المحتوى الرئيسى

معرض ألفرد طرزي: تجهيز لإعادة تاريخ لبنان

05/06 01:29

لحظه دخولنا الي «غاليري جانين ربيز»، من اجل معاينه اعمال الفرد طرزي المعلّقه هناك (حتي 23 ايار)، سيطالعنا الاسود، لا لان اللون المذكور حاضر اكثر من سواه وحسب، بل لان الاعمال شبه مونوكروميه، ما يجعل التعاكس واضحاً مع جدران الصاله البيضاء. وهذا التعاكس، المقصود علي ما نعتقد، يساعد في تكوين الشعور الاولي الذي، هو بدوره، يبدو مسحوباً بدقه.

لكن اللون ليس سوي العنصر الشكلي، المساعد، من اجل تحقيق النظام المشهدي الذي اراده الفرد طرزي في معرضه المعنون: «قطعه خاليه من الارض»، او «قطعه ارض خاليه»، كي لا يخطر في بالنا ان الارض خاليه من ترابها، وهو في الواقع، التراب الذي سنشاهده، ولو علي شكل حصي، في زاويه من المعرض. اذ ان طرزي اراد، كما هو واضح، استغلال مساحه صاله العرض بكاملها كي يجسّد ما يجول في خاطره: اقامه نصب تذكاري لضحايا الحرب الاهليه اللبنانيه (اذا ما استثنينا المفهوم الكلاسيكي للنصبِ)، مع ما يتصل بتلك الحرب من ذكريات ولحظات تامل وحزن، وامل ايضاً، في محاوله لتصوّر نهايه لما شهده بلدنا علي مدي عقود من حوادث لم تنتهِ فصولها حتي الان، كما نري، الاّ في ما يخصّ الوقائع العسكريه المباشره، التي اورثت اثلاماً تتسع او تضيق، بحسب الاوضاع والواقع المتعثّر.

الفرد طرزي كان درس الغرافيك ديزاين، ولذا فمن البديهي ان تتمحور اعماله التشكيليه، في شكل عام، حول التصوير الفوتوغرافي، والتصوير التشكيلي والكولاج الرقمي، وكذلك انواع التجهيز والبرفورمانس، ويُضاف الي ذلك فن اخر هو السينما، التي اُولع بها الفنان، كما يقول. وفي اجتماع هذه العناصر، التي يمكنها ان تصير متكامله في معرض واحد، مع الاخذ في الاعتبار احتمال طغيان عنصر علي الاخر، تصبح معاينه الاعمال المعروضه اشبه بتتبع شريط مركّب من الاحداث، يبدا، بحسب السيناريو المطروح، من الجهه اليمني من الصاله، التي عُلّقت اللوحات علي جدرانها، متتابعه كحاله سينمائيه، لتكتمل الحلقه بعمل تجهيزي من الجهه اليسري هو عباره عن «حقل» من الحصي ترتفع فيه، او منه، قضبان حديديه ذات نهايات ملتويه.هذه القضبان، كما يفيد مظهرها، لم تخرج لتوها من المصنع، بل حملت علي صفحتها تراباً وبعضاً من الصدا، وكانها اثار من حياه ماضيه، واشبه بشواهد لقبور اناس رحلوا، بعدما ابتلعهم اتون الحرب الاهليه.

لم يبقَ من الراحلين سوي جثث مدفونه، وارواح هائمه، اذا ما سلّمنا بوجودها، وصور تمثلهم وهم احياء، وضعها الفرد طرزي ضمن اللوحات المعلّقه من الجهه اليمني. لوحات اقرب الي صناديق قليله السماكه، تحوطها اطارات من الستانلس ومغطاه بزجاج. ينقلنا المشهد الي تداعيات سينوغرافيه، وقد تذكّرنا هذه المقاربه بقبور موتي حُفرت شواهدها بغيه وضع صوره للفقيد الراقد تحت التراب، تتاكل، عاده، مع الوقت بفعل عوامل الطبيعه. صور الفرد طرزي، هي ايضا، ليست صافيه، بل ممشّحه بضربات داكنه او مموهه، وكان الزمن، وربما النسيان، جعلاها هلاميه. ثمه اعمال قُسمت الي جزءين ، يجتمعان في طابعهما المونوكرومي وفي اعتماد الكولاج، ويختلفان في تنقلهما ما بين الصوره الواقعيه والمساحه المبنيه علي اسس غرافيكيه. وفي حين يقوي تقميش الخلفيه تاره، يتقلص طورا مفسحا المجال لخطوط سميكه سوداء، قد ترسم شكلا معروفا او ذا منحي تجريدي. في اعمال اخري ينوب الشكل الانساني، المحدد بخطوط ومن دون تفاصيل، عن الصور، وهو شكل لا هويه له سوي انه يشير الي جنس القامه الممثله، ذكر اكانت ام انثي، وذلك كله ضمن منحي تاليفي يختلف بين عمل واخر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل