المحتوى الرئيسى

التطريز الفلاحي .. الفلسطينيات يقاومن الاحتلال بـ«الخيط الأحمر» - ساسة بوست

04/28 21:03

منذ 3 دقائق، 28 ابريل,2015

تجلس السيده امينه – 45 عامًا – امام زقاق بيتها في مخيم النصيرات – وسط قطاع غزة – يداريها عن اعين الماره ستاره زرقاء اللون، تجلس وهي تمسك بابرتها الصغيره وتنسج بخيط احمر قان تزيده شمس غزه الربيعيه بريقًا.

تعمل هذه السيده علي انجاز ثوب مطرز، عليها ان تنتهي منه بعد شهر، حين ياتي موعد مناقشه رساله الماجستير لصاحبه هذا الثوب، الجميع يتخيل شكل الثوب النهائي كلوحة فنية تسر خاطر كل الاذواق بفنها العالي وتناسق الوانها.

امينه التي تعلمت التطريز قبل عشرين عامًا من امها، تعشق هذا الفن الذي يوصف بـ”المتعب” بسبب ارهاقه للنظر واليد، تقول ان اليوم الذي لا تطرز فيه لو “غرزه واحده” تشعر انه غير محسوب من ايامها، وتضيف: “صحيح اني اقتات من هذا العمل، لكن كغيري من النساء حريصه علي اخراج عمل مميز يغرس التطريز الفلسطيني كتراث في كل العالم”.

امينه يزعجها انقطاع التيار الكهربائي ويؤثر علي انجازها لذا هي في الغالب تضطر للعمل علي ضوء الكشاف الشاحن، وهي بذلك تؤكد ان المراه الغزيه قادره علي الابداع في التصميم والتنفيذ خاصه في الملابس ذات الطابع التراثي المحتشم الذي يتناسب مع المجتمعات المحافظه.

يعد  اجمل ما يميز التراث الفلسطيني هو “التطريز الفلاحي”، احد ابرز الفنون الشعبية الفلسطينيه التي تحولت عبر التاريخ الي حرفه وتطورت لتصبح مورد رزق لفئه كبيره من النساء في فلسطين وتصبح ايضًا محل نزاع مع الاحتلال الاسرائيلي الذي لم يعتق هذا التراث من سرقته له.

منع الاحتلال الاسرائيلي دخول المواد الخام التي تستخدم في التطريز، كما منع تسويق المشغولات اليدويه لـ”التطريز الفلاحي”، وبالرغم من ذلك بقي شغل الفلسطينيات الشاغل نسخ خيوطها الحريريه لانتاج مطرزات غايه في الجمال سواء كملابس او كقطع تزين بها منزلها.

لذا لم يقتصر امر التطريز في المجتمع الفلسطيني علي كونه مصدرًا لدخل، فلا يخلو منزل فلسطيني من فتاه او سيده تعلمت التطريز ثم قامت بانجاز متعلقاتها المطرزه بيدها، ايمان منير – 20 عامًا – واحده من تلك الفتيات، الان تعمل هذه الفتاه علي انجاز “محفظه” مطرزه لشقيقتها التي اعجبت بتطريزها السابق، تقول ايمان انها تنتظر اي فرصه فراغ لديها كطالبه “علم اجتماع” في جامعه الاقصي من اجل التطريز، وتضيف الفتاه: “صنعت مراه مطرزه، ثم صنعت صينيه مطرزه، كنت فرحه جدًا بانجازي خاصه ان امي تشجعني وتعطي المال لشراء الخيوط والقماش”.

تخطط ايمان في الاجازه الصيفيه القريبه لانجاز صندوق خشبي مطرز لتقديم الحلوي في المناسبات، وايضا تنوي انجاز حقيبه مطرزه تذهب بها للفصل الجامعي التالي. تقول ايمان: “اشعر انني اقاوم سرقه الاحتلال بهذا التطريز، كما انه شيء مهم في حياتنا كفلسطينيين”.

ظهرت الازياء الشعبيه الفلسطينيه القديمه قبل نحو 280 الف عام قبل الميلاد، وكما يقول مؤلفا كتاب “فلسطين الوان وخطوط” علي حسين خلف وتوفيق عبد العال، ان فن التطريز الفلسطيني الحديث هو تتويج واستمرار لخبره ثلاثه الاف سنه او يزيد، اذ كان الكنعانيون يلبسون الملابس المطرزه للجنسين ولمختلف الاعمار واشتقوا الزخرف من الطبيعه، وهذا ما اظهرته النقوش علي اللوحات العاجيه في “مجدو” وجدران “طيبه” وفسيفساء “حمورابي”.

ومع تغير الظروف والاوضاع تغيرت ظروف التطريز، فقبل نكبه فلسطين كان من مسميات التطريز النجوم، الفنانير، قرص العسل، النخل العالي، عرق الورد. ولكن بعد عام 1948 واكب فن التطريز الحياه العصريه وظهرت مسميات مختلفه عن السابق سيطر عليها العامل النفسي والاجتماعي فطغي عليه حيثيات النكبه والمعاناه اليوميه للاجئين وخاصه في المخيمات التي ابدعت في كافه الفنون التشكيله ورسمت صوره واضحه المعالم للطابع الفلسطيني المتميز في هذا المجال.

يقول عبد الرحمن المزين في كتابه “موسوعه التراث الفلسطيني” ان الزخرفه المعروفه باسم المثلث كانت في فتره الوجود الكنعاني في اريحا وذلك قبل 5500 سنه تقريبا، ولا يزال مثل هذا النوع من التطريز منتشرًا في بعض الاماكن الفلسطينيه باعتباره من ركائز فن التطريز الشعبي، ويستشهد بنوع تراثي اخر وهو “النجمه الثمانيه” التي تعتبر من الاعمال الفنيه القديمه التي يعود تاريخها الي اكثر من 4500 عام قبل الميلاد، ثم اعتبرت من ضمن الاسس الرئيسيه لفن الزخرفة في العهد الاسلامي، بل لا تزال هذه النجمه لها اعتبارها في الفن التطريزي الفلسطيني الحديث.

باستماته، يسعي الاحتلال الاسرائيلي الي الاستيلاء علي التراث الفلسطيني، وتسويقها علي انها ابداع او ابتكار اسرائيلي، الاخبار دائما تتوالي، تاره مضيفات شركه الطيران الاسرائيليه (العال) يرتدين ازياء مطرزه فلسطينيه، وتاره اخري تعرض شركات اجنبيه ملابس واحذيه تحمل تطريزات من التراث الفلسطيني عبر مواقعها الالكترونيه علي انها صناعه لمصممي ازياء “اسرائيليين”، وتاره يعمل من اجل اصدار كتب عن “الفلكلور الاسرائيلي” يذكر  الاثواب الفلسطينيه علي انها “اسرائيليه”، وحدث ان قامت دوله الاحتلال بتسجيل اثواب فلسطينيه باسمها في الموسوعات العالميه، مثل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم (ثوب الملك) الذي سجلته اسرائيل باسمها في المجلد الرابع من (الموسوعه العالميه).

يقول المدير التنفيذي لمؤسسه فلسطين للتراث “جذور” محمد ابو ليلي انهم يعملون علي كشف ورصد المخططات الصهيونيه لطمس الهويه الفلسطينيه وسرقه ثروتها الحضاريه، وتبني المؤسسات الفلسطينيه مشاريع تدريبيه متخصصه للاشغال الفلسطينيه كالتطريز والتحف والزخرفات للمراه الفلسطينيه.

مؤكدا علي ان الثوب المطرّز كان له النصيب الاكبر من سرقات الاحتلال لتراث، اذ يقوم الاحتلال بتسويق الثوب في الدول الاوروبيه والامريكيه علي انه من التراث “اليهودي” وعمره الاف السنوات، وكانت زوجه “موشي ديان” وزير جيش الاحتلال سابقًا قد ارتدت ثوبا فلسطينيا في احدي المناسبات العالميه في ستينات القرن المنصرم، زاعمه انه تراث يهودي.

وضع التطريز الفلسطيني علي عده انواع من الاثواب بسبب تنوع التطريز عليها، ومن هذه الانواع:-

يشتهر الثوب الغزي بتطريز مميز بالوحدات الهندسيه الكبيره، حيث كانت مدينه المجدل مركزا للنسيج، تزود به كافه قري فلسطين حتي سنه 1948. وكان للقماش الغزي المصنوع من القطن والكتان كنار وحاشيه مميزه من الحرير الملون المخطط، ومن ضمن قري غزه التي اشتهرت بالتطريز: اسدود، حمامي، كوكبه، المسميه، بيت لاهيه، جباليا، وهربيه.

يتميز ثوب يافا بوحداته الزخرفيه المحاطه برسومات شجر السرو التي تحيط بيارات البرتقال، وقد اشتهر ثوب بيت دجن بتطريزه الرائع، وقد اشتهر الثوب باسم الدجني نسبه الي المدينه. وقد ضم التقليد عددًا من القري المجاوره منها: سلمه، السافريه، يازور، النعاني وصرفند.

وهو من اشهر الاثواب الفلسطينيه ويتم تصنيعه بايدي ابناء المجدل الذين حافظوا علي صناعه الغزل والنسيج خاصه بعد هجرتهم من الاراضي المحتله عام 48.

اشتهرت قري الخليل باثوابها وتطريزها المتميز بكثافته وتعدد الوانه ورسوماته. ومن اشهر قري الخليل في صناعه الاثواب المطرزه: يطا، دورا، السموع، اذنا، حلحول وبيت جبريل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل