المحتوى الرئيسى

الغجر في السينما العالمية (3): ثلاثة أفلام من البلقان

04/29 19:57

تعددت الرؤي والمداخل السينمائيه لمقاربه الشخصيه الغجريه، سواء بالعبور السريع والخاطيء او بالتعمق العاطفي المتوّرط. هنا نستعرض 4 نماذج سينمائيه تتبعت العديد من التفاصيل والاحوال الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه والثقافيه لشريحه الغجر، التي تعيش علي هامش المكان والبيئه، المتحرره من ضوابط وقيود وقوانين تحكم ركائز المجتمع القاطنه فيه. 

ورغم التباين في اساليب مخرجيها، فانها شكلت صورا بليغه تجسد واقع هذه الشريحه الانسانيه داخل تحولات جذريه، وتكشف عن طموحات وامال وعذابات انسانيه تفيض بحراره التواصل، داخل منظومه من الاحداث والشخصيات في بيئه غجريه اشبه بـ"جيتو"، ونظره الاخر له كمتمرد علي ضوابط المجتمع.

نجحت تلك الافلام الثلاثه في تسليط الضوء علي واقع  متغير، وفي الوقت ذاته، انجزت في توثيق ذكي محاط ببناء درامي بسيط، يغرف من العادات والتقاليد السائده في بيئه الغجر، وصورت تلك الاعمال حياه الغجر علي اطراف من المدن كفئه مهمشه ومنبوذه من مجتمعها الحاضن، لكنهم في فضاءات الطبيعه يمارسون حياتهم باندفاع وتهور، يتحايلون علي صعوبات الشرط الانساني، ليروا شمس يوم جديد تشرق. وكل ذلك ياتي مصحوبا بطبيعه جذابه وموسيقي واغانٍ غجريه عذبه وطازجه.

لا يتخلي صناع تلك الافلام عن تشبيك اعمالهم مع قضايا ساخنه يعيشها العالم من خلال حراك مجموعات الغجر، وما تتمتع به من الوان الدعابه السوداء والمواقف الطريفه، التي تصل الي درجه الجنون، بحيث نجحوا في فضح الكثير من ممارسات الواقع وفساده، والتاشير عليه من خلال تناولهم الرائع لثقافه الغجر.

(I Even Met Happy Gypsies (1967

العنوان الانجليزي للفيلم "قابلت غجرا سعداء"، جاء من عباره ساخره في اغنيه غجريه تقليديه، للتعبير عن بؤس حياه التشرد والاضطهاد التي يعاني منها الغجر، علما بان العنوان الاصلي للفيلم باللغه الصربيه يعني "جامع الريش". الفيلم لكاتبه ومخرجه ومؤلف موسيقاه اليوغسلافي اليكساندر بيتروفيتش، يسلّط الضوء علي حياه سكان قرية غجريه قريبه من العاصمه اليوغوسلافيه بلجراد، تتمحور حياتهم الاقتصاديه علي شراء وبيع ريش الوز. بطل القصه الغجري بورا، تاجر لريش الوز، يقضي معظم وقته في التجول وشرب الخمر ومعاشره النساء، وهو متزوج من امراه تكبره، وتمتثل له بطريقه غريبه.

يقع بورا في حب الشابه الغجريه الجميله "تيسا"، التي يرغمها والدها علي الزواج من شاب لا تحبه، وفقا لتقاليد الغجر. ترفض زوجها بداعي عجزه الجنسي. وتستمر العلاقه بين بورا وتيسا اللذين يضطران الي الفرار من القريه، ويتزوجان علي يد راهب في منطقه جبليه. وعندما تقرر تيسا العوده الي قريتها تواجه المشاكل، فتحاول الوصول الي مدينه بلجراد علي متن شاحنه، ولكنها تتعرض في الطريق للاغتصاب علي يد اثنين من سائقي الشاحنات، قبل ان تعود الي قريتها في حاله بائسه. في غضون ذلك، يدافع بورا عن شرفه بالطريقه التقليديه، ويقتل خصمه طعنا بالسكين، قبل ان يعود هو الاخر الي القريه.

يقدّم المخرج صوره واقعيه لاسلوب حياه الغجر الاخذ بالانقراض، مؤكدا علاقات الحب والعلاقات العرقيه والاجتماعيه، ويستخدم المخرج الالحان الغجريه ومئات الاشخاص من "المجاميع"، لتعزيز اصاله الفيلم الناطق بلهجه رومانيه غجريه، شبه منقرضه، زياده في الواقعيه.

اختار المجلس اليوغوسلافي لاكاديميه الفنون والعلوم السينمائيه في العام 1996 فيلم "قابلت غجرا سعداء"، كثاني افضل فيلم صربي انتج خلال الفتره  بين عامي1947و1995. 

(Queen of the Gypsies (1976

شكّل ذلك الفيلم لمخرجه الشاعر الروسي اميل لوتيانو وقت ظهوره، احتفاء نادراً وغير مسبوق للسينما بشريحه اجتماعيه مهمشه كالغجر، طالما جري تغييبها عن الشاشه، او تناولها بشكل سطحي ومزيف في الافلام القليله القادمه من ارجاء العالم. 

احداث الفيلم تترابط في فهم دقيق وحسّاس لمخرجه، ليس لكونه شاعرا فحسب بل لدقه اختياره لواحده من قصص الاديب الروسي الشهير ماكسيم جوركي، التي ركّزت علي احد طقوس الغجر في الحب والحياه، وتشبثهم بقيم الحريه خلال فتره عصيبه تعود الي نهايات القرن قبل الماضي.

يسرد الفيلم قصه الغجري الشاب ''زوبار'' سارق الجياد من اسطبلات قوات الامبراطور الروسي، الذين يسيئون بشكل دائم الي الغجر الدائمي الترحال والتنقل، وذات مره يجد زوبار نفسه مصابا بعد مطارده رجال السلطه لواحده من تجمعات الغجر، وهناك يتلقي المعالجه والمساعده، ثم يجد نفسه امام الغجريه "رادا" التي تظل عالقه في ذهنه بعد رحيله عن جماعتها، ويتملّكه قرار بالعوده للقاءها.

بيد ان الفرصه لا تلبث ان تاتي، ولكنها محمله بالكثير من المفاجات نظرا لحاله الكبرياء والتحدي التي تتمتع بها شخصيه "رادا"، وهي التي طالما واجهت الكثير من المواقف المتشابهه لدي اصناف من الرجال، ليفجّر الفيلم احداثه بتلك الخاتمه الماساويه، بحسب تقاليد الحب والموت والحياه.

 يكشف الفيلم عن براعه صانعه في تقديم رؤيه جماليه وفكريه تنبض بالشغف في الحياه والابداع، وهي تنقل اجواء القصه الي الشاشه بذكاء، تحتشد بالوان من مفردات اللغه البصريه والاعتناء الدقيق بالاغنيات والاستعراضات المصاحبه لجماعات الغجر داخل بيئه تحتشد بالمناظر الطبيعيه الساحره، التي تنهل من تضاريس السهول والوديان وحركات الجياد، وفي لحظات الصدام والتلاقي والانفصال معاني ودلالات عميقه مسكونه بالتعاطف الانساني تفيض بحراره التواصل، وتفاعل مع احداثه قطاعات واسعه من عشاق الفن السابع في اكثر من ثقافه وحضاره.

بفضل هذا الفيلم حفظ لوتيانو لنفسه مكانه خاصه علي خريطه الفن السابع، حيث استطاع الدخول في عالم شاسع من فلسفه الحياه وتفاصيلها اليوميه لدي جماعات الغجر، التي تعيش علي هامش المكان والزمان.

في "من يغني هناك؟" يستخدم المخرج الصربي سلوبدان سيجان تنويعات موسيقيه يقوم بادائها عازف غجري علي اله الاكورديون، لترقيم فصول فيلمه العبثي جدا في عرضه لنماذج اجتماعيه في رحله حافله ركاب، ما بين محطه ريفيه والعاصمه "بلجراد" عشيه الحرب العالميه الثانيه.

وكان لتوظيف العديد من الشخصيات اثرها في اعطاء لمسات حنونه٬ ودافئه٬ ولقطات تفصيليه من الحياه اليوميه للمجتمع الريفي هناك٬ حيث كانت الكاميرا تقتنص الكثير من اللحظات واللمسات الجماليه في اتون واقع ماساوي ينذر بالخطر. واعطت شخصيه المغني الغجري ومرافقه الصبي الصغير قدره هائله علي اضفاء مسحه انسانيه نبيله في حمي الحرب٬ خاصه تلك الالحان الغجريه الجميله التي تتماس مع الحالات العاطفيه لشخصيات الفيلم.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل