المحتوى الرئيسى

الرحلات الفضائية وأزمة إنتاج البلوتونيوم

04/28 15:59

في عام 1977 اطلقت اداره الطيران والفضاء الاميركيه (ناسا) مسبار الفضاء "فوياجر-1" لاكتشاف كواكب المجموعة الشمسية، ثم للتوجه نحو فضاء ما بين النجوم المتجمد المجهول في رحله لم يسبق القيام بها من قبل. وخلال رحله هذا المسبار التي امتدت لنحو 38 عاما، تم ارسال كم هائل من المعلومات والصور التي لا تقدر بثمن للعلماء الذين يسعون لاكتشاف مجاهيل الكون.

هذه الرحله الاسطوريه للمركبه "فوياجر-1" التي قطعت فيها مسافه 18 مليار كيلومتر، لم تكن لتتحقق لولا وجود مصدر طويل الامد من الطاقه لتشغيل اجهزه تلك المركبه وارسال الاشارات اللاسلكيه الي الارض والناقله للمعلومات الفلكيه العاليه الاهميه، والفضل في ذلك يعود الي العنصر الكيميائي الخطير والسام "البلوتونيوم-238".

بدات قصه البلوتونيوم في احد مختبرات الابحاث بجامعه كاليفورنيا عندما اكتشف الباحثون عنصرا كيميائيا جديدا شديد الكثافه والاشعاع، ثقيلا جدا واكثف من عنصر الرصاص بنحو 1.74 مره، عدده الذري 94 وقابل للانشطار وانتاج الطاقه، فاطلقوا عليه اسم "بلوتونيوم" ومنحوه الرمز الكيميائي "Pu".

لم يكن الباحثون الذين اكتشفوا البلوتونيوم عام 1940 يتوقعون مدي اهميه اكتشافهم لهذا العنصر، فبعد دراسه خصائصه الكيميائيه والفيزيائيه تبين لهم انهم امام عنصر يحمل الخير الوفير للبشريه، وكذلك الدمار والفناء للانسانيه.

ويكاد يكون عنصر البلوتونيوم غير موجود في القشره الارضيه، ويتم الحصول عليه عبر قذف اليورانيوم بالنيترونات في المفاعلات النوويه، حيث تكتسب ذره اليورانيوم عددا ذريا اضافيا للتحول الي بلوتونيوم.

يتميز هذا العنصر بقدرته العاليه علي الانشطار، لذلك يُستخدم احد نظائره وهو "البلوتونيوم-239" في انتاج الاسلحه النوويه التي تتسبب بدمار شامل للمناطق التي تدكها بسبب الطاقه الهائله المتحرره والاشعاعات المميته الصادره عنها. كما يستخدم البلوتونيوم في المفاعلات النوويه لتوليد كميات هائله من الطاقه.

لقد استرعي عنصر البلوتونيوم انتباه علماء الفضاء منذ ستينيات القرن الماضي كمصدر للطاقه الطويله الامد لتشغيل المركبات الفضائيه التي تقطع مسافات شاسعه في الفضاء مبتعده عن الشمس. وتعتمد فكره استخدام "البلوتوينوم-238" لتشغيل اجهزه المركبات الفضائيه، علي عمليه انحلال هذا العنصر البطيئه لانتاج حراره، وهذه الطاقه الحراريه المتولده يتم تحولها الي طاقه كهربائيه تكفي لتشغيل اجهزه المركبة الفضائية لفترات زمنيه طويله.

ومن المركبات الفضائيه التي تم تزويدها بالبلوتونيوم-238 كوقود، مركبه "غاليلو" التي اكتشفت كوكب المشتري، ومسبار "بايونير" ومسبار "فوياجر-1" سفير البشريه الي الفضاء الخارجي، وكذلك المركبه المداريه "كاسيني" التي استطاعت اكتشاف بحيرات الميثان والينابيع الجليديه علي سطح "تيتان"، احد اقمار كوكب زحل.

يتم تصنيع البلوتونيوم-238 في المفاعلات النوويه، ويبلغ الانتاج اليومي من هذا العنصر نحو غرام واحد فقط، ولذلك فان هذه الماده غاليه الثمن اذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد نحو سته ملايين دولار. وفي عام 1988 توقفت الولايات المتحده عن انتاجه، مما اضطر وكاله ناسا الي استيراده من روسيا. وتوقفت هذه الامدادات عام 2009 لتناقص المخزون الروسي ولخلافات في عقد البيع، علما بان ناسا تمتلك حاليا نحو خمسه كيلوغرامات فقط منه، وهذه الكميه بالكاد تكفي المركبات الفضائيه التي سيتم اطلاقها خلال العقد الحالي.

ان استكشاف اجرام المجموعه الشمسيه مرهون حاليا بمدي توفر عنصر البلوتونيوم-238 الباعث لجسيمات الفا والذي له "عمر نصفي" يبلغ 87 عاما. ورغم سعي ناسا ووزاره الطاقه الاميركيه لاعاده انتاج هذا العنصر الهام، فان الكونغرس الاميركي يرفض تحمل التكاليف الطائله لانتاجه، اضف الي ذلك ان تصنيعه سيستغرق عده سنوات.

ونتيجه لذلك اقترح عدد من الفيزيائيين طريقه جديده لانتاج البلوتونيوم-238 لتلبيه حاجات وكاله الفضاء من هذا العنصر الخطير والهام، حيث اقترحوا وضع بضعه غرامات من عنصر النبتونيوم-237 في كبسولات صغيره توضع داخل مفاعل لعده ايام، فتتكون كميات صغيره جدا من البلوتونيوم-238 الذي يتم فصله وتنقيته كيميائيا، ثم تكرر عمليه وضع الكبسولات في المفاعل من جديد لالاف المرات للحصول علي كميه البلوتونيوم-238 المطلوبه.

وتتميز هذه الطريقه بعدم حاجتها الي مفاعلات كبيره لتصنيعه، كما انها تنتج نفايات نوويه قليله، وهي ذات كلفه ماديه اقل من الطرق القديمه التي كانت متبعه لانتاج البلوتونيوم-238. وقد قدمت ناسا لفريق البحث في مركز البحوث النوويه الفضائيه الذي اقترح هذه الطريقه منحه ماليه بلغت مائه الف دولار لتطويرها وتصميم اول نموذج خاص لانتاج هذا العنصر الهام وتنقيته ليكون صالحا للاستخدام في المركبات الفضائيه المزمع اطلاقها مستقبلا لاكتشاف الكون.

ان اعاده انتاج البلوتونيوم-238 تثير كثيرا من الاعتراضات، فهذه الماده علي درجه عاليه من السميه، كما ان استخدامها في المركبات الفضائيه قد يشكل خطرا علي الارض في حال وقوع حادث اثناء عمليات الاطلاق، الي جانب ان الماده المقترح استخدامها لانتاجه (النبتونيوم-237) لها استخدامات في صناعه الاسلحه النوويه، وبالتالي فان استخدام تلك الماده سيقدم الدعم للصناعه النوويه، وهذا بدوره يقدم دعما غير مباشر لبرامج التسلح النووي.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل