المحتوى الرئيسى

فجر القلق السعودي في زمن الحرب

04/30 01:16

ما من شيء عادي في الاوامر الملكيه السعوديه، وهي تصدر والناس نيام في ساعات الفجر الاولي، ثم تنشد المبايعه منهم!

وما من شيء عادي في الاوامر الملكيه، وهي تصدر بهذا الزخم العددي في عهد الملك السابع، مثلما فعل في الساعات الاولي من عهده والملك السادس لم يوارَ في الثري بعد، وكما فعل بعد ايام علي وفاه عبدالله، عندما اعاد هيكله اركان الدوله، وترسيخ هيمنه العائله، او تحديدا «الجناح السديري» فيها.

وما من شيء عادي في ان تقوم مملكه، تتسم داخليا بالصمت والقلق السياسي، بسلسله تغييرات واسعه، تطال في من تطالهم بالابعاد، ولياً للعهد وهو اخ غير شقيق، وهو في زهوه نشاطه وصحته، ثم ترفع ابناً في الثلاثين من عمره، الي منصب ولي ولي العهد، لانه برهن، وفق الامر الملكي، عن اداء واجباته «علي الوجه الامثل»، علي الرغم من انه لم يمض 100 يوم في وزاره الدفاع، او حتي في رئاسه الديوان الملكي لوالده.

وما من شيء عادي في الاوامر الملكيه الـ25، وهي تصدر في لحظه احتدام اقليمي، وانخراط سعودي مباشر في حرب علي اليمن، واندفاعه تسليحيه وسياسيه ضد دمشق، وادوار ملتويه في حمام الدم في العراق.

واذ يتم الارتقاء بالشاب محمد بن سلمان، الذي يسجل له مؤيدوه اعلان الحرب علي اليمن، ويذكّر كثيرون غيرهم بانه ادخلها في نفق مسدود سياسياً وعسكرياً، تصير هذه الاوامر الملكيه محط شكوك، خصوصاً ان الملك سلمان نفسه اصدر منذ ايام امراً ملكياً اخر، ارسل بموجبه الامير متعب بن عبدالله (ابن الملك السادس عبدالله بن عبد العزيز) الي الحدود الجنوبيه مع اليمن، ونيران الحرب المشتعله فيه، باعتباره وزيرا لـ«الحرس الوطني»، وهو علي ما يبدو حتي الان، الناجي الوحيد من سلسله «التصفيات السياسيه» التي جرت في الشهور الماضيه بحق ارث الملك الراحل، وطالت ابناءه ورجالاته في مختلف هياكل الدوله والحكم.

وبهذا المعني، فان الاوامر الملكيه ليست طبيعيه في مضامينها ودلالاتها، داخلياً وخارجياً. واذا كان مفهوما ان يتم اعفاء سعود الفيصل «بناءً علي طلبه»، من منصبه في وزاره الخارجيه، بالنظر الي حالته الصحيه المتدهوره التي يلاحظها الجميع، فان ما يثير استغراب المراقبين اعفاء الامير مقرن «بناءً علي طلبه» وهو كما يبدو بحاله صحيه افضل بالتاكيد من صحه الملك نفسه، ومن غالبيه ابناء الملك المؤسس، ثم «يجامله» الملك سلمان بالاشاره الي «مكانته العزيزه» لدي جلالته!

وتصح التساؤلات هنا ايضا، اذ بينما يبدو اعفاء سعود الفيصل طبيعيا، الا ان هذا المنصب الديبلوماسي الرفيع، خرج من العائله الي عادل الجبير، وهو ديبلوماسي مخضرم في واشنطن، كان مقربا من السفير السابق بندر بن سلطان، «عراب» العلاقات مع الادارات الجمهوريه والديموقراطيه في واشنطن، والمؤامرات الاقليميه.

ولم يتضح السبب الذي منع الملك من تكليف الامير عبد العزيز بن عبدالله بهذا المنصب الحيوي في واشنطن. وقد تردد ان الاميركيين طلبوا من السعوديين تكليف الجبير بهذا المنصب، وهو ظهر مؤخراً في الاعلام الغربي والعربي كناطق باسم الحرب علي اليمن.

اما عبد العزيز بن عبدالله، الذي كان يشهد له بعلاقاته الاقليميه الجيده، وحركته الهادئه، فيبدو انه بحسب مصدر مطلع، راح ضحيه حمله استكمال التصفيه السياسيه بحق ابناء الملك الراحل عبدالله، التي ابقت حتي الان الامير متعب، وسبق ان طالت الاخوين الاخرين تركي (اماره الرياض) ومشعل (اماره مكه).

وبذلك اصبح الامير متعب وحيدا، بل منهمكا بتكليف ملكي، في حرب يقال انه لا يريدها، وهي اشبه بمهمه مستحيله تتمثل بضمان امن الحدود السعوديه مع اليمن، والاصطدام المرجح مع مسلحي «انصار الله» الحوثيين، والتعرض بذلك لمخاطر سقوط عناصر «حرسه الوطني» قتلي او اسري في اي اشتباكات حدوديه قد تشتعل مع المقاتلين الحوثيين المتمرسين علي حروب العصابات والجبال علي الحدود الشاسعه، بما قد يمهد سياسيا واعلاميا للتضحيه بالامير متعب بتهمه الاخفاق في معركه عقيمه ذهب اليها في الاساس محمد بن سلمان، نجل الملك.

وكما تقول مصادر مطلعه، فان الملك الراحل عبدالله، كان يطمح الي تعزيز ارتقاء ابنه متعب للوصول الي سده الحكم، ولهذا ولّاه رئاسه «الحرس الوطني» القوي والمجهز عسكريا، ثم رفع منصبه الي رتبه «وزير» ليدخله الي مجلس الوزراء السعودي. لكن عبدالله لم يجرؤ، علي ما يبدو، علي تخطي الاعتبارات العائليه والصراعات الداخليه، بتسريع الزج بابنه في مراتب السلطه العليا (ولايه العهد مثلا)، وهو ما لم يتورع الملك سلمان الان عن القيام به، وبهذا الشكل السريع بالنسبه الي ابنه محمد (30 سنه).

كان عبدالله اكثر حذرا، فمن اجل ان يمهد الطريق امام متعب، عين الملك الراحل اخاه غير الشقيق مقرن في اذار العام 2014، ولياً لولي العهد، علي امل ان يكون تحالف الرجلين (مقرن ومتعب) عامل قوه لهما يفتح لهما لاحقا ابواب حكم المملكه. وحصل الملك عبدالله وقتها علي تاييد «هيئه البيعه»، ثم ارفق قراره الملكي بالتعيين بعبارات مثل «قرار لا يجوز تعديله او تبديله باي صوره كانت، ومن اي كائن كان»، في محاوله منه علي ما يبدو للتصدي لاي احتمالات مستقبليه لا يريدها ويتحسس مخاطرها في حال وفاته.

لكن مخاوف الملك الراحل تحققت. تجاهل الملك سلمان الان تعبير «اي كان»، وتلاشي بذلك الرهان علي وصول متعب الي الحكم. ولم تكن تلك المخاوف عبثيه، اذ ان عبدالله كان يدرك ما يدور في اوساط العائله بان والده مقرن يمنيه الاصل، وكانت تعرف باسم «بركه اليمانيه» في حين ان العائله الحاكمه تسير علي تقليد متوارث يقضي بان تكون والده الملك من قبيله سعوديه.

ضغائن كثيره تحركت بالتاكيد، وظلت تحت السطح، بين الامراء الذين قد يعتبرون انفسهم اكثر اهليه للحكم من مقرن. فالامير مقرن، هو اصغر ابناء الملك المؤسس، لكنه لا ينتمي الي الاخوه «السديريين»، اي ابناء زوجته حصه بنت احمد السديري، وهم الملك الحالي سلمان والملك الراحل فهد، والامير الراحل سلطان، والامير الراحل نايف، بالاضافه الي الامراء عبد الرحمن وتركي الثاني واحمد.

وقد تردد منذ اللحظه الاولي لوفاه عبدالله، ان الضغوط تمارس علي مقرن للتنحي من تلقاء نفسه، ليفتح سلمان الطريق امام تحالف عائلي «سديري» بديل، يضم ابنه محمد (وزير الدفاع) ووزير الداخليه محمد بن نايف، وهو تحالف مصالح فرض نفسه في الساعات الماضيه.. لكن الي متي؟

واذا كان تعزيز مكانه محمد بن سلمان يعبر عن رغبه ابيه الملك، فان محمد بن نايف يعبّر كما ظهر بوضوح خلال السنوات الماضيه عن رغبه غربيه، اميركيه تحديدا، في ظل ما يوصف بالنجاحات التي حققها في المعركه علي الارهاب. انه علي ما يبدو التقاء التوافقات الداخليه والخارجيه في هذه اللحظه الاقليميه الملتهبه، والمقبله علي تحولات كثيره، سواء في التطبيع الجاري نووياً بين واشنطن وطهران، او حرب اليمن ومحاذيرها، او اشتعال الشمال السوري بغزو «جهادي ـ اقليمي» استبقه محمد بن نايف، بزياره الي تركيا قبل ثلاثه اسابيع فقط.

ومهما يكن، فانّ الانتقال الاول للحكم الي احفاد المؤسس عبد العزيز آل سعود، قد تحقق في فجر سعودي استثنائي. وهذا بيت القصيد ربما بالنسبه الي الملك سلمان. لكن رائحه القلق تفوح من الاوامر الملكيه. ليس حدثا عاديا ان يتوجه السعوديون الي مراسم المبايعه لولي العهد الجديد ونائبه للمره الثانيه خلال اقل من مئه يوم، وفي ظلال حرب سوداء، وافق اقليمي مظلم، وامراء من «الجيل الثاني» اقل وئاما داخليا، يصعدون بالمئات، اكثر تحررا وتطلبا من ابائهم، الي رغبات السلطه والحكم، وشهواته.

محمد بن سلمان: الصعود السريع

الامير مقرن: 97 يوماً فقط

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل