المحتوى الرئيسى

محمد الفيتوري.. الصرخة البيضاء

04/27 01:27

اراد الفيتوري في مرحله ما ان يكون صوت القارة الإفريقية في الشعر العربي، وكان هذا طموحاً مشروعاً الي ابعد حد، فهو اولاً افريقي من السودان وهو عربي يكتب بلغة العرب، وربما كان يطمح الي ماهو ابعد من ذلك ان يزاحم شعراء القاره الافريقيه، من امثال: سنغور، وداؤود ديوب، وايمي سيزير وغيرهم في ان يكون المعبّر عن هذا الصوت الافريقي.

ولو تحقق له هذا الطموح كاملاً لكان له وجود كبير علي خريطه الشعر الانساني في القرن المنصرم، وان لم يبلغ كل ما طمح اليه لاسباب عديده منها وجود شعراء افارقه كبار اخرين صدحوا مثله بصوت أفريقيا لكن تميزوا عنه انهم، بالاضافه الي مكانتهم الشعريه، كتبوا مباشره بلغه المستعمرين، ووصلت صرختهم الحارّه مباشرهً الي اسماع هؤلاء ممن ارادوا ان يُسمعوا انين الاخر وصوت عذاباته، او ليروا انفسهم في المراهالافريقيه.

ربما لم يحالف الفيتوري النجاح في هذا الجانب، فقد نجح في الجانب الاخر، من جهتنا، في ان يصل الينا نحن العرب علي انه صوت المنفرد للافارقه في الشعر العربي بلا اي منازع، ولم يتصدَ احد من الشعراء العرب لهذا الدور غيره، رغم تحدر عدد كبير منهم من القارة السمراء، فهو صاحب «اغاني الي افريقيا» و «اذكريني يا افريقيا» و «عاشق من افريقيا» حيث ظل الفيتوري محتفظاً في وجداننا بهذه المكانه حتي رحيله او ربما بعد رحيله؛ وهذا بحد ذاته علي المستوي الشخصي انجاز كبير يحسب للشاعر.

الفيتوري في اذهاننا شاعر الصوت الغنائي، او الصرخه الماساويه، او البكائيات التي نسمعها بحنين وبحرقه عند كل فاجعه تلمّ بالامه، وهو مثله مثل شعراء جيله العرب الرومانتيكيين الثوريين، شاعر موقف، وشاعر مصير في سياق مرحله متالقه من الشعر العربي الحديث، ولهذا يؤخذ شعره بشموليته وبمجمله وبسياقه التاريخي علي انه شاعر مخضرم بين الكلاسيكيه والتجديد؛ فمن المعروف ان الفيتوري ظلّ طوال حياته يحافظ علي هذه المكانه بين الطرفين، وفي شعره حضور لهذين الملمحين المتناقضين. لقد كانت هويته الغالبه كشاعر هي هويه حداثه، ومضامين شعره مضامين حداثه، فهو داعيه حريه وتمرد وتحرر وطني واجتماعي.

خرج الفيتوري الي العالم العربي، تنقل وعاش في امصاره شرقاً وغرباً ووسطاً: الاسكندريه والقاهره، وبيروت وتونس وطرابلس الغرب واخيراً في المغرب العربي، وكان حاضراً بقوه في الحياه الثقافيه العربيه، فاعلاً فيها ويحيا في خضمّها منذ خمسينيات القرن الماضي، وانطباعي الشخصي عنه من خلال شعره ومن خلال لقاءاته التلفزيونيه، انه ليس شاعر عزله، بل تواصلي حميم ومرح رغم الالم والحزن، وهو منبري، وله حضور اسر في نفوس مشاهديه من محبي الشعراء.

اذكر انني سمعته مره يروي بطريقه اسره في حوار تلفزيوني عن لقائه بالسيده ام كلثوم في منزلها، بصحبه انور السادات، نائب الرئيس انذاك، حاملاً، بطلب من السادات، قصيده له لتغنيها، لكن عندما قراتها «الست» تبرمت من جديتها وطلبت منه ان «ينغنشها شويه» اي يخفف من ثقل دم القصيده، لكنه لم يفعل رغم تاكيد السادات علي ذلك.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل