المحتوى الرئيسى

خفايا المناورات العسكرية في البحر المتوسط بين الصين وروسيا - ساسة بوست

05/05 16:59

منذ 6 ساعات، 5 مايو,2015

في ابريل عام 2012م، اجرت كل من روسيا والصين اولي مناوراتهما البحريه العسكريه في عرض المحيط الهادئ، تحديدًا في البحر الأصفر قباله السواحل الصينيه الشرقيه، بينما اليوم اخذت تتوسع التدريبات لتصل الي البحر المتوسط للمره الاولي، تحت اسم “بحر التعاون”.

وتعد هذه التدريبات فريده من نوعها، كونها تجري لاول مره في البحر المتوسط، ومتزامنه مع الصراعات الجاريه في المنطقه، واظهار مدي جديه والتزام الصين في الصعود بالمنطقه كقوه عظمي ومنافسه لدول اخري، ومطالبها بحقوق في السياده علي مناطق بحريه.

فما هي طبيعه المناورات؟، ولماذا تجري في الوقت الحالي؟، وما السر في استعراضها داخل البحر المتوسط؟، وما العلاقات المتبادله والمشتركه بين الدولتين؟

اولًا: ما هي مناورات الصين وروسيا في البحر المتوسط؟

الرئيس الصيني” شي جينبينغ” في استقبال نظيره الروسي فلاديمير بوتين

قبل ايام، اعلنت العاصمه الصينيه بكين عن نيتها ونظيرتها موسكو اجراء اول مناورات عسكرية من نوعها في منتصف مايو المقبل في البحر المتوسط، تشمل 9 سفن من الدولتين ستشارك في هذه المناورات، فضلًا عن سفن صينيه تجري دوريات لمكافحه القرصنة قبالة سواحل الصومال.

تري الدولتان ان المناورات بهدف تعميق التعاون الودي والعملي بينهما، وزياده قدره القوات البحرية علي التعامل المشترك مع التهديدات للامن البحري، حيث انها ستركز علي امن الملاحه ومهام المرافقه، وتدريبات بالذخيره الحيه.

ومذ فرضت القوي الغربيه عقوبات اقتصاديه علي روسيا، العام الماضي، بسبب الازمه الاوكرانيه كثفت موسكو جهودها لتعزيز العلاقات مع دول اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبيه، وتحسين علاقاتها ايضًا مع الجمهوريات السوفيتيه السابقه.

وبالتالي، تقف الدولتان الي جانب بعضهما البعض في مجمل القضايا الدوليه، حتي ان الصين رفضت المشاركه في نظام العقوبات التي فرضها الغرب علي روسيا عقب الازمه الاوكرانيه مؤخرًا.

ثانيًا: ما السر في توقيت المناورات الان؟

الرئيس الامريكي باراك اوباما ولقائه بنظيره الروسي

في البدايه تنفي الدولتان ربط هذه المناورات بالوضع المتوتر في بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط، لا سيما ليبيا وسوريا، وانما جاءت لمواجهه المخاطر التي تهدد الامن البحري.

لذلك، فان روسيا موجوده في البحر المتوسط منذ مده طويله وكثفت من تواجدها خلال السنوات الاخيره، فلم يعرف عن الصين اي اهتمام عسكري بالمتوسط، وبالتالي ياتي هذا الحضور في اطار استراتيجيه جديده تغطي المتوسط من مضيق جبل طارق الي قناه السويس.

بالنسبه لدلاله توقيت هذه المناورات، فانها كما يراها المراقبون تاتي ردًّا علي الاستفزازات التي تقوم بها الولايات المتحده الامريكيه وحلفاؤها الاوروبيون من عقوبات وتضييق في السياسات ضد روسيا علي خلفيه الاختلاف الشديد في الملف الاوكراني.

اضافه الي تعزيز واشنطن تعاونها العسكري مع حلفائها في اسيا، لمواجهه ما تعتبره مساع صينيه للمطالبه بحقها في السياده علي مناطق بحريه، خاصه بعد زياره رئيس الوزراء الياباني “شينزو ابي” في الاونه الاخيره الي واشنطن، وبحثهما افاق التعاون بينهما.

بينما يذهب اخرون بالقول الي ان المناورات تحمل في طياتها اهدافًا عسكريه وامنيه للصين علي المحيط الهادئ تحديدًا، وليس التنافس مع الولايات المتحده او الدول الاوروبيه علي اراضيهم الخاصه.

لذلك، فان الصين تكتسب قيمه رمزيه من تقديم نفسها كقوه عالميه علي نحو متزايد؛ فالاعلان عن قيام مناورات بحريه في البحر الابيض المتوسط، حتي لو كانت علي نطاق ضيق، هي من الاشياء التي تقوم بها القوي العظمي.

اضافه الي زياده التهديد الامني من الصين لجيرانها الاسيويين، وشكوك اليابان حول ما اذا كانت الولايات المتحده ستحارب من اجل للدفاع عن اليابان في وقت الازمه، وزياره الرئيس الياباني “ابي” مؤخرًا هي جزء من محاوله اداره الرئيس باراك اوباما لطمانه اليابان.

وتعتبر هذه المناورات مفاجاه حقيقيه للدول الغربيه وعلي راسها دول مثل ايطاليا وفرنسا واسبانيا، لانها دائمًا اعتبرت المتوسط بحرًا غربيًّا تحكمت فيه برفقه الولايات المتحده، والان تشهد تغييرًا جذريًّا.

وتزامنت انباء المناورات مع تسريب اخبار مفادها ان الجيش الروسي سيضم في المستقبل اسطولًا من طائرات النقل الثقيله، يمكنها نقل وحده استراتيجيه تتكون من 400 دبابه Armata وذخيرتها الكامله، الي اي مكان في العالم.

ثالثًا: لماذا اختارت الدولتان البحر المتوسط؟

اكثر الاسئله التي ثارت خلال الاعلان عن المناورات هي ما السر في اختيار البحر الابيض كنقطه انطلاق لها؟، حيث انه يعتبر القفزه الثانيه لسلاح البحرية الصينيه، فيما كانت الاولي خلال العقد الماضي عندما رفعت من تواجدها العسكري في المحيط الهندي بشكل ملفت للغايه تحت مبرر حمايه الخطوط التجاريه الدوليه.

حتي ان الصين تعد نفسها دوله تجاريه رئيسيه، ولهذا تريد وجودًا بحريًّا قويًّا لحمايه مصالحها، الي جانب استثمارها في موانئ تجاريه في باكستان وسيريلانكا وميانمار، وتحويلها الي مرافئ عسكريه في وقت الازمات وتعزيز خططها للسيطره علي المحيط الهندي.

واستراتيجيًّا يعتبر المتوسط امتدادًا للمحيط الهندي علي مستوي مضيق المندب وقناه السويس، وهذا ما يجعل البحريه الصينيه تتواجد الان في المتوسط، وهو تواجد لاول مره وترافقه بمناورات عسكريه مع روسيا، الامر الذي يحمل مؤشرات قويه علي اهتمام صيني بالمتوسط.

ونجهل الدول التي قد تقدم خدمات وتسهيلات عسكريه للبحريه الصينيه، ولكن تبقي الجزائر المرشحه الاولي بحكم العلاقات القويه بين البلدين، وبحكم رهان الجزائر علي عدم انفراد الغرب وحده بالسيطره علي المتوسط.

كما يرجع اختيار الصين للبحر الابيض المتوسط بالتحديد الي اسباب محليه، اذ ارسلت في السنوات الاخيره الصين سفنها، مرتين، لانقاذ واجلاء اعداد كبيره من العمّال الصينيين الذين سقطوا في الخطر نتيجه لعدم الاستقرار في المنطقه، كانت المره الاولي في ليبيا، حيث كان هناك 35800 الف عامل صيني يجب اجلاؤهم بعد انتفاضه عام 2011 وحمله القصف اللاحقه لاسقاط معمر القذافي.

بينما المره الثانيه كانت في اواخر مارس واوائل ابريل، عندما ساعدت السفن الصينيه اخراج عده مئات من العمّال الصينيين من اليمن بسبب تدهور الوضع هناك وتصاعد الغارات الجويه السعوديه.

جمله الاحداث هذه فرضت دورًا مطورًا للصين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وحتي الان، لم يُظهر صنّاع السياسه في الصين اي اهتمام باخذ الدور التقليدي للولايات المتحده في الحفاظ علي الهيمنه في الشرق الاوسط لخلق الاستقرار وتسهيل تدفق النفط.

لكن الصين ادرجت الشرق الاوسط ضمن استراتيجيتها لبناء مشاريع البنيه التحتيه في البلدان الاقل نموًا وانشاء مستوطنات كبيره من العمّال الصينيين هناك، فمثلًا في منطقه جنوب الصحراء الكبري، فان الهدف من هذه الاستراتيجيه هو بناء علاقات حكوميه والحفاظ علي استقرار تدفق المواد الخام التي تحتاجها الصين، وتساعدها علي النفوذ السياسي الصيني.

ومع مرور الوقت، سيؤدي تواجد الصين المتزايد في المنطقه الي تحول اهتمام الصين في البحر الابيض المتوسط، كما ستدعم الاستثمارات التجاريه الكبيره المصلحه الوطنيه في الاستقرار، فعدم الاستقرار هو السبب في قيام الصين باجلاء العمال.

ومن ضمن الاسباب ايضًا في التواجد البحري للصين الان في البحر الابيض المتوسط، وايضًا علي المدي الطويل، امكانيه استغلال الوجود البحري الصيني للمساعده في خلق الاستقرار، وليس فقط لانقاذ العمّال الصينيين في مناطق العالم عندما ياتي عدم الاستقرار.

ووفقًا لوكاله انباء” بلومبيرج” الاقتصاديه الامريكيه، فان الصين في المراحل المبكره من مهمه التسلل الي الشرق الاوسط، وانّ مناوراتها البحريه المتوسطيه هي مؤشر رئيسي لكيفيه حدوث هذا التسلل.

لذلك، بمجرد ان تصبح اي دوله قوه عظمي، وتتباهي بوجودها البحري في المنطقه، يتطلب المنطق الاستراتيجي ان تكون هذه القوه قادره علي تحقيق الاهداف الاستراتيجيه، حيث يقوم الاسطول البحري الصيني بعمليه انقاذ في البحر الابيض المتوسط.

لكن، المحصله النهائيه لهذه الاستراتيجيه سوف تحتاج الي ما هو اكثر من ذلك، والا سوف يصبح ذلك رمزًا للضعف الصيني، بدلًا من اعتباره قوه صينيه متزايده.

رابعًا: كيف تبدو العلاقات بين البلدين؟

روسيا والصين خلال توقيعهما اتفاقيات تعاون مشتركه

شهدت العلاقات بين موسكو وبكين تقلبات دوريه منذ انتهاء الحرب العالميه الثانيه، فما ان بدا الامر وكانه فتره تقارب بين الطرفين، حتي طرا تغيير مفاجئ ادي الي تدهور ما تمّ بناؤه لاسباب كثيره، احدها عدم توازي التعاون علي الصعيد الاقتصادي مع المجالات السياسيه والعسكريه.

لكن، ينظر الي العلاقه بين الدولتين علي انها واحده من كبري المحددات للاستقرار في اوراسيا واسيا والمحيط الهادئ، باعتبارها تساهم في تشكيل النظام العالمي الاوسع، وبالتالي هي مهمه لامن دول المنطقه، بضمنها الولايات المتحده.

ويشار الي ان العلاقات الدبلوماسيه بين الصين والاتحاد السوفيتي قد بدات في الـثاني من تشرين الاول/ اكتوبر عام 1949م، بينما في اغسطس 1991، تفكك الاتحاد السوفيتي، لكن بعدها بعام شهدت العلاقات تحسنًا.

واتخذت العلاقات الروسيه الصينيه عده ابعاد اولها موقف البلدين من السياسه الامريكيه ورفضهما لهيمنه قوه واحده علي النظام العالمي، ومعارضه مشروع الدرع المضاده للصواريخ الذي تقيمه امريكا بدعوي حمايه اراضيها من هجمات محتمله قد تشنّها ما تطلق عليه “الدول المارقه” مثل ايران وكوريا الشماليه.

وشكل عام 2001م نقطه انطلاق في العلاقات الاستراتيجيه بين الصين وروسيا، وقع خلالها القاده الصينيون والروس اكثر من 50 اتفاقيه ثنائيه اضافيه، في حين سجل عام 2009م اعلي مستويات في العلاقه بينهما في مجال الطاقه، وتوسيع التجاره ومبيعات الاسلحه الروسيه الي الصين، والتعاون الدبلوماسي حول الشرق الاوسط وغيرها من القضايا.

تهدف كل من الصين وروسيا في علاقاتهما الحد من الهيمنه الامريكيه من خلال دور اقوي لمجلس الامن الدولي، الذي تملك موسكو وبكين فيه حق النقض، في التعامل مع القضايا الامنيه الملحه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل