المحتوى الرئيسى

شاعر الدفاع عن السود

04/27 01:27

عندما وصل الشاعر السوداني المصري الي القاهره، اتيا من الاسكندريه، وذلك في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي، كان متعطشاً الي حد كبير لكي ينشر شعره بكل السبل، وكان يعتقد ان هناك موقفاً خاصاً منه تتخذه المجلات الثقافيه، فارسل رساله الي الناقد المرموق انذاك أنور المعداوي، الذي كان يدير مجله «الرساله» بالنيابه عن صاحبها ورئيس تحريرها احمد حسن الزيات، وافضي له بمعاناته الشديده من عدم اعتناء المجلات الثقافيه بقصائده، واعترف له بانه سوف ينتحر لو لم تنشر له المجله قصائده، وتبعا لذلك نشر المعداوي له اول قصيده في مجله «الرساله»، في سبتمبر 1950، وكان عنوانها «الخطيئه المجسده»، وكتب المعداوي اعلاها «للاستاذ محمد الفيتوري»، وبالطبع كانت قصيده ركيكه كمعظم بدايات الشعراء المبكره، اذ يقول مطلعها:

ولم تكن هذه البدايه في النشر، ولكنه كان قد نشر في الشهر السابق علي هذه القصيده، قصيده اخري، ولكن في مجله «الثقافه»، لصاحبها ورئيس تحريرها الدكتور احمد امين.

بعد هاتين القصيدتين، انفتحت تجربه الفيتوري بتوسع اكثر، فراح ينشر قصائده في مجلتي «الاديب» و «الاداب» اللبنانيتين، ومن خلال هاتين المجلتين بدا اسمه يرسخ كواحد من الشعراء الشباب، الذين يحاولون التجديد في روح وبناء القصيده الجديده، بعد موجتها الاولي التي انطلقت من العراق علي ايدي بدر شاكر السياب الذي كتب قصيده «هل كان حبا»، وكذلك نازك الملائكه التي كتبت قصيده «الكوليرا».

وجاءت الموجه الثانيه التي حملت في طياتها الشعراء صلاح الدين عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وخليل حاوي وعلي احمد سعيد ومحمد مفتاح الفيتورى، الذي حاول ان يتميز عن كل هؤلاء بتخصيص شعره للدفاع عن اللون الاسود المطرود من جنه الابيض، واعتبر ذلك هو الصراع الرئيسي من ناحيته.

وهذه النقطه الاخيره، دفعت ناقدا مرموقا انذاك، وهو محمود امين العالم، يكتب دراسه طويله جدا في مجله «الاداب» العام 1953، مهاجما الفيتوري في نظرته او نظريته، واعتبر ان ابراز محور صراع الاسود مع الابيض في الشعر عند الفيتوري او غيره من الشعراء الافارقه او السودتنيين، او السود بمعني ادق، نقطه مضلله، ومعوقه لتاجيج الصراع الطبقي الاجتماعي بين الطبقات، وليست القضيه هي نضال الاسود ضد الابيض، بل هي صراع الكادح الطبقي ضد المستغل الراسمالي، وانعكاس القضيه بمعناها الاخير هو الارجح والاصح والاصوب.

ودارت معركه واسعه حول هذا الشان علي صفحات مجله الاداب، تطرقت الي معني الشعر وشفافيته وفلسفته، وتناول كثيرون الشعر من زوايا مختلفه، اخذين من شعر الفيتوري نموذجا للتمثيل، وشنّ الكاتب فتحي غانم هجوما ضاريا علي محمود العالم، موضحا ان الشعر ليس انعكاسا لنظريات وافكار مسبقه، وردّ عليه العالم ردّا قاسيا، واصبح الفيتوري محورا لمناقشات ومعارك عديده في المنتصف الاول من خمسينيات القرن الماضي.

والمدهش ان يصدر ديوان الفيتوري الاول «اغاني افريقيا» بمقدمه ضافيه ووافيه لمحمود امين العالم نفسه، وصدرت طبعته الاولي العام 1955، وصدرت له طبعه ثانيه العام 1956، وكان الفيتوري في ذلك الوقت بدا يكتب في المجلات الثقافيه المصريه وغير المصريه، وتم التحاقه بجريده الجمهوريه ليعمل صحافيا، وله فيها مقالات ودراسات نقديه كثيره، لم يعمل علي جمعها، ومنها دراسه مهمه علي ثلاث حلقات تحت عنوان «الادب الشعبي في السودان»، اعتقد لو تم نشرها ستكون مفيده في هذا المجال.

واستهل محمود العالم مقدمته قائلا :»هي رحله شعريه من طراز فريد، بداها الشاعر من حيث الاعشاب تتكسر تحت الاقدام الموحله، وحيث الاقبيه الرطبه، والتوابيت المكتنزه بالاحقاد والمخاوف، وحيث الاشجار السوداء والظلال الحقيره.. وراح يواصل حركته الزاحفه خلال الدهاليز والمفاوز والمشاعر الصفراء، حتي توج ضوء النهار جبينه الظافر». جاءت هذه المقدمه بعد ما لا يزيد عن عامين من المعركه التي كان بطلاها العالم والفيتوري، وجدير بالذكر ان الفيتوري لم يتنازل عن وجهه نظره في تسييد صراع الاسود والابيض في كل الديوان!!

بل ان الفيتوري كان قد خاض قصه حب عنيفه لشاعره مصريه جميله، وعندما حاولت الشاعره الابتعاد عنه، عزا ذلك الي لونه الاسود، وكتب عنها قصيده عنوانها «الافعي»، وجاء فيها:

(في ذلك الركن من قلبك

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل