المحتوى الرئيسى

عطاء الله مهاجراني يكتب : وبدأ تدمير الجنس البشري

04/27 13:39

اقتبستُ هذا العنوان من مقال كتبه غونتر غراس؛ فحتي بعد وفاته، ما زلت اعيش في عالمه واتنسم عبير كلماته. في عام 1982، في مدينه روما، القي غراس خطبه انعم التفكير في كلماتها، وكان عنوانها «وبدا تدمير الجنس البشري».

في هذه الايام، يبدو اننا نقف علي حافه دمار الجنس البشري، والقيم الانسانيه، ولا يتحمل احد المسؤوليه عن هذا الدمار سوانا نحن البشر. ونظرًا لاننا جميعًا علي متن السفينه نفسها، فان وجهتنا ايضا واحده. ربما، مثل «تايتانيك»، بينما كانت السفينه تتعرض للغرق، كانت الفرقة الموسيقية في احد الاركان مستمره في عزف اخر مقطوعه موسيقيه لها «الخريف». كانوا يغرقون، ولكنهم لم يتوقفوا عن الغناء، الناس جميعهم بمن فيهم الاطفال كانوا يغرقون ايضًا.

لم يكن هناك فارق بين الاثرياء مثل جون استور، الذي كان يعدّ واحدًا من اغني الرجال في العالم، والفقراء الذين كان يحلمون بحياه جديده في اميركا الشماليه. كانوا جميعًا يغرقون. والي جانب الاشياء الاخري، كان هناك كتاب فريد من نوعه يغرق ايضًا؛ انه كتاب رباعيات عمر الخيام النيسابوري، ذلك الكتاب الذي الفه الخيام لحاكم سمرقند، خلاصه الروح هي التي كانت تغرق مع بقيه الاشياء علي متن «تايتانيك».

وكما كان الحال مع «تايتانيك»، اعتقد ان عالمنا يواجه جبلا جليديا عملاقا من الغطرسه، والجهل المقدس، وحربًا دعائيه باعثه علي الملل.

لقد فقدت الكلمات معناها الحقيقي، او الصحيح؛ فعلي سبيل المثال هناك حقيقه واضحه وضوح الشمس، وهي ان حزب البعث العراقي كان ولا يزال مصدر الكوارث وعدم الاستقرار. عندما استمعت لخطاب عزه ابراهيم الدوري بمناسبه الذكري الخامسه والستين لانشاء حزب البعث، شعرت بالصدمه من كلماته، فقد كان يتحدث كما لو كان يتكلم عن السيد المسيح، وحواريه، وليس عن صدام حسين، ورجاله، بمن فيهم عزه ابراهيم الدوري.

علي سبيل المثال، قال في عام 2012: «هذا هو البعث اليوم كما ولدته الامه قبل خمسين عاما، لم يزل نقيا تقيا طاهرا زكيا، ايمان عميق كحد ايمان بعين اليقين، ايثار ومحبه، وتسامح، وحكمه، وحنكه».

في الواقع، اذا توفر قدر ضئيل من الحكمه لقاده البعث وادارته، وكان لديهم قدر بسيط من التسامح تجاه الشعب العراقي، فان مصير البعث، وصدام حسين، وولديه، واقاربه وعزه الدوري، حتما كان سيختلف عما ال اليه.

دعوني اقصّ عليكم ذكري شخصيه. عندما كنت استضيف سعدون حمادي عندي في 1990، في الوقت الذي كانت الكويت فيه خاضعه لاحتلال الجيش العراقي، حيث تعرض صدام لخداع السفيره الاميركيه غريبه الاطوار ابريل غلاسبي، التي تعد السبب الرئيسي وراء كل المصائب التي حلت بالعراق.

كان عزه الدوري حينها رئيس الوفد العراقي، وقال انه يريد زياره مشهد بغرض الحج. وكنت اصطحبه هو وسعدون حمادي، وكان يجلس بمفرده، فيما كان يقف امامه حارس يرتدي ملابس بلون زيتوني علي بعد مترين او ثلاثه. وكان الحارس يمسك بابريق شاي ذهبي اللون، وكان هناك كوب زجاجي موضوع علي طبق ذهبي. عندما اوما عزه الدوري، سكب له الحارس بعضا من الشاي بالنعناع، ثم نظر الي وجه عزه الدوري، الذي اوما للحارس للمره الثانيه، فابعد الحارس الكوب عنه.

وفي مرقد الامام رضا، بدا عزه الدوري في الصلاه لفتره طويله، وكانه كان يصلي صلاه التراويح، وكان يقف حارسه بجواري مستندًا الي جدار من الرخام، فسالته لماذا يومئ لك السيد ابراهيم بدلاً من ان يتحدث؟ فهمس لي قائلاً ان ابراهيم لا يعرف اسمه، وان الحارس غير مصرح له بالحديث معه.

وفي طريقنا الي طهران، جلست بجوار الدوري، فقلت له: عزيزي السيد ابراهيم، اود ان اطرح عليك سؤالا واحدا بسيطا، لقد اخترت السياسه كاسلوب حياه، اذا تمكنت من العوده بالزمن الي الوراء، عندما كنت لا تزال في العشرين من العمر، فهل كنت ستختار تلك الحياه نفسها مره اخري؟ فابتسم لي ولاح بريق في عينيه اللتين تنضحان ذكاء، ورد بعد برهه، وكان رده صادمًا لي، بل ربما كان واحدا من افضل الردود التي تلقيتها في حياتي. اخذ الدوري ينشد بيت شعر للجواهري يقول فيه:

دعوني اعُد للحديث عن سفينه العالم، التي تواجه جبلا جليديا خطيرا. تلك السفينه الغريبه، واعني بها العالم الذي نعيش فيه، تواجه وضعا خاطئا الي درجه تثير الرعب.

لنتخيل المهاجرين من المسلمين والمسيحيين، الذين حاولوا الذهاب الي ايطاليا من ليبيا، علي متن قارب منذ نحو اسبوعين. لقد القوا في البحر 12 مسافرا علي المركب نفسه، مما ادي الي مقتلهم، لانهم كانوا من المسيحيين.

كان اجمالي عدد المهاجرين هو 105، غادروا ليبيا علي متن قارب مطاطي، وكان المسلمون من ساحل العاج، ومالي، والسنغال، بينما كان المسيحيون من نيجيريا، وغانا.

ثم حدث ما هو اسوا من ذلك الحادث، حيث نشر تنظيم داعش مقطع فيديو يظهر فيه نحر رؤوس الاثيوبيين في ليبيا. ويبدو ان الضحايا كانوا عمالا هاجروا من بلادهم للعمل في ليبيا. ولنا ان نتخيل ان هؤلاء الضحايا من بين افقر الناس في افريقيا.

لا شك ان تاريخ هذه الحقبه المعاصره سوف يُكتب بحبر من الكراهيه، والدماء، والدموع.

لقد نجح المسلمون في بناء واحده من اعظم الحضارات في التاريخ، وذلك نتيجه لتسامحهم مع كل الاديان، والطوائف في جميع انحاء العالم، وشهدت هذه الحضاره ظهور العديد من العلماء، والفلاسفه، والقضاه، وعلماء الدين، والمفكرين، الذين لم يكونوا من العرب، او في بعض الاحيان لم يكونوا من المسلمين. لقد كان التسامح والحكمه هما الاساس الذي اُقيمت عليه الحضاره الاسلاميه.

مع ذلك، هناك غطرسه غريبه لدي الجماعات المتطرفه مثل «داعش»، و«داعش» الليبيه، الذين يعتقدون انهم المختارون من السماء، مما يجعلهم يبررون افعالهم الهمجيه بانها من تعاليم الدين. وهذا مشابه لتبرير عزه الدوري لافعال حزب البعث الذي جلب الخراب للشعب العراقي العظيم.

تنبع مشكله تنظيم داعش او البعث، والجماعات المشابهه لهما، من حقيقه انهم يعتقدون ان افكارهم هي المعيار الذي يتعين علي الاخرين الالتزام به، لذا فعندما يتولون السلطه، يسفكون الدماء، ويزجون الرؤوس، ويحرقون الناس وهم احياء، بدم بارد، وقبضه حديديه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل