المحتوى الرئيسى

محمد عوض يكتب: The Grand Budapest Hotel.. وأيقونة أندرسون المتجددة | ساسة بوست

04/30 05:04

منذ 11 دقيقه، 30 ابريل,2015

“في حين ان الممثل هو العنصر الرئيس في فن المسرح، فان المخرج في فن السينما هو العنصر الرئيس والاهم. والفيلم وان نُسب – تجاريًّا- الي بطله، او الي منتجه، اﻻ انه دائمًا ما ينسب – فنيًّا- الي مخرجه، فيقال (فيلم لـ فلان الفلاني)”.

يعجبني دومًا الاستشهاد بتلك المقوله وان كنتُ ﻻ اعرف علي وجه التحديد من قائلها، ربما كنت انا صاحبها، او ربما قراتها هنا او سمعتها هناك وعمدت الي ترديدها والاستشهاد بها بين الحين والاخر حتي التصقتْ بي والتصقتُ بها. علي ايه حال، طالما تعلق الامر بفن السينما فابحث دومًا عن المخرج.

فيلم The Grand Budapest Hotel او “فندق بودابست الكبير” من انتاج عام 2014، والحائز علي اربعه جوائز “اوسكار” من اصل تسعه ترشيحات، للمخرج المتميز Wes Anderson. قد يبدو الفيلم بتعبير الترجمه السينمائيه “غريب الاطوار”، معقدًا بدرجه ما، عصي علي الفهم احياناً، ولذلك لن تجد – بعد ان تذرع الشبكه العنكبوتيه من اقصاها الي اقصاها- مقالًا نقديًّا بالعربيه يتناول هذا الفيلم ﻻ بالمدح او التقريع. لكن هذا شان افلام “اندرسون” التي وان بدت غير مفهومه في ظاهرها اﻻ انها تحمل من القيمه الفنيه الكثير.

ويسلي ويلز اندرسون. ولد بمدينه هيوستن بولايه تكساس الامريكيه عام 1969. كانت لطفولته التاثير الاكبر علي تكوين شخصيته الفنيه التي اضفت طابعًا خاصًا علي كل افلامه. بدا شغفه بالسينما منذ الطفوله حيث اعتاد اخراج الافلام الصامته التي قام بالاداء فيها اخواه واصدقاؤه، وباستخدام كاميرا ابيه (super 8) تلك الكاميرا التي ذاع صيتها في الستينيات والسبعينيات وقدمتها شركه كودك باعتبارها نقله نوعيه في مجال الافلام المنزليه او افلام الهواه.

وعلي الرغم من هذا الشغف المبكر للاخراج والكتابه، لم يتجه اندرسون الي دراسه السينما، وانما درس الفلسفه بجامعه تكساس. وهناك التقي بصديقه ورفيقه الفني الممثل والكاتب Owen Wilson، الذي شاركه في صناعه عدد من الافلام القصيره التي عُرضت في حينها علي شبكات التلفزيون المحليه كان اخرها فيلم Bottle Rocket عام 1994، والذي ﻻقي استحسانًا علي نطاق واسع وهو ما جلب التمويل اللازم لاندرسون ليتحول فيلمه القصير الي فيلم سينمائي طويل عام 1996، وليبدا به مسيرته الفنيه التي امتدت طوال ما يقرب من العقدين من الزمن، قدم خلالها ثمانيه افلام كانت حصيلته من ورائها سته ترشيحات لجائزه الاوسكار ثلاثه منها لفيلمه الاخير The Grand Budapest Hotel.

يقولون في الامثال الشعبيه “صاحب بالين كداب”، اما في السينما فكثيرًا ما يصدق ذو البالين، وكثير من المخرجين يميلون الي الجمع بين الاخراج والكتابه، فيشاركون في كتابه افلامهم او يكتبونها بمفردهم، وربما لهذا السبب تتشابه افلامهم الي حد كبير، وتصطبغ بصبغتهم الخاصه. هكذا هي افلام اندرسون الذي شارك في كتابتها جميعًا. ولكن ليس لهذا السبب وحده تتميز افلامه عن غيرها حتي لتقترب من كونها ايقونه سينمائيه متفرده، بما يجعل المشاهد لدي تعرضه بشكل عشوائي ﻷي من مشاهد افلامه – او “صوره” علي حد التعبير اللغوي بالانجليزيه- ان يجزم دون سابق معرفه بان هذا الفيلم مطبوع بخاتم اندرسون، وانما لعدد من الاسباب منها:

يستمد اندرسون التيمه الفنيه المميزه له من عده عناصر عمد الي تكرارها في افلامه، اولها واهمها القالب البصري والسردي، حيث يعتمد اندرسون علي اسلوب مميز في السرد والانتقال بين الاحداث سواء علي مستوي التصوير حيث الحركه الذكيه والمعبره للكاميرا، او علي مستوي الكتابه حيث التفاصيل المتداخله واللعب علي اكثر من سياق زمني في شكل قصه داخل قصه. ففي The Grand Budapest Hotel يبدا الفيلم في الزمن الحاضر بقصه الفتاه التي تزور النصب التذكاري لكاتب تحمل مذكراته الخاصه بين يديها، ثم تاخذك الكاميرا الي الكاتب نفسه يجلس الي مكتبه في عام 1985، الذي يواجه الكاميرا ويبدا في قراءه الفصل الاول من مذكراته التي تحكي رحله قام بها الي فندق بودابست الكبير. ثم تنقلك الكاميرا مره اخري الي الفندق في عام 1968، عندما التقي الكاتب بمالك الفندق الذي يروي له كيف اصبح مالكًا لهذا الفندق الكبير، ومن ثم تنتقل بك الكاميرا الي المرحله الاخيره والقصه الرئيسيه في الفيلم والتي تبدا احداثها في عام 1932. وبانتهاء احداث القصه الرئيسيه تعود بك الكاميرا القهقري في الزمن، فتنتقل من الثلاثينيات مرورًا بالستينيات ثم الثمانينيات واخيرًا الي الوقت الحاضر، في رحله بانوراميه اخاذه الجمال.

يرجي الاشاره في هذا الموضع من المقال الي الفيديو الموجود بالرابط ادناه

Let me tell you about my boat

اذا ما تخيلنا ان مباراه ما تجري رحاها بين التقنيات الحديثه (المؤثرات البصريه والسمعيه)، وبين الابداع البشري في فن السينما، فيمكننا القول بمنتهي الاريحيه ان “اندرسون” قد تغلب بهذا الفيلم علي التقنيات الحديثه ودحرها في عقر دارها (علي حد تعبير معلقي كره القدم). فعلي الرغم من انتشار المؤثرات التقنيه باغلب مشاهد الفيلم، اﻻ ان اندرسون برع في تطويعها واللعب عليها – بل والتلاعب بها- لتقديم فيلم سينماتوغرافي (Motion picture) في صوره فيلم رسوم متحركة (Animated picture)، وهو ما ستلاحظه جليًّا في اداء الممثلين وحركتهم، حركه خطيه مستقيمه تبدو مرسومه بالقلم الرصاص اكثر منها طبيعيه، ستري ذلك في مشهد المطارده علي الثلج، ومشهد الهروب من السجن، وغيرها من المشاهد بطول الفيلم. ستلاحظه ايضًا في هيئه الشخصيات وازيائهم ما يجعل بعض الشخصيات مثل “الشقيقات الثلاثه” تبدو وكانها كرتونيه وليست طبيعيه.

والي جانب اداء الممثلين، برع اندرسون في توظيف حركه الكاميرا لتساهم في اضفاء تلك الهاله الكرتونيه، بالاضافه الي دورها في “كوميديا الموقف”، ففي احد المشاهد يذهب “زيرو” لزياره “مستر جوستاف” في السجن، يظهر “زيرو” في الكادر ضئيلًا امام بوابه السجن الهائله، يقرعها عده مرات قبل ان يسمع صوت صرير لبابٍ يُفتح، يتلفت حوله مندهشًا حيث البوابه ﻻ تزال علي حالها، ثم تتحرك الكاميرا بضعه انشات الي اليسار ليظهر في الكادر باب الدخول صغيرًا ملاصقًا للبوابه الهائله.

فكره العائله حاضره في كل افلام اندرسون، وقد يرجع ذلك الي التجربه التي عايشها في طفولته حين انفصل والداه وهو ما يزال بعدُ في الثامنه من عمره، واضطراره الي الانتقال للعيش مع والدته. ولذلك ستجد ان اندرسون يستحضر طفولته في كل افلامه، فستجد مثلًا ان شخصيه الام في فيلم The Royal Tenenbaums كانت عالمه اثار وكذلك كانت والدته، بل انها ادت بعض المشاهد باستخدام العوينات الخاصه بوالده اندرسون. كما ان فيلم Rushmore والذي يحكي قصه طالب بمدرسه ثانويه، قد تم تصويره بمدرسه St. John’s School، وهي المدرسه التي قضي بها اندرسون المرحله الثانويه.

ومن ذلك ايضًا ان اندرسون كرر الاعتماد علي عدد من الممثلين حتي ليكاد يتطابق طاقم العمل بكل اعماله. فمن بين افلام اندرسون الثمانيه شاركه صديقه ورفيقه الفني Owen Wilson في بطوله سته افلام، وشاركه الكتابه في ثلاثه منهم. وكذلك الممثل Jason Schwartzman الذي شاركه العمل في خمسه افلام. اما الرقم القياسي فيعود للمثل Bill Murray صاحب الفيلم الشهير “Groundhog Day” الذي اقتُبست فكرته في فيلم “الف مبروك” لاحمد حلمي، وقد شارك اندرسون في سبعه افلام من اجمالي ثمانيه. وهذا الامر من الغرابه الي الحد الذي يدفعني الي ان اتخرص و”اتفذلك” واقول “ان اندرسون يجد في الاعتماد علي اصدقائه بشكل متكرر نوعًا من الحميميه العائليه التي افتقدها في طفولته”.

عندما كان في الثانيه عشر من عمره جمع “ويز” ابويه ليطلعهم علي رغبته في ترك المنزل والانتقال الي فرنسا، ومن اجل ذلك قام بتحضير عريضه مسببه ليقراها عليهما ويشرح فيها دوافع ومبررات قراره، وجاء في ثناياها ان “النظام التعليمي بفرنسا اقوي من نظيره بالولايات المتحده، ﻻ سيما فيما يخص برنامج العلوم”.

قد تلخص هذه الحادثه فلسفه المخرج “ويز اندرسون” ونظرته الهزليه للحياه. تلك النظره التي ساهمت في تشكل التيمه المميزه لافلامه.

وبالعوده الي فيلمنا The Grand Budapest Hotel فاحداث الفيلم تدور في دوله Zubrowka الخياليه والتي تقع علي جبال الالب بشرق اوروبا في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، وقبيل الحرب العالميه الثانيه. وعلي الرغم من حاله التاهب القصوي التي يعيشها هذا البلد تحسبًا للحرب، ستجد ان ضابط الجيش Henckels منشغل طوال الوقت في مطارده Gustave في مشهد هزلي ممتد طوال الفيلم. وبقليل من البحث بعد مشاهدتك للفيلم ستعرف ان اسم الدوله الخياليه Zubrowka هو في الحقيقه اسم يطلق علي نوع من الفودكا المصنعه في بولندا، والتي تحظي بشهره واسعه في كل اوروبا. وستعرف ايضًا ان الوحمه علي وجه Agatha هي بالفعل علي شكل دوله المكسيك.

علي الرغم من ان “اندرسون” لم يسبق له الفوز بالاوسكار، اﻻ ان فيلمه الاخير The Grand Budapest Hotel قد فاز باربع جوائز من اصل تسعه ترشيحات، وهو اكبر عدد من الترشيحات والجوائز يحصدها فيلم في المسابقه لهذا العام. كما انه هو الوحيد من افلام اندرسون الثمانيه الذي فاز بالجائزه.

وعلي الرغم من ان اندرسون لم يفز باي من الترشيحات الثلاثه التي وصل اليها عن هذا الفيلم، اﻻ انك ستلمس طابعه المميز في الجوائز التي حصدها الفيلم. ومن ذلك مثلًا جائزه “افضل انجاز في الموسيقي التصويريه” فقد يكون من المدهش ان تعرف ان الموسيقي التصويريه للفيلم اعتمدت علي اله نادره تدعي “بالالايكا”، وهي اله شعبيه روسيه الاصل. هذه الاله كانت من اختيار اندرسون نفسه وليس Alexandre Desplat المؤلف الموسيقي. وان اندرسون قد جمع العشرات من عازفي هذه الاله النادره من روسيا وفرنسا لتسجيل الموسيقي التصويريه وحضر بنفسه كل جلسات التسجيل.

وكذلك جائزه “افضل انجاز في المكياج وتصفيف الشعر” فقد اقتنصها الفيلم عن كامل جداره واستحقاق علي العمل المبدع الذي حول الممثله Tilda Swinton ذات الخمسه وخمسين عامًا، الي Madame D، تلك العجوز التي بلغت من العمر ارذله بتجاوزها الثمانين. وقد اعتادت Tilda Swinton ان تقضي الساعات علي كرسي المكياج حتي تخرج شخصيه مدام دي بهذا الشكل. يقول اندرسون: “نحن ﻻ نعمل عاده بميزانيات ضخمه كتلك التي ينفقها Jerry Bruckheimer، ولكن عندما تعلق الامر بمكياج مدام دي قلت: “فلناتِ باغلي المتخصصين من اجل هذه الشخصيه”.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل