المحتوى الرئيسى

معتز حجاج يكتب: حكاية أول غرزة حكومية

05/02 10:45

الاسبوع الماضي، بينما كنت اطالع اخبار الفشل الحكومي المتلاحق، والمُحاط بعدد وافر من تصريحات مسؤولي الدوله المضحكه من فرط سذاجتها، شعرت انني بحاجه لقراءه روايه “عام التنين” مره اخري، فامسكت بها وتصفحتها من جديد.

عرفت هذه الروايه عن طريق صديق ليّ، عرفها بدوره من خلال مقال بلال فضل “الخوف كانه كلب” بجريده الشروق، بادئ الامر لم اتقبل مفتتحها بسهوله، تكنيك الكتابه مختلف عن اي روايه قراتها من قبل، وجرعه الفانتازيا عاليه جدا درجه العبث، لكنه عبث منضبط كما يقول بلال فضل، كل ما سبق جعلني اراجع نفسي اكثر من مره قبل ان اخوض في قراءه الفصل الثاني منها، واجد نفسي متورطا في قراتها حتي النهايه.

سرعان ما تبددت مخاوفي، واستسلمت للشخصيات الغرائبيه التي ابدع الروائي النابه محمد ربيع في حياكتها، بشكل يوهمك بانك قابلت تلك الشخصيات يوما، لابد ان الصدفه جمعتك بـ“نعيم ابو سبعه” بطل الروايه، الذي يحاول خداع جهاز الدوله البيروقراطي بمحاوله استغلال ثغراته، فاستخرج لنفسه شهاده وفاه كي يتقاضي بوليصه التامين، وتهزك بعنف شخصيه “وهيب وهيب” صاحب محل تغليف الكتب، وهو يصنع لولده المتوفي ارشيفا من الشهادات المدرسيه والصحيه المزوره، املا منه في ان يظل علي قيد الحياه ولو علي الورق الرسمي فقط.

كنا صغارا لا يشغل بالنا وقتها الا ان نُنزل من علي ظهورنا حقيبه المدرسه التي ثقُلت علينا طوال اليوم الدراسي، ثم ننهي غدائنا بسرعه حتي نستطيع ان ننطلق الي السويقه، نلعب السبع طوبات، واستغمايه، وعسكر وحراميه، كانت السويقه منفسنا لتفريغ الطاقه التي لم نفلح في اخراجها كامله اثناء فسحه المدرسه.

يقولون ان المحافظ ورئيس الحي سيفتتحها العام القادم، عندما تفتح المحافظه باب التقديم للشباب الراغب في الحصول علي محل بها، حينها سوف يكون امامنا مهمه شاقه للبحث عن مكان اخر يتحمل شقاوتنا، كل عام كنا ننتظر ان تفتتح السويقه، لكن هذا ما لم يحدث قط، كل عام نجدها كما هي لم تتغير، فنعلن انتزاعها من الدوله صباحا، وفي المساء يعلن عدد من شبيبه حينا الهادئ فرض الوصايه عليها وتحويلها الي “مُكنه” لشرب الحشيش حتي شروق فجر يومٍ جديد.

كلما ظننت انني سافتقد الدهشه بعد كل الذي كان في مصرنا الحبيبه فيما تلي الـ 30 من يونيو، اجد ان خفه الدم المصريه وقدرتها علي تحويل الماساه لملهاه لم تنضب بعد، فها هو ذا واحد من صناع القرار الذي يحمل قبل اسمه لقبا رنانا ترتعد له الفرائص، السيد اللواء طيار احمد جنينه رئيس شركه مطار القاهره الدولي، يقول عقب اختراق حمار لثغره امنيه بالمطار، قاصدا بتصريحه لبرنامج “اخر النهار” علي قناه النهار الفضائيه دفع اللوم عن ادارته وطماه المواطنين:

“انه يُحتمل ان هذا “الحمار” حُمل علي سياره عن عمد، حتي يدخل هذا المكان ويُصور بنفس الطريقه التي تم تصويره بها لمسافه طويله حتي يسئ لمظهر مصر الحضاري”.

لكن ليس كل قول يبلغ مقصده، فقد ادان اللواء نفسه من حيث اراد ان يبرئها بتصريحه الهزلي، فواقعه الحمار لم تكن صدفه، بل مُخطط لها، ولم يكن الحمار هو وحده من اخترق الثغره الامنيه، بل كان محمولا علي سياره، وبصحبه شخص ليقوم بتصويره حتي يسئ لمظهر مصر الحضاري، والسؤال الذي لم يطرا علي ذهن اللواء، او اظن انه لم يتوقع من احد السؤال، فهو عسكري اعتاد ان يكون بين امر ومامور، لغه النقاش والسؤال والاخذ والرد لم يجربها بعد، هو اليس اختراق امن المطار بهذه الصوره لصناعه مشهد من اكثر حوادث الاهمال طرافه يبرهن علي ضعف مؤسساتنا وترهلها وانحطاطها وتقصير القائمين عليها؟!

خرجت تصريحات اللواء مثيره للسخريه اكثر منها مُدافعه عن هيئته الرشيده، تصريحه هدم تصوري عن ذكاء الحمار الذي استطاع ان يغافل امن المطار، الحمار كباقي الحمير لا يمتلك قدرات خاصه كما اعتقدت، لكن هناك من هم اقل منهم جميعا ذكاءا، لدرجه الصاق تهمه الفشل الواضح الجلي، بيد خفيه تريد الاساءه لصوره مصر وسمعتها.

في روايه “عام التنين”، ستجد مشاهد فانتازيه غايه في الروعه تجسد فساد الدوله، وتُحلل طريقه الحكم، وتنقد الديكتاتوريه، وتطرق خبايا نفس الحاكم والمحكوم ومثقفي السلاطين وعبد المامور، لكن افضل ما يميز الروايه غير الجمع بين الماضي والحاضر، وتلاشي الخط الفاصل بين الواقع والخيال، والتحليل السياسي والاجتماعي الشيق، في صوره خطابات يرسلها مجهول لحسني مبارك كي يساعده في السيطره علي الشعب، من خلال وسيط غير معروف يدعي “صلاح”، هو هذا الوصف الدقيق للبيروقراطيه المصريه، والتعمق في نفس الموظف المصري، والمواطن الذي ينتظر اقل فرصه لاستغفال الحكومه، قبل ان تشاركه الحمير الهدف نفسه، لا لشيء غير اثبات تفوقه عليها، تقول الروايه علي لسان بطلها في احد الفقرات موضحا ما وصل له حال اداره البلد، وكيف انها كومه من الاوراق والثغرات لا تحتاج حظا وافرا من الذكاء، كالذي وهبه الله لعبده الفقير اللواء احمد جنينه لكي تخترق.

“نظامنا علي درجه من الكمال تسمح باستخراج شهاده وفاه تحمل صوره المتوفي، لكنه من الغباء لدرجه ان صاحب تلك الشهاده يستطيع استخراجها بنفسه”.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل