الانقلاب السعودى «سيناريو الداخل» | المصري اليوم

الملك سلمان ورث تركه خارجيه مثقله: غياب عن الاقليم.. تسكين للنزاعات اياً كانت قابليتها للانفجار.. تمدد لحصار يكاد يخنق المملكه.. وتورط يقترب من الغرق بالمستنقع السوري.. تناولت سيناريو الانقلاب السعودي في الاقليم بمقالاتي السابقه، خاصه «الانقلاب السعودي.. وخطايا الامير بندر» بتاريخ الاثنين 6 ابريل الماضي.. سلمان يقود في نفس الوقت انقلاباً ناعماً بالداخل، ضد وجه آخر من خطايا بندر، فجر فيه صراعات البطون والقبائل بين الاخوه، علي نحو كاد يعصف بوحده قياده مملكه تنفرد دولياً بحملها اسم والدهم المؤسس.

الملك عبدالله استحدث «هيئة البيعة» 2006 لتُعني باختيار الملك وولي العهد ظاهرياً، وتمكين نجله «متعب» من المُلك فعلياً، وذلك بدلاً من نظام التراتبيه في السن، وسعي لابعاد المنتمين لجناح السديريين (سلمان، فهد، نايف، سلطان، تركي.. ابناء حصه السديري) من المواقع الاساسيه للسلطه، وتجميعها لدي ابنائه- عبدالعزيز نائباً لوزير الخارجيه، تركي اميراً للرياض، «متعب» وزيراً للحرس الوطني، مشعل حاكماً لمكه.. الملك الراحل عين الامير مقرن نائباً ثانياً لرئيس الوزراء فبراير 2013، وهو منصب ينفرد بتعيين شاغله، ليعده لمهمه اداره الدوله، فكل من شغله اصبح ولياً للعهد (فهد- عبدالله- سلطان- نايف)، ورغم كفاءه مقرن، فقد واجه تعيينه رفضاً واسعاً استند لتبويبات مقيته لبطون العائله واصولها.. سيطره السديريين علي وزاره الدفاع منذ ان تولاها سلطان 1962 كانت تقلق الملك.. فاعفي خالد بن سلطان خريج سان هيرست، وقائد حرب تحرير الكويت، والحمله ضد الحوثيين، من منصبه كنائب للوزير ابريل 2013، وغيَّر قاده القوات والاسلحه ورؤساء الاركان ليصبح سلمان وزيراً صورياً.. مع تدهور حالته الصحيه، عيَّن مقرن ولياً لولي العهد مارس 2014، متجاوزاً الامير احمد «وزير الداخلية السابق» اخو مقرن غير الشقيق، وحرص علي مشاركه ولي العهد «سلمان» في توقيع الامر الملكي «ا/86» بمبايعه مقرن ولياً للعهد حال خلو المنصب، وعدم جواز تعديله او تبديله لاي سبب، او تاويل!! رهان الراحل انصب علي انه حال غياب سلمان يعين «متعب» ولياً لولي العهد، اما في حاله غيابه فان التنسيق بين مقرن ومتعب والامير بندر وخالد التويجري، مهندس المناصب بالديوان الملكي، كفيل بتصعيد نجله للمنصب.

فور وفاه الملك عكست الفضائيات حاله الصراع داخل القصر، شبكه MBC الخاصه قطعت برامجها لتبث ايات الذكر الحكيم، بينما ابقي التليفزيون الوطني برامجه المعتاده حتي ينتهي سلمان من اعاده ترتيب الاوضاع.. تم اعفاء التويجري، وبعده مباشره تجريد بندر من اخر مناصبه، بعد حل مجلس الامن القومي الذي يتراسه، وتم تكريس السلطه في ايدي السديريين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، والابقاء «مؤقتاً» علي مقرن ولياً للعهد، ومتعب وزيراً للحرس، بعد تعيينه عضواً بالمجلس السياسي والامني تحت رئاسه بن نايف، لكنه امتنع عن حضور جلساته.. سلمان اجري تعديلات دفعت بضباط جيش موالين لقياده تشكيلات الحرس الذي يدين بالولاء لعبدالله منذ تولي رئاسته 1962، وتسليم قيادته لمتعب 2010، وكلفهم بالتوجه لمشاركه حرس الحدود في تامين الحدود الجنوبيه الطويله، كمقدمه للدمج بالقوات المسلحه تحت قياده بن سلمان، ما يقضي تماماً علي تطلعات متعب.. في المرحله الاخيره من اعاده ترتيب السلطه نجح سلمان في اقناع متعب والفيصل بالتقدم بطلبات الاعفاء من مناصبهم، استناداً لمواءمات سياسيه.. الامير منصور بن مقرن عين مستشاراً للملك بمرتبه وزير، وسعود الفيصل ظل مشرفاً علي الشؤون الخارجيه، وبذلك همَّش «هيئه البيعه»، ووضعها امام امر واقع، لا تملك سوي اقراره.

المشكله ان تركيز السلطه في يد الثنائي بن نايف وبن سلمان يرهن مستقبل الاوضاع بالمملكه وتوجهاتها السياسيه علي قدرتهما في العمل معاً، وهو امر قد تحفه الشكوك نظراً لبعض الحساسيات التي تنبع من طبيعه الشخصيتين: الاول يتسم بالنضج «56 عاماً»، وتعليمه وثقافته الغربيه، وخبرته كرجل دوله، ومهاراته في المجالين الدبلوماسي والامني، حيث تولي القضاء علي نشاط «القاعده»، والتنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحده. اما الثاني، فهو شاب يكمل الثلاثين من عمره في 31 اغسطس المقبل!! لكنه يتولي وزاره الدفاع التي تاتي ميزانيتها في المرتبه الثالثه علي مستوي العالم بعد امريكا والصين (80.8 مليار دولار 2014)، ويشغل في نفس الوقت منصب المستشار الخاص للملك، ورئيس المجلس الاقتصادي المسؤول عن تنسيق السياسات الاقتصاديه للمملكه!! حاصل علي بكالوريوس القانون، لم يتلق اي دراسات عسكريه!! عمل منذ تخرجه 2007 مستشاراً متفرغاً بمجلس الوزراء!! تتركز خبرته في عدد من المبادرات والنشاطات الخيريه، والعمل كمستشار لوالده «امير منطقه الرياض» 2009، وكمشرف عام علي مكتبه بوزاره الدفاع لمده 18 شهراً من 13 يوليو 2013.. حدود خبرته ومواصفاته العمريه، وما يتمتع به من مناصب وصلاحيات واسعه خلقت مزيجاً من الطموح، والثقه، وربما الاندفاع، حتي ان بعض المصادر كشفت عن تلميح بن نايف للامريكيين لاقناعه باستبعاد اي تفكير في تطوير «عاصفه الحزم» الي تدخل بري منفرد، تجنباً لعواقبها الوخيمه. المخاوف من صراع مستقبلي بين قطبي النظام «السديري» عجَّل بتثبيت سلمان للاوضاع نهائياً، ما يوقف التنافس، ويحفز التعاون.

وسط الانشغال بترتيب اوضاع الحكم في المملكه، تم توظيف الحرب ضد الحوثيين علي نحو جيد.. عبدالملك الحوثي وحسن نصرالله كشفا عن ان الملك عبدالله كان علي وشك الاتفاق مع الحوثيين علي ضمانات بعدم المساس بالمملكه وامنها ومصالحها، ما يعني التسليم بواقع الحصار الايراني للمملكه.. سلمان اتخذ قرار الحرب وهو قرار كان حتمياً، وتاريخياً، لكنه اسند قيادتها لنجله.. تحالُفنا مع المملكه في التصدي للتمدد الحوثي يعفينا من «صمت المجامله» بكل ما يترتب عليه من سلبيات، ويمنحنا «حق المكاشفه».. «الاداره السياسيه والاعلاميه للحرب ليست علي المستوي المطلوب».. الاعلان عن انتهاء «عاصفه الحزم» وبدء «اعاده الامل» فرض اسئله خطيره، وفجَّر احاديث مسكوتاً عنها.. «عاصفه الحزم» استهدفت استعاده الشرعيه، وتجريد الحوثيين من اسلحتهم، ووقف تمددهم، فهل استُعِيدَت صنعاء او عدن لتامين عوده هادي وحكومته؟! هل استُرِدَّتْ الاسلحه الثقيله والاستراتيجيه التي استولوا عليها من معسكرات الجيش ومخازنه؟! هل اُجهض تمددهم، وتراجعوا لصعده؟!.. ايران تدعي ان الحصار يمنع طائراتها وسفنها من توصيل مواد الاغاثه والمساعدات الانسانيه، فهل بدات عمليات الاغاثه العربيه، وهل رتبنا لاعاده بناء ما دمرته الحرب؟! ما الفارق بين غارات «عاصفه الحزم»، ونظيرتها ضمن «اعاده الامل»؟! وهل يمكن تقبل الادعاء بان وقف الاولي تم بطلب من هادي، في الوقت الذي يتم الترتيب فيه لاسناد مهامه لنائبه بحاح؟!.. اسئله تبحث عن اجابات وسط الحرص الرسمي والاعلامي علي الترويج لولي ولي العهد الجديد، باعتباره قائداً لـ«عاصفه الحزم»!!