المحتوى الرئيسى

الموريتانيون بانتظار النفط منذ 15 عاماً

04/26 11:41

بدات الشركات الاجنبيه اعمال التنقيب في موريتانيا خلال السنوات الاولي من استقلال البلاد في 1960 بحثاً عن امكان وجود النفط في صحرائها الشاسعه لتستمرّ حتي تسعينيات القرن الماضي. لكنّ الدلائل الاوليه لم تشجع علي الاستثمار في مجال النفط، اذ جاءت دون توقعات الشركات الكبري التي تطمح لاكتشاف حقول ضخمه قابله للاستغلال علي المدي الطويل. وبعد مغادره الشركات النفطيه الكبري، تمكّنت شركات صغيره من اكتشاف مكامن جديده للنفط بكميات تجاريه بدايه الألفية الثالثة، بفضل اعتماد التقنيات المتطوّره في عمليه الاستكشاف. وفي فبراير 2006، انضمّت موريتانيا الي قائمة الدول المصدّره للنفط الخام، بمعدل 84.5 مليون برميل سنوياً. الا ان الامال التي انتعشت مع بدايه تصدير النفط الموريتاني سرعان ما بدات تضمحل، لا بل تحوّلت الي مخاوف في احيان كثيره.

يعود تاريخ اكتشاف اول حقل نفطي في موريتانيا الي العام 2001، عندما اعلنت شركتا Hardman Resources Ltd و Woodside نجاح عمليات التنقيب المشتركه، المنفّذه بواسطه المسح الزلزالي، في اكتشاف اربع ابار نفطيه في اعماق البحر. ومنذ ذلك التاريخ، دخل مصطلح النفط في القاموس السياسي الموريتاني، وتحوّلت الثروه المفترضه الي ماده للدعايه السياسيه والاعلاميه في حين ازدهر اقتصاد الفنادق وتضاعف معدل الرحلات الجويه وتحوّلت نواكشوط الي وجهه للمستثمرين والمهندسين ومقاولي الشركات، وبدا الاهتمام الاعلامي الغربي بالبلاد وبالواقع السياسي والاجتماعي فيها.

 وبعد المحاوله الانقلابيه التي زعزعت اركان حكم نظام الرئيس الاسبق معاويه ولد الطايع في يونيو 2003، وفي ظل تصاعد المطالب السياسيه والاجتماعيه، لجات الحكومه الي سلاح النفط كمحاوله لـ"تهدئه" الراي العام وتخفيف حده المطالب المتصاعده. فحاولت من خلال الدعايه الاعلاميه ان تقدّم الاكتشافات النفطيه باعتبارها بدايه عصر جديد من النمو والازدهار الاقتصادي والرخاء الاجتماعي. وفي هذا الصدد،  سعت الحكومه الي تسهيل الاجراءات لتمكين شركه "وودسايد" الاستراليه من بدء العمل في اول حقل نفطي في اقرب وقت ممكن، واعده باطلاق الانتاج النفطي في اواخر 2005. واعلن الرئيس ولد الطايع شخصياً ان "تقسيم الثروه النفطيه سيكون شفافاً وانّ كل مواطن سينال نصيبه من عائدات النفط".

 الا ان ولد الطايع نفسه لم يشهد استخراج اول برميل نفط في موريتانيا، فقد سقط حكمه في انقلاب عسكري قاده العقيد اعلي ولد محمد فال في 3 اغسطس 2005. وفي ظل الاوضاع السياسيه الحرجه، تاخّر الانتاج النفطي الموريتاني عن الموعد المحدد سابقاً ولم يبدا الا في فبراير 2006، وهذا ما جعل البعض يربط بين الاطاحه بنظام ولد الطايع ومطامح السيطره علي الثروه النفطيه الوليده.

في موريتانيا حوضان نفطيان كبيران. يمتدّ الاول، وهو الحوض الساحلي، علي طول الحدود الشماليه والجنوبيه من الساحل الموريتاني، علي بعد 750 كم وطول 300 كم، ويغطي الحوض مساحه 184 الف كلم مربع منها 100 الف كلم مربع في اعماق المحيط. وقد بلغ عدد الابار المحفوره في هذا الحقل 58 بئراً منذ تاريخ اكتشافه. اما الحوض الثاني فهو "تاودني" الذي يمتد علي مساحه خمسمئه الف كليومتر مربع في الجنوب الشرقي لموريتانيا، وبرغم مساحته الهائله لا يزيد عدد الابار في هذا الحقل علي اثنتين هما: "ابولاغ 1" و"الواسعه 1".

ويعتبر حقل شنقيط في الحوض الساحلي، احد اهم واكبر الحقول النفطيه، وهو اول مشروع لاستخراج النفط من البحر في ساحل شمال غرب افريقيا. يقع علي بعد 80 كيلومتراً جنوب غربي العاصمه بعمق 800 متر. اكتشف هذا الحقل عام 2001 ووقّعت الحكومه الموريتانيه عقداً لتقاسم الانتاج فيه مع شركه Woodside ، وتبلغ طاقته الانتاجيه 75 الف برميل يومياً. وفي العام ذاته، اعلنت الشركه  ذاتها انّ احتياطات الحقل تبلغ 65 مليون برميل، فيما قدرت الدراسات التي اجرتها شركه Hardman علي الحقل نفسه ان الاحتياطي يتجاوز 100 مليون برميل.

وقد حصلت شركتا Brimax وWoodside (ثم Hardman لاحقاً) علي كلّ امتيازات التنقيب داخل المياه البحريه الموريتانيه، وذلك بتوقيع سبعه عقود مع الحكومه. الا انّ هذه الشركات الصغيره لم تكن تمتلك القدرات التقنيه لاستخراج النفط من اعماق المحيط، وهذا ما دفعها الي الاعتماد علي شركات كبري لاجراء التنقيب. وعليه، استحوذت Woodside علي امتيازات التنقيب علي امتداد ما يعادل 47% من حقل شنقيط النفطي، ليكون ذلك اكبر استثمار لها خارج استراليا، وتعاقدت مع شركه British Borneo وشركات اخري لاستغلال حصتها فيما حصلت شركه Hardman علي 19% من الحقل.

 والي جانب Woodside وHardman، تعمل في موريتانيا شركات تنقيب اخري كـTotal الفرنسيه وPremier Oil (واحده من اكبر شركات التنقيب في بريطانيا) وTullow Oil الايرلنديه، وRock oil وSterling and energy وغيرها.

وقبل الانطلاق الفعلي لعمليات الاستخراج، بدات الدوله الموريتانيه تجني عائدات النفط، في وقت مبكر، اذ قدّمت شركه Sterling منحه نقديه للدوله الموريتانيه قدرها 15.05 مليون دولار، وتمويلاً بقيمه    130 مليون دولار مساعدهً للدوله في دفع حصتها من تكاليف استغلال الحقول النفطيه.

لم تمضِ اشهر قليله علي انطلاق الانتاج النفطي الموريتاني حتي فجّرت حكومه المجلس العسكري للعداله والديمقراطيه فضيحه فساد تُعدّ الاكبر في تاريخ البلاد، حين اتّهمت وزير النفط في اخر حكومات ولد الطايع، زيدان ولد احميده، بتوقيع ملحقات عقود تنقيب لمصلحه شركه Woodside خارج الاطار القانوني، وبدون الرجوع الي البرلمان. والقت شرطه الجرائم الاقتصاديه، في 16 يناير 2006 القبض علي وزير النفط السابق بتهمه "الفساد والتزوير والتواطؤ مع جهات اجنبيه للاضرار بالمصالح الاقتصاديه الاستراتيجيه للبلاد".

وادّت تطورات القضيه لتدخّل مباشر من رئيس الدوله انذاك العقيد اعلي ولد محمد فال الذي اعلن في 6 فبراير 2006 انّ "ملحقات العقود (الموقعه مع Woodside) تشوبها عيوب جسيمه وتشكّل تهديداً جدياً للمصالح الوطنيه". فدخلت الدوله الموريتانيه وشركه Woodside في نزاع قويّ كاد يعصف بمستقبل الاستثمارات النفطيه. وبعد ان وصلت المفاوضات الشاقه مرات عدّه الي طريق مسدود، اٌعلن في 30 مارس 2006 اطلاق سراح وزير النفط زيدان ولد احميده عقب توصل الحكومه الموريتانيه وشركه Woodside  الي صيغه توافقيه تقضي بالغاء ملحقات العقود المثيره للجدل، واضعه بذلك حداً لقضيه شغلت الراي العام الموريتاني بضعه اشهر.

 وفي الواقع، اثّر الصدي الكبير الذي احدثته فضيحه Woodside سلباً علي الانتاج النفطي الموريتاني اذ ظلّ في  تراجع شبه مستمر من 75 الف برميل يومياً في 2006 الي 14,990 برميلاً في 2007 ليشهد تحسناً طفيفاً في 2008، حين ارتفع الي 16,510 ثم يعاود التراجع الي 11,640 برميلاً يومياً في  2010 حتي وصل في 2011 الي 8,000 برميل يومياً.

وفي العام نفسه، وقّعت الحكومه الموريتانيه عقداً مع شركه Total للتنقيب عن النفط، بعد ان كشفت الشركه عن مؤشرات مشجعه لوجود مخزون من النفط والغاز الطبيعي في حوض تاودني.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل