المحتوى الرئيسى

ماريا جويبرت-ماير.. امرأة غير عادية

04/29 14:21

عالمه فيزياء نظريه امريكيه، ومكتشفه "الاعداد السحريه" ونموذج الاغلفه النوويه، وهي ثاني امراه تحصل علي جائزه نوبل في الفيزياء، بعد ماري كوري، وثالث امراه تحصل علي الجائزه في العلوم، بعد ماري وايرين كوري.

ولدت ماريا جيرترود كيت جويبرت، في كاتوفيتز بالمانيا، بولندا حاليا، في 28 يناير 1906م، وقد كانت الطفل الوحيد لوالدين ينحدران من اسره المانيه مشهوره بالعلم.

في العام 1910م، انتقلت الاسره الي جوتنجن بالمانيا، حيث عمل الاب استاذا لطب الاطفال في جامعة جوتنجن، وهناك قضت ماريا حياتها حتي تزوجت.

كان للاب اكبر الاثر علي ماريا، فقد شجعها منذ طفولتها المبكره علي الا تكون مجرد امراه، فالتحقت بمدرسه اوليه عامه، ثم بمدرسه خاصه لثلاث سنوات استعدادا لاختبار الالتحاق بالجامعه التي اجتازته بنجاح، لتلتحق بجامعه جوتنجن في 1924م.

كانت جوتنجن وجامعتها مركزا للعلم في ذلك الوقت، يضم اسماء لعلماء كبار في الرياضيات والفيزياء، مثل ديفيد هيلبرت وماكس بورن وجيمس فرانك، الذين كانوا اصدقاء للاسره.

التحقت ماريا بالجامعه، بهدف الحصول علي درجه في الرياضيات، لكن دعوه ماكس بورن لها لحضور سيمنار الفيزياء اوقعها في غرام ميكانيكا الكم لتحصل علي درجتها الجامعيه في الفيزياء.

درست ماريا تقنيات ميكانيكا الكم، ونظريه الاشعاع، وتطبيقاتها في تفسير الاطياف، وبعد تخرجها سجلت رسالتها للدكتوراه حول نظريه الاشعاع وتطبيقها علي العمليات ثنائيه الفوتون.

طرحت  في رسالتها ان عمليات الانبعاث والامتصاص ثنائي الفوتون تناظر عمليه تاثير رامان، لذلك يمكن دراستها باعتبارها حاله من حالات التشتت، واستخدمت نظريه ديراك في التشتت لحساب احتمالات الانتقال، كما استخدمت طريقه العالمه الروسيه "تاتيانا اهرينفست" في معالجه معادله لاجرانج لتستنتج معادله هاميلتون، لتصل الي ان احتمالات الانتقال لهذه العمليات صغيره جدا، الامر الذي يعني ان عمليات الانبعاث والامتصاص ثنائيه الفوتون، ليس لها تاثير ملموس علي الاطياف.

انجزت ماريا اطروحتها للدكتوراه خلال عامين، ووقفت مدافعه عن اطروحتها امام لجنه ثلاثيه من الفيزيائيين الحاصلين علي جائزه نوبل، ماكس بورن وجيمس فرانك ويوجين فيجنر، وقد شهد لها الثلاثه بالجداره، وهي في الرابعه والعشرين من عمرها، ولا شك انها  لحظه فارقه في حياتها.

في الازمات، لا وظائف للنساء

خلال فتره الدكتوراه، التقت ماريا بالكيميائي الامريكي جوزيف ادوارد ماير، ليتزوجا في عام 1930م، ويسافرا بعد حصولها علي الدكتوراه الي الولايات المتحده الامريكيه، لكنها لم تنجح في الحصول علي وظيفه بسبب الازمه الماليه العالميه التي تعيشها الولايات المتحده، فقبلت العمل التطوعي في قسم الكيمياء في جامعه جونز هوبكنز في بالتيمور، والتي عمل بها زوجها كاستاذ مشارك في الكيمياء.

كان زوجها كيميائيا تجريبيا، لكنه بفضل تاثيرها، بدا في تطبيق قوانين الفيزياء النظرية، خاصه ميكانيكا الكم والميكانيكا الاحصائيه، فس الكيمياء.

اصبحت ماريا مواطنه امريكيه في عام 1933م، وانجبت ولدا وبنتا، وتعاونت مع زوجها ومع كارل هيرزفيلد،عالم الفيزياء الكيميائية النظريه، في دراسه الجزيئات العضويه، وقد ركزت معظم بحوثها خلال فتره عملها التطوعيه، التي وصلت الي 9 سنوات، علي الفيزياء الكيميائيه والكيمياء الفيزيائيه.

اتاح هذا التعاون لماريا التعامل مع بيانات ونتائج تجريبيه ودمجها في اطار نظريه الكم، وتعلمت جيدا كيف تستفيد بخبراتها النظريه في حل مشكلات فيزيائيه وكيميائيه مختلفه، فنشرت بالمشاركه مع زوجها كتاب "الميكانيكا الاحصائيه"، الذي طبعت منه اكثر من 10 طبعات خلال ربع قرن، وصارمرجعا اساسيا في مجاله.

في احدي مقالاتها المهمه والرائده، نجحت ماريا في تفسير طيف البنزين، وتوضيح العلاقه بين التركيب الكيميائي للمواد ولونها، ولا تزال طريقتها تستخدم حتي الان لتفسير اطياف الانظمه الكيميائيه المعقده.

بانتهاء عقد زوجها مع جامعه جونز هوبكنز، انتقل الاثنان الي جامعه كولومبيا، ليعمل زوجها استاذا مشاركا في قسم الكيمياء، وتبقي ماريا بلا وظيفه رسميه، لكنها قامت كمتطوعه بتدريس بعض المقررات في قسم الكيمياء، كما حاضرت في كليه سارا لورانس لثلاث سنوات.

بعد اندلاع الحرب العالميه الثانيه، عملت ماريا في مشروع لفصل نظائر اليورانيوم، ضمن "مشروع مانهاتن" لصناعه القنبله الذريه.

لم تعمل ماريا بطريقه واحده، بل جربت عده طرق، فبدات بما يسمي الفصل الكيميائي الضوئي، الذي ثبت في النهايه عدم جدواه، لكنه صار فيما بعد اساسا من اسس علم الليزر والبصريات المتقدمه، كما جربت طريقه الفصل الكيميائي التي فشلت هي الاخري، وفي الثالثه حللت وفسرت تركيب سادس اكسيد اليورانيوم من نتائج تجريبيه، لتصل بذلك الي طريقه ناجحه وذات جدوي لفصل نظائر اليورانيوم، وهي تعرف الان بطريقه الانتشار الغازي، وتقول ماريا عن هذه الفتره انها بدايتها الحقيقيه كعالم محترف مستقل.

بدات ماريا العمل في الفيزياء النووية دون ان تكون لديها الخبره الكافيه لذلك، لكنها تعلمت من الزملاء والكتب والمناقشات والمشكلات التي واجهتهم. ففي 1945م، اصبحت استاذا مشاركا، متطوعه للمره الثالثه في مسيرتها المهنيه، في الفيزياء في معهد انريكو فيرمي للدراسات النوويه في جامعه شيكاجو في 1945م، ثم بعدها بعام،  تلقت عرضا للعمل كفيزيائيه وباحثه في معهد ارجون الوطني.

كان النموذج السائد عن تركيب نواه الذره هو نموذج "قطره السائل"، الذي قدمه نيلز بوهر، وطبقا لهذا النموذج فانه يستحيل تحديد قيم محدده لطاقات وكميات تحرك النيوكلونات المفرده، اي البروتونات والنيوترونات، بسبب شده القوي النوويه وقصر مداها، واثبت هذا النموذج نجاحا في تفسير ظاهره الانشطار النووي وعدد من التفاعلات النوويه، لكن سقف افكار ماريا كان يتجاوز ذلك النموذج المهيمن.

عندما درست ماريا نسب تواجد النظائر المختلفه للعناصر، في محاوله لتفسير اصل العناصر، لاحظت ماريا ان النظائر التي عدد نيوتروناتها 50 و82،  تتواجد بنسب اكبر من اي نظائر اخري، كما لاحظت ان الانويه التي عدد نيوكلوناتها 2 و8 و20 و50 و82، او عدد نيوتروناتها 126، هي انويه مستقره علي غير المتوقع، وهي ظواهر لا يمكن تفسيرها في ضوء نموذج قطره السائل.

في البدايه شكك البعض في ملاحظاتها، لكن بحوث سابقه وتاليه وتجارب عمليه دعمت ملاحظات ماريا التي اعتقدت ان هذه الاعداد تدل علي شيء ما في بنيه نواه الذره، واطلقت ماريا علي هذه الاعداد "الاعداد السحريه"، ردا علي سخريه احد زملاءها من جدوي فكره ماريا في تجاوز نموذج قطره السائل.

قادتها الدراسه الي اقتراح بنيه دوريه لمكونات النواه، تناظر تلك البنيه الدوريه للاكترونات ، ونشرت ماير مقالا تحت عنوان" في الاغلفه المغلقه في النواه"، في عام 1948م ، لخصت فيه ما توصلت اليه: ان مكونات النواه تشغل مستويات محدده للطاقه، وان النواه تتكون من عده اغلفه، تشابه تلك الاغلفه التي تتوزع عليها الالكترونات، وان توزيع النيوكلونات علي هذه الاغلفه هو ما يجعل النواه مستقره او غير مستقره اي مشعه.

لم تكن فكره الاغلفه جديده تماما، فقد سبق وان طرحت وتم رفضها من قبل ، لكنها لم تكن معلومه لدي ماير، كما لم يكن هناك من نظريه تدعم هذا النموذج، وقد قدمت ماريا اطارا نظريا لتفسير ذلك يعتمد علي التاثير المتبادل بين نوعين من حركه النيوكلونات، الحركه المداريه حول نقطه مركز ثقل النواه، والحركه المغزليه حول محور النيوكلون.

البساطه الواضحه في الطريقه التي استخدمتها ماريا في اثبات تزاوج الحركتين، كانت تعني ان ماريا اقتربت كثيرا من حل اللغز، وبافتراضها اقترانا شديدا بين الحركتين، وجدت ان مستويات الطاقه، تنقسم عند القيم الدقيقه المحدده دون حاجه الي اي فروض تعسفيه.

نشرت ماريا نتائجها في رساله الي مجله "مراجعات فيزيائيه"، وكان عرضها واضحا ويعني انها توصلت الي نموذج جديد للاغلفه النوويه، وفي عام 1950م، نشرت تفصيلا حول النموذج. واصبح النموذج اكثر قبولا عندما تم الاعلان عن ان نموذجا مماثلا قد تم التوصل اليه بصوره متزامنه ومستقله في المانيا علي يدي ثلاثه من الفيزيائيين: جينسن، هاكسل، سيوز.

والتقت ماريا بجينسن ليعملا معا علي استكمال بناء النموذج، ثم اصدرا معا كتاب "النظريه الاساسيه في بنيه الغلاف النووي" في 1955م، وكان الدليل التجريبي علي صحه النموذج المقترح قد تم اكتشافه في 1952م حيث اكدت التجارب وجود تزاوج قوي بين الحركه المداريه والحركه المغزليه في نواه عنصر الليثيوم.

وفي اعتراف متاخر بقيمتها واسهاماتها تم انتخابها عضوا في الاكاديميه الوطنيه للعلوم في 1956م، وحتي ذلك الحين لم تكن تحظي بوظيفه رسميه، وعندما كانت في الثالثه والخمسين من عمرها، اي بعد حوالي 30 عاما من العمل كمتطوعه، قدرتها جامعه شيكاجو بمنحها درجه بروفيسور في الفيزياء النظريه، ووفرت لها وظيفه باجر كامل، لكنها فضلت في العام التالي عرضا مزدوجا لها ولزوجها قدمته لهما جامعه كاليفورنيا، كاستاذين في الفيزياء النظريه والكيمياء الفيزيائيه، فانتقلا الي هناك.

اختيرت ماريا عضوا في اكاديميه هيدلبرج بالمانيا، كما منحت درجه دكتوراه العلوم، وهي اعلي درجه علميه في العالم، من كليه روسيل سيج، وكليه مونت هوليوك، وكليه سميث، قبل ان تحظي بالاعتراف الكامل.

كانت ماريا قد اصيبت بجلطه قبل ان تكمل شهرا في سان دييجو- كاليفورنيا، بعد ذلك اخذت صحتها في التدهور، فكرست ما كان قد تبقي لها من عمروطاقه للتدريس في كاليفورنيا.

وفي 1963م كانت علي موعد مع الاعتراف الكامل، فوقفت الي جوار جينسن علي منصه التكريم الكبري، حيث تقاسما جائزه نوبل في الفيزياء، لابداعهما نموذج الغلاف النووي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل