدرسه المشاغبين”

خريطه فيضان المنوعات علي القنوات المصريه

عمرو اديب يتنبا بحرب اهليه قادمه  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل