المحتوى الرئيسى

حسام الخولي يكتب: حديقة الأنماط.. البحث عن الـ “هنشمان”

05/04 10:57

تخدمنا السينما, والدراما عموما علي الكثير من المستويات، وتوفر اشباعا لمن يمتلك القدره علي استيعاب ما هو اعمق من ظاهر مجرد التسليه وتمضيه وقتل الوقت.. ليس معني هذا ان التسليه شيء مرفوض, في الواقع فان النظره النخبويه المتعاليه تجاه ما هو ممتع للسواد الاعظم من المتلقين قد تسببت في العديد من المشاكل علي مر تاريخ هذا الفن بالذات، لكن لهذا حديث اخر.

تقوم الدراما بمخاطبه وتحاول اضاءه العديد من المناطق الداكنه فينا.. مناطق معرفيه, ونفسيه واجتماعيه وسياسيه وغيرها كثير.. هنا سنحاول تسليط الضوء علي احدي هذه الاضاءات المهمه التي تمارسها الدراما، والتي تمثل نقطه خلافيه لا باس بها ايضا علي مر الزمن بين النقاد، وهي كيف تقوم الدراما بقولبه شخصيات بعينها لاستخدامها في الاحداث والصراعات المختلفه .. الشخصيات هنا هي الشخصيات او الانماط الجاهزه.. ما يطلق عليها Stock Characters او الـ Archetype اذا استخدمنا المصطلح الاكثر شيوعا في علم النفس.. لا تحتاج تلك لمجهود كبير من صانع الدراما في رسم ابعادها وتفاصيلها، فكما قلنا هي شخصيه جاهزه.. اي انه اتفق علي خصائص وصفات معينه لا تخرج عنا الا قليلا، وتضيف الدراما الي ذلك الوظيفه والشكل والمسار الذي تتخذه تلك الشخصيه في الاحداث بناء علي طبيعتها تلك المتفق عليها بشكل غير رسمي.

يعيب النقاد علي هذا النوع من الشخصيات الصفه الرئيسيه المميزه لها، الا وهي القولبه والتي في رايهم تضعف العمل وتنزع منه احدي اهم عناصر الفن، وهي كيفيه التعاطي مع الحاله الانسانيه عموما التي تتسم بتنوع وفرديه اكثر بكثير من الصوره التي يتم تقديمها، لكن من وجهه نظر اخري فان حياتنا مليئه بالانماط المماثله بالذات في التفاعلات الاقل عمقا بين البشر في حياتهم اليوميه، وتسهم السينما في تجسيد تلك الانماط التي تثري العمل الدرامي اذا تم استخدامها بذكاء، والتي ايضا تمنحنا فرصه اكبر للسخريه (وهي متعه خاصه في حد ذاتها) اذا لم يتم ذلك.

ذلك الرجل المسكين.. البائس, الذي يتعرض للضرب والاهانه والاذلال من الجميع.. من الاشرار الذين يعمل طائعا تحت امرتهم، والاخيار الابطال الذين يحاربهم لمصلحه النوع الاول, من المشاهدين, وهو لا يدرك كم هو مهم.. التابع او الـ Henchman الذي يقوم بالادوار المساعده للشخصيات الشريره في الاعمال الدراميه.. هل هو في الحقيقه كليشيه خيالي ساذج ام انه موجود في واقعنا بشكل اكبر مما نظن، وهم ربما اكثر واقعيه بكثير من مساعد البطل او Side Kick .. ربما من حيث ان عالمنا يفتقر بشكل حاد للابطال، بينما يعاني من وفره غزيره في الاشرار والمجرمين.

فكروا بهذه الطريقه.. الشر موجود لا جدال, حتي وان لم يكن شر العالم المجنون منكوش الشعر الذي يخلق مسوخا واسلحه عجيبه في معمله باحدي قلاع العصور الوسطي، او ذلك الرجل فاحش الثراء الذي يستخدم ثروته وطموحه في التخطيط لمحاولات السيطره علي العالم برمته علي طريقه افلام “بوند”، ولكل من هؤلاء تابعيه ومساعديه الذين ساهمت السينما في تخليدهم ليحظوا بشهره تكاد تناطح شهره ابطال تلك الاعمال، فهناك “ايجور” الاحدب الذي صار رمزا مستقلا من رموز افلام الرعب القوطي والخيال العلمي، وهناك ذلك الرجل العملاق ذو الاسنان المعدنيه وزميله الاسيوي السمين الذي كان يستخدم قبعته حاده الحواف في قطع رؤوس اعداء سيده، وحتي ذلك القزم اللطيف في

The man with the golden gun و” Mini Me” في الفيلم الهزلي Austin powers ويدخل في هذه الزمره ايضا كل الرجال اصحاب اليونيفورم الموحد الذي لا توجد لهم اي وظيفه سوي ان يقتلهم البطل كالذباب وان يحاولون هم قتله بشتي الطرق، فيفشلون فشلا ذريعا ليقوم سيدهم الشرير بعد ذلك بقتلهم عقابا علي هذا الفشل.

الشر في واقعنا اكثر خطرا واثقل ظلا واكثر اثاره للاشمئزاز من تلك الشخصيات المسليه علي الشاشه.. من لوردات ومجرمي الحرب وتجار المخدرات والسلاح وحتي رجال المال والاعمال المحتكرين، والسياسيين الفاسدين والمديرين القساه منخفضي الذكاء وغيرهم.. لكل من هؤلاء “هنشماناته”، وكلنا يعرف في حياته الشخصيه واحدا او اثنين من هؤلاء، ويعرف في واقعه وعالمه كثيرا غيرهم, ربما لا يرتدون زيا موحدا, ولا يتعرضون للضرب والاهانه طوال الوقت من سادتهم او القتل اذا كان مزاج هؤلاء الساده متعكرا بشكل استثنائي، لكنهم يؤدون كثيرا من الوظائف المشابهه لاقرانهم علي الشاشه، فتوكل اليهم كل الاعمال القذره التي قد تلطخ سمعه الساده وصورتهم اللامعه اذا تورطوا فيها مباشره, وبما انهم شخصيات تتسم بالوضاعه بشكل اصيل، فانه من السهل السيطره عليهم ومن السهل التخلص من احدهم ككبش فداء اذا لزم الامر وتازم الموقف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل