المحتوى الرئيسى

عزف على ربابة الروح! | المصري اليوم

05/02 00:02

■ مغروس انا علي مدي نصف قرن من الزمان في الخبر والاخبار، اشم دوماً عطر المطابع الهادره تلتهم بين تروسها الحروف وقد اصطفت لتقدم في الصباح رغيف خبز من المعلومات والاحداث، مغروس انا ومزروع في ارض الحدث، اتابع وارصد واحلل، مره بقلم ومره بعدسه، تعلمت ان ادخل الاحداث ولا اخرج دون صيد، دون سبق، واكتشفت في نهاية المطاف ان حياه الصحفي حفنه سباقات وبعض من الانفرادات يسمونها خبطات، وعبر المشوار المطرز بالعرق والتراب تعتل الصحه.. ويحتج القلب ولم لا؟ بيد اني اري ان اعظم مكافاه الهيه هي الا تصدا ذاكرتي، ان ذاكره الانسان هي غرفه ارشيفه التي لاتزال الذكريات فيها خضراء واصعبها الالام الموجعه الصاحيه والدنيا نيام، خلق لنا الله اختراعاً اسمه النسيان اهم ادواته الايام، ولو ظللنا نتذكر - دون سقوط عذاباتنا في بئر النسيان - لكان العذاب مضاعفاً ومرهقاً، التذكر والنسيان معادله في ثنائيات الحياه. مخي - كما ورشه - في حي شعبي، خبط ورزع واصوات عاليه تشق الصمت ونداءات باعه سريحه يستحثون باصواتهم الجريحه السماء علي الرزق.

■ اهرب من عالم مجنون، فيه صندل يسقط بفوسفاته وبيت ايل للسقوط يسقط بسكانه، واحزاب ونخب تسقط في امتحان الثقه وموظفون في مؤسسه اعلاميه يسقطون في مزاج الحشيش، ومنظمات اهليه تسقط في تمويلات من بلاد بره وشباب مؤمن يسقط في بحر الالحاد، ورجال شرطه يسقطون صرعي في كمائن اخوان، وتحالفات السياسه تسقط في كمين النفسنه، وتعاملات البورصه تسقط في نزيف الخسائر.

■ اهرب من عالم مضطرب، يبدو سلوكه بلا ضابط ولا رادع ولا رقيب ولا ضمير، عالم تحكمه الغرف السريه المسدله الستائر عبر عواصم العالم يخططون للشر بسكين بارد وقرار بارد، ولهم صبيان ينفذون الخطط في كل مكان، عالم يضرب الشرف بالمال ويركل الابواب بالدولار، عالم يصطفي نفوساً بعينها يملاون نقاط ضعفها، عالم غير خاضع لتفسير الفلك والابراج والنجوم، فهم ابراج لها صفات غير ابراج عالمه الفلك «نيفين ابوشامه»، عالم بلا قلب يحتقر الضعف الانساني ويسخر من ادميه السلوك، عالم تربي ورضع وفطم علي العنف بكل صوره واشكاله، عالم ليس له اله ولا كتاب سماوي ولا صلاه ولا شموع، عالم لا يعرف الدموع فقد تجمد قطبها الشمالي، عالم لا يعرف رعشه الاصابع، فقد تعودت الاصابع علي الزناد، عالم - المفترض انه ادمي - لكنه في متحف الانسانيه يشهد علي «فتره» نكوص.

■ اهرب من عالم مضطرب الافكار يثير اسئله جمه: هل غلطنا في البخاري؟ هل قسونا علي الطيب؟ لماذا كانت الثوره الينايريه والعداله الاجتماعيه اسوا مما كانت؟ هل نعيش مسرحيه عبثيه من عشره فصول ولم يسدل الستار بعد؟ هل انقسمنا الي درجه التفتت؟ هل نتغطي بموج البحر حتي الغرق؟ هل نحن امه الكلام وليس غير الكلام؟ هل ايامنا متشابهه الي حد الملل من وجوهنا؟ هل نذكر فرج فوده؟ هل نذكر موتانا من الشرفاء المجهولين؟ الم نمل من اجتماعات ومؤتمرات عديمه الجدوي لانها مكرره؟ الا نمل من تكرار ما نقوله بالامس؟ اليس من باب الكوميديا السوداء ان يشرب الوزير ماءً بالفوسفات ليبرهن انه ماء شرب صالح ادمياً؟ الا يعقل ان نكون بلد الحدود المنضبطه ويفتح حمار ثغره في المطار؟ هل محاكمات «مخالفات القصور الملكيه» ممتده ولها موسم ثالث ورابع، بناءً علي رغبه الجماهير؟ هل رثائيات الابنودي التي ملات الدنيا شجناً وحزناً، ستضيف الي ابنود.. المدقعه الفقر، جديداً؟ من يحكم مصر؟ ناس قصر العيني ام ناس الاتحاديه ام ناس القبه؟ من يعلم حقيقه بورصه الفضائيات، مره فلوس كما الرز ومره اخري شح كما الفيضان في النزع الاخير؟

■ في لحظات كثيره بسبب شوشره البث الخارجي في المخ، اتمني اليوجا رياضه نفسيه، واحياناً كثيره تنتشلني صلواتي بقلب دامع من «حيره ذهنيه موجعه»، احتار في من اصادق او اقترب منه او منها زمان، كان القلب مفتوحاً علي مصراعيه يستقبل بترحاب وبشاشه، لا يصنف الناس، الان، اسال عن اصله وفصله ثم اقرر اقترب ام اغلق ابوابي؟ فر طائر الامان وطار، من فرط تعدد الفصائل والعشائر، صرت اري للبشر «تبعيه» لفصيله او عشيره او جمعيه او تيار او «فنار يُهتدي به» حين يدق الموبايل اعرف من هو من خاصيه «True Caller»، فاذا فشلت، لا ارد واسيبه يرن، صرت حذراً وصرت اختار من اريد الجوار معه في جزيرتي، لا ادري سر الحذر فانا اكتب واذيع واتكلم وابوح ولا اسعي لمنصب او قرب من مراكز قرار، فانا «كلمه» في نهايه الامر، استثمرها حتي النفس الاخير علي ورق او علي شاشه، لكني وانا اعزف علي ربابه الروح اشعر بحزن اني اضحك ضحكاً مذيلاً بالبكاء، احس بوحده حتي بين الف انسان، اشتاق للحوار مع طفل رضيع لم يتلوث بعد! واعجز في العثور عليه، فامضغ عجزي وادفن راسي في الفيس بوك «السلوي والعزاء» هو القادر «!!!» ان يحيي ويميت، ان يزوج ويطلق، ان يشهد علي نكاح من عدمه و.. وامضي الي داخلي في هجره شرعيه لا سماسره فيها ولا غرق علي سواحل اوروبا، افتش في نفسي عن لحظات حلوه احاول استعادتها، لكني احيا وسط قوم يتكلمون لغه لا افهمها وغناء لا اتذوقه، وسط هتاف صامت «يسقط العواجيز» وكانهم يرددون: تسقط الحكمه، تسقط التجربه، تسقط تسقط الخبره.

■ ساعتها، اصادق كتاباً يثير في راسي التفكير ويفتح مسامي المغلقه، ساعتها، اصادق امراه عقلها اكبر من حسنها وتحافظ علي الحدود الامنه بيني وبينها ولا يدفعها للاقتراب مصلحه، وهل هناك سوي الدمي الخشبيه تقترب مني دون مصلحه؟ لهذا اخترت «البيتوتيه» منهجاً في الحياه، فبيتي هو قلعتي بشرط ان اغلق كل بواباته، بوابه الموبايل والاي باد، والتليفون الارضي، حينئذ اسمع همس الريح ونداء النسيم وصوت فيروز الذي يغفر صوراً من القبح تقتحم الاذن والعين.

■ وقعت عيني علي عنوان في الصحف، باسم جديد في دولاب الحكومه، قفز علي شفتي سؤال «لماذا ياتي وزير ويخرج وزير؟» قفز سؤال اخر «لماذا الوزير المقال اكثر جراه بعد المنصب»؟ قفز سؤال ثالث «هل نخضع حياتنا المدنيه لقاعده «قدم التحيه ثم انصراف»؟ واهرب الي الغرفه المسكونه صمتاً ثرثاراً.. غرفه الروح.

■ امعن النظر في البشر، وبمعني ادق اجيد التحديق، لماذا يتغير بعضهم فجاه؟ هل هناك عوامل تساهم في التغيير الكيميائي للمخ، هل كثره الفلوس تعزلك عن الاخرين؟ هل المنصب يجعلك من طبقه اخري غير بقيه الناس؟ هل الصله بالجالسين علي الكراسي تولد في عينه من الناس الغرور والخيلاء؟ وهل العلاقات البشريه هي «خد وهات»؟

■ ازداد التصاقاً بمصريتي وسط قوم يشتمون مصر واخرون يسبون رئيسها وقوم ثالث لا ينحني للقلم، وقوم رابع يتزوجون من اسرائيليات، وقوم خامس يتنازلون عن جوازات سفرهم المصريه بكل الخسه.

■ ازداد قرباً من النيل واقسم الا الوثه ولو بقرطاس لب: ازداد قرباً من كنيستي المصريه الضاربه في عمق التاريخ، ازداد قرباً من ثورتها الحقيقيه الناصعه في تلاتين سته واحميها من سموم اشاعه او سموم توك شو او سموم قول فيه «السم في العسل» او في تصريح ظاهره ناصع البياض وباطنه اسود كما الخروب والليل او حنجره تهذي بالكلام الرخيص مهما غلفوه بسلوفان.

■ اهرع الي ربابه الروح واعزف: هل عيون مصر الصاحيه الجسوره تعرف الخونه والمرتزقه والجواسيس في الثقوب والشقوق وبعضهم يعيش معنا وياكلون من نفس الصحن وبعضهم نجالسه وقد ناتمنه، نفرح لفرحه ونعزيه في عزيز مات، يشرب من نيلنا وتظلله سماؤنا!! لكننا لم نحترف بعد رياضه السباحه في نيات البشر، ولا في امكاننا الكشف عن النيات بالليزر، فالليزر يكشف الاعضاء المختبئه داخل الجسم لكننا نعجز عن الكشف عما «تضمره الصدور» داخل تلافيف الجسد البشري، فنحن صناديق مغلقه، مفاتيحها مع اصحابها فقط وليس لها نسخه اخري.

■ اعزف علي ربابه الروح: من يزرع وسط الجدب والجفاف شجره مورقه الاخضرار تمنحنا ثماراً وظلالاً؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل