المحتوى الرئيسى

مسألة الإبادة

05/02 16:41

لم يكن روجيه غارودي اول من شكك في الهولوكوست، اعتمد علي مؤرخين اسرائيليين، لكن محاكمه غارودي استفزت، لامر غير معلوم، مثقفين وكتاباً عرباً استنفروا ليقفوا الي جنب غارودي، وبعدها بوقت دُعي الي مؤتمر عالمي لدحض الهولوكوست ونفيه. الا نجد حجه لنفي الهولوكوست الا ان يدور الامر في مجال البحث التاريخي والا ان يكون دافعه الحقيقه التاريخيه. بدون هذه الحجه تبدو الدعوه لنفي الهولوكوست تاييداً متاخراً له ومشاركه متاخره فيه. لا اظن ان هذا في صالحنا او في صالح من يدعو اليه، يبقي الهولوكوست مهما كان امره وحجمه وصمه وعاراً علي من قاموا به، وليس في صالح احد ان يدافع عنه او يكذبه او يبرئ فاعليه. ان تكون الروايات عنه مبالغه فهذه بطبيعه الحال قضيه المؤرخين، وفي سبيل التاريخ وحده وليس من اجل اي غرض اخر يمكن للمؤرخين، والمؤرخين وحدهم، ان يقيسوا حجمه وان يدققوا في تفاصيله، سوي ذلك لا يمكن لاحد ان يتبني الهولوكوست وان يوقع علي نفسه تهمه ليس له شان فيها، وان ينتحل جريمه لا يزال جبين البشريه يندي منها خجلاً، البحث التاريخي وحده هو الذي يملك الحق في اعاده النظر في الهولوكوست وليس غير الحقيقه التاريخيه غرض يستحق هذا البحث. وبطبيعته فان تبني الهولوكوست بحجه العداء لاسرائيل حمق خالص.

من هذا الباب يمكن ان ننفذ الي السجال الدائر اليوم حول الاباده الارمنيه. مساله كهذه ستترك للمؤرخين ولهؤلاء وحدهم ومن اجل الحقيقه التاريخيه فحسب، الحق في اعاده النظر في المساله. لهؤلاء وحدهم الحق في مراجعه القضيه والتدقيق فيها والعوده الي تفاصيلها. ليس لغير هؤلاء وليس لغايه اخري الحق في مراجعه مساله كهذه. لقد احتفل الارمن بمرور مئه سنه علي اباده مليون ونصف مليون ارمني. هذا ما تكذبه تركيا وترفض تسميته اباده، بل ترفض تسميته مذابح. لم تقع هذه الحوادث في ماض سحيق. لقد وقعت امس ويفصلنا عنها اقل من قرن والمصادر موجوده والوثائق حاضره وليس عمل المؤرخين خبطاً اعمي. امامهم ما يلزم المؤرخ وما ينبغي ان يكون بين يديه ليحقق وليصل الي الصواب.

ترفض الحكومه التركيه الي اليوم الاعتراف بالتهمه وتتنصل منها وتدَّعي انها ملفقه وموضوعه وتحاكم كل من يقربها وتجرِّمه اذا كان تركياً، وعلي راس من ادَّعت عليهم التركي الوحيد الحائز نوبل للاداب، اورخان باموك. ورغم ان الحوادث وقعت زمن حكومه الاتحاد والترقي التي انقلب عليها اتاتورك مؤسس تركيا الحديثه فان الحكومات اللاحقه دافعت عن الاتحاد والترقي واعتبرت التهمه الموجهه لها تهمه ضد تركيا باسرها. وكل تبن لها اعتداء علي تركيا وتقوُّل وكذب.

الارمن بين ظهرانينا منذ ذلك الوقت، ومعظمهم تشردوا وتفرقوا فيه، لقد صاروا جزءاً من الاسره اللبنانيه وهي اسره، كما نعلم، تتناوشها الانقسامات، وتتاسس علي الانقسامات، وهي الان في حال من التشنج والحساسيه المفرطه، بحيث انها تستفز اموراً لا قبل لنا بها وتطلع علينا كل مره بصفحه جديده، يكفي تعيين عميد من طائفه في جامعه لتظهر النعره ولتثار العصبيه ولنفتح صفحه لها لم نعرف لها مثيلاً من قبل، والان لا ميزات لهذه النعرات ولا حدود تقف عندها. لقد وصلت الي مرحله من التشنج والتصلب والضيق والحساسيه بحيث استحال احتفال الارمن بمئه سنه علي الاباده موضوعاً اخر للانقسام بين مسلم ومسيحي.

ثارت النعره فوقف مسلمون الي جانب تركيا الحديثه التي لا يد لها في المساله ولا مدخل ولا مخرج، والتي ورثت المساله من سابقين عليها. لكنها بالنسبه لها مساله قوميه لا ترتبط بعهد او بميثاق. وقف المسلمون جنب سلطه علمانيه اي انها اياً كان من يتبواها ليست دينيه وليست مسلمه بهذا المعني. انه تاريخ. تاريخ مضي. وهو ليس تاريخ المسلمين في البلد لكنه تاريخ الارمن، وهو بالنسبه لهم تراجيديا مفصليه بل تراجيديا مؤسسه وليس لدي اي منهم ذره شك فيه. انه بالنسبه للجميع حقيقه تساوي وجودهم. انه تاريخهم وليس تاريخ المسلمين الذين لا يمكن ان يتماهوا مع سلطه عثمانيه لم تعد موجوده ولا يمكن ان يتبنوا لانفسهم تاريخها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل