المحتوى الرئيسى

جورج بازليتز.. الرسم بالمقلوب

04/24 09:27

اسمه الاصليّ «هانس جورج كيرن» ، وُلد في الثالث والعشرين من كانون الاوّل عام 1938 في المانيا (Deutschbaselitz, saxe). والده مُدرّس، والعائله تسكن في المدرسه التي يُدرّس بها الوالد.

انهي عام 1950 دراسته الابتدائيّه قبل ان يُتابع دراسته الثانويّه حتي عام 1955. دخل عام 1956 الي المدرسه العليا للفنون الجميله في برلين الشرقيّه لدراسه الرسم. اقام صداقات مع عدد من الفنانين المعروفين حينها، ما لبث ان طُرد من هذه المدرسه بعد فصلين دراسيّين «لنقصان النضج الاجتماعيّ - السياسيّ» عنده!

انتقل في العام 1957 الي برلين الغربيّه لمتابعه دراسته في المدرسه العليا للفنون الجميله. استقرّ هناك حيث تعرّف علي زوجته المستقبليّه. نفّذ حينها اول اعماله التلقائيّه. سافر بعد عام الي امستردام في هولندا ثمّ الي باريس حيث درس فن المختلّين عقليّاً (ذوي الحاجات الخاصّه). تبنّي في العام 1961 اسمه الجديد «جورج بازليتز» حيث بدا يعرض اعماله حينها مستعملاً اسمه الجديد. تزوّج عام 1962، وانجب ولده «دانييل»، ثمّ انجب في ما بعد ولده «انطون». عرض اعماله عام 1963 في غاليري «ورنر» Werner/ Katz في برلين، وعرض اعماله المحفوره في غاليري اخر. استقرّ عام 1965 في فلورنسا الايطاليّه لمدّه سته اشهر بموجب منحه دراسيّه اُعطيت له. نفّذ هناك اعمالاً تمثّل الحيوانات. اقام معرضه الاوّل الفرديّ في هذا العام في ميونيخ في المانيا، ثمّ بدا بتنفيذ سلسله «الابطال» Héros . ومن حينها اخذ يزور ايطاليا سنويّاً.

بدءاً من العام 1966 اخذ يعرض في برلين اعماله التي يغلب عليها الحفر علي الخشب حيث امتدّت هذه المرحله حتي عام 1969 تحت عنوان «اعمال - كسورات» Tableaux- Fractures. وانطلاقاً منها اقتصر عمله علي هذا النمط، وتابع سلسله من الوجوه لاصحابه.

عام 1970 كرّس وقته لتنفيذ اعمال غلب عليها المنظر الطبيعيّ تحت عنوان «اللوحه داخل اللوحه» Tableau dans le tableau. ادخل علي اعماله في ما بعد تقنيّه استعمال الاصابع في التلوين من ضمنها وجوه ذاتيّه (اوتوبورتريه).

زار نيويورك للمرّه الاولي عام 1975 ومنها سافر الي البرازيل حيث شارك في بينالي «ساوباولو» الثالث عشر. وبدا سلسله من اللوحات العاريه المسمّاه Nus d`Elke. وقد سُمّي استاذاً في مدرسة الفنون الجميلة عام 1978، وبدا بتنفيذ ثنائيّات diptyques علي دعامه خشبيّه. اتجهت لوحاته في ما بعد الي الطابع التجريديّ. وبدا منذ العام 1979 بتنفيذ منحوتات ستشكّل جزءاً مهمّاً من مساره وتجربته الفنيّه. قام عام 1983 بتنفيذ اعمال بقياسات كبيره، وعام 1984 لوحات بمواضيع مسيحيّه. نفذ في العام 2000 لوحات وصوراً مطبوعه des estempes محورها الفنان «مارسيل دوشامب» .

اُقيمت له معارض استعاديّه عديده علي مدي سنوات عدّه، اخرها عام 2007 في الاكاديميّه الملكيّه للفنون في لندن، سبقها معرض في متحف الفن الحديث في باريس. منحه وزير الثقافه الفرنسي «جاك لونغ» ميداليّه الفارس للفنون والاداب.

هو من الفنانين الاكثر اعتباراً وتقديراً في سوق الفن العالمي المعاصر. حالياً، هو استاذ محاضر في جامعه الفنون المعروفه في برلين.

له منحوتتان خشبيّتان تمثلان وجهه الذاتي (اوتوبورتريه) خاليا من الحنو، وفيهما موقف محرّض وثائر.

يقلب بازليتز الصوره كي يُفرّغ الشيء المرسوم من محتواه ليقترح محتويً اخر بديلاً. «قلب الصوره» بالنسبه اليه، يُعطيه الحرّيه لمواجهه «المشاكل التصويريّه».

وصفوا اعماله في المانيا بصفات مُهينه، وبانها نسخ فاشله للرومانسيّه الجديده Néo- realism وبانها رعناء طائشه. قدّم الفنان مواضيعه برؤوس مقلوبه، واتهم بانه يريد الكسر والادهاش؛ مشاكساته تفكّ لغز رمز صوره العالم.

كان بازليتز رساماً بارعاً (Dessinateur) وحفاراً. هو واحد من الفنانين التعبيريّين الجدد في ثمانينيّات القرن الفائت (كيفر، بنكي، ايموندورف Kiefer, Penck et Immendorff) الذين رفضوا في الستينيّات الانماط الجماليّه للذوق السائد حينها، والموصوله بطليعيّي تلك الفتره. نادي بازليتز ورفاقه بالمانيّتهم، وسجّلوا نتاجهم في تقليد تعبيريّ وتصويريّ مستعملين مواضيع مرئيّه يُمكن التعرّف اليها كالشكل الانسانيّ والطيور والمنظر الطبيعيّ. لكنهم لم يقلّدوا الطبيعه، بل استخدموها كدعامه لنشاطهم الابداعي، هم يصنعون صوراً، حسب قول الطليعيّين الماثور، تمتلك خاصّيّه تصويريّه حديثه وتلقائيّه، وهذا يُحدث ترابطات، ويوحي بذكريات، تثير الرؤي بتاثير امواج من صور خارجه من اللاوعي الانسانيّ. بالنتيجه، توجد دلالات متعدّده للصور، نقائض «الحقيقه» الظاهره للصور الملوّنه.

تاثر بازليتز بشكل كبير بالفن الفطريّ وبكتابات ورسوم «انطونين ارتو» Antonin Artaud والمنحوتات الافريقيّه. تمحور عمله حول الانفصام الناتج من الصدمات الاجتماعيّه والسياسيّه والانسانيّه للتاريخ الالمانيّ في القرن العشرين.

بدا عام 1989 سلسله من «نساء دريسد» Femmes de Dresde كذكري لنهايه الحرب العالميّه الثانيه. عشره اعمال منها باحجام كبيره استوحاها من ضحايا التدمير الذي لحق بمدينه هؤلاء النسوه في شباط 1945، تشكّل مجموعه تشكيليّه متجانسه، موحّده ضمن طقوس وضعيّاتها وعنف وحده حدّتها وحيويّه لونيّتها.

قلب «بازليتز» كل شيء في الطبيعه، كلّ شيء واقف، الانسان، الطبيعه الصامته والمنظر الطبيعيّ الذي اجتثت جذوره، فنري الداخل منقباً ومحفوراً، الوجوه مُحزّزه ومخرومه. اراد الفنان عبر قلب الراس ان يُناقض العادات البصريّه، وان يسدّ الطريق علي ردّات الفعل المتسرّعه والسطحيّه. لوحاته هي قبل ايّ شيء حقول من الفعل التصويريّ؛ التوتر الحسّيّ الذي يسكنها ينتقل بواسطه مسرحه خطوط الفرشاه، العريضه، لا بل الضخمه، المطبّقه علي عناصر مختاره. الاشياء الصلبه اختفت من العمل النحتيّ والخطّ ظلّ طريقه.

انّ «جماليّه التصدّعات»، بالنسبه لاحد النقاد، تنبعث من اعمال بازليتز. يهدف الي ابعاد طريقه رؤيه تحفه فنيّه وتفسيرها. يكون هذا الشيء عبر قلب العناصر التي تُظهر الخاصّيّه الواضحه لهذه الجماليّه. في حين انّ العاده جرت بتامّل وتفسير الاعمال الفنيّه في سياقات معيّنه، نقوم اذن بايجاد فرق بين النيّه والتفسير، وهذا الشيء غير مقبول مع اعمال بازليتز.

دخلت اعمال الفنان الي المتاحف منتصف السبعينيّات، وهذا دليل علي اهميّه طرحه ودوره التشكيليّ. كانت منحوتاته الخشبيّه نتيجه تاثره بالتعبيريّه. نري فيها حيويّه قديمه تظهر منها، مبريّه بخطوط عريضه مكلله بنبرات لونيّه تُظهر توجّهاً جديداً في اعماله وهي نتاج تصدّعات جذريّه. هي منحوتات الفنان، بتفاعل رقيق مع اللوحات.

هناك فنانون تابعوا هذا الطريق رسماً ونحتاً: «بنكي»، «ايموندورف»، «لوبرتز» و «كارل هورس هوديك» Penck, Immendorff, Lupertz et Karl Hors Hodivke. ينتمي كلّ هذا الي الفن التشخيصيّ بنبرات تعبيريّه. اعتبر كلّ من «بازليتز» و «بنكي» رائدا التصوير الالمانيّ الجديد بخاصّيّه تعبيريّه - حركيّه expressif- gestuel تبعهما في ذلك الفنان «ريشتر»، «بولك»، «كروبنر» ، «اوكر» Ueker، وغيرهم..

نادي بازليتز في عام 1961 مع فنان اخر بعصر «الواقعيّه الشجيّه» Réalisme pathétique. منذ ذلك الوقت امكن الحديث عن اعمال «وحشيّه» لواقعيّه تعبيريّه، مثيره، مع تمثيلات فاحشه وتجديفيّه: «الليل الطويل الهالك» La grande Nuit foutue، مع اعمال العاصفه الصاخبه التي لا تتوجّه فقط ضد الاكاديميّه العقيمه للعناصر المزيّنه للتجريديّه، بل التي تسخر ايضاً من السوبر - ابطال لحياه البرجوازيّين للجمهوريّه الفيدراليّه الالمانيّه، بلد «المعجزه الاقتصاديّه»، وتصنُّع الحياء لنظام من الرموز الاخلاقيّه جلبت للفنان عداوه كلّ مبشّري الاخلاق. لوحه «الرجل العاري» L`homme nu تمثيل مضحك لولد مشوّه براس كبير، بعضو ذكريّ مبالغ فيه. توجّه الناقد الفنيّ «فرانز داهلم» Franz Dahlem بسؤال للفنان عن هذا العمل، الذي شكّل «ركله في خصيه الالمان»، حسب تعبير الناقد، فاجابه بازليتز: «هذه عباره ممتازه قالها الناقد بعد عشر سنوات من تنفيذ العمل. لكنّ ردّه الفعل الاصليّه كانت مختلفه حتي لو انّ الناس شعروا بها بشكل لا شعوريّ. لا اعرف اذا كان لديهم خصيّات لاركلهم عليها. هذا العمل هو عمل مُحرّض، يترجم موقفي وموقعي...».

رسم الفنان ايضاً اقداماً مبتوره واعضاء ذكوريّه مبتوره وارجلاً وايدي ملطّخه بالاحمر والزهر...

يمتلك «بازليتز» جداره تقنيّه سمحت له باماله فنه بطريقه متدرّجه في التعاقب بين توافقات النبرات الحاميه والبارده، بين الكثافه والخفه، بين الدراما والسكون، بين الجوهري والفن التجريديّ المُقيم حيث موضوع اللوحه يمكث كعنصر بنائيّ منفذاً وظيفه رقابه لمنع الانحراف نحو المجانيّه (الاعتباطيّه).

ما يُسيّر عمل «بازليتز» هو ثنائيّه البناء والهدم. هو يُمركز موضوعه، كما يقول، انطلاقاً من الخارج باتجاه الداخل، من المحيط الي الداخل. يُركز الفنان عدائيّته علي الصوره الانسانيّه حيث الراس هو الدعامه الافضل لتعبيره الفنيّ. يجتمع فيه مفهومه التصويريّ الهدّام. لا يعمل الفنان بنيّه اخلاقيّه او برغبه لتحسين الاشياء. نيّته التصويريّه تنحسر بالراس. الاراده الهدّامه تتحوّل الي عامل تناسق جديد. نقطه انطلاقه هي العنف، في حين انّ النتيجه النهائيّه تبدو بنّاءه.

يري «بازليتز» انّ العالميّه ممله، وهو يفتخر بانتمائه الالمانيّ، وانّ الالمان لا يندمجون بسهوله في اطار العالميّه.

عن سؤال للفنان، طرحه احد النقاد، حول وجود مبادلات مثمره ومربحه بين الفن الاوروبيّ والفن الاميركيّ، او بالاحري نوع من التحدّي النهائيّ، اجاب انّ الفن بالنسبه اليه هو خلق الصور. الصور التي نحيا معها خُلقت في اوروبا ثمّ انتقلت الي اميركا في ما بعد. يري انّ الاوروبّيّين هرموا وتعبوا، وهم ليسوا الافضل. فالاميركيّون سهلو المراس، يُقيمون دراسات مطوّله بحماسه كبيره. يُمكن انهم اخذوا من الاوروبّيّين بعض الاشياء التي فقدوها. بالرغم من ذلك يري الفنان انّه في السنوات الاخيره ظهرت في اوروبا احداث كبيره، تصوير جديد، موسيقي جديده.. كما انّ الثقافه الاوروبّيّه الهرمه بقيت حيّه في حضن الانحلال. يندهش «بازليتز» دائماً من مقدره الاميركيّين علي رسم لوحات دون انشاء (مدرسه!) كما يفعل الاوروبّيّون. مردّ ذلك يُرجعه الفنان الي طريقه العيش في اميركا والموقف الفلسفيّ والدينيّ الذي هو اكثر اهمّيّه لتحقيق التحفه الفنيّه. ويري «بازليتز» انّ الفن هو فعل الفوضويّين، المتمرّدين، الخارجين عن النظام، يعني هذا الشيء انّ الفنانين منبوذون في السياق الاجتماعيّ.

سنتوقف اخيراً مع بعض الاقوال المنسوبه اليه وذلك لاهميّتها باعطاء صوره عن اعماله لما تحمله هذه الاقوال من كشف لبعض المستور فيها (الاعمال).

] «يُخلق العمل الفنيّ في راس فنان، ويبقي ايضاً في راسه. لا يوجد تطابق مع اي جمهور».

] «تعلق الامر باحجام صغيره وُجَد في وسطها في كلّ مرّه انف كبير. اذن، هي وجوه متخيّله للفنان «فون ريسكي» Von Rayski، التي اراني ايّاها عمّي في «دريسد» Dresde، والتي ادهشتني بشدّه. هذا هو التصوير، الذي بدوره، كان قد حصل بتاثير من التلطيخيّه Tachisme، لكن كان يوجد خُطّاف Un crochet في كلّ عمل. هذا الخطاف، كان الافق، او محفظه صغيره او دمعه. استعملتُ هذا الخطاف مرّات عده في اعمالي. ومن هنا بدات الصعوبات».

] «... انطلقُ بالضبط من النشاز، من القبح، من الانف الكبير، من العين الكفيفه، من اللحيه المُهمله، من ركيزه ثلاثيّه القوائم، من ارجل كبيره كثيره... الخ».

] «اللوحه هي لوحه مثاليّه، عطيّه من السماء، حتميّه - كشف... هي ملتبسه لانّ وراء القماشه الكثير ممّا نستطيع التفكير به. انّ مبادئ اللوحه: لون، بناء، شكل... الخ، هي عنيفه وصافيه... الزخارف هي المفاتيح. نظر الفنان داخل سرواله الداخليّ ورسم اقتصاد جسده علي القماشه».

] «قبل ان انفذ لوحاتي الاولي بعناصرها المقلوبه كلوحه «رجال قباله الشجره» قمتُ بالتجربه علي مدي عام، لاني كنتُ ابحث دائماً عن «عمل جديد». وقبل ذلك نفذتُ علي مدي سنوات لوحات فيها بعض العناصر المقلوبه لكنها ليست بهذه الفجاجه».

] «الموضوع L`objet لا يُعبّر اطلاقاً عن ايّ شيء. التلوين ليس وسيله للوصول الي النهايات، بل علي العكس، التلوين هو فعل مستقلّ. قلتُ لنفسي، اذا كانت الامور هكذا، فيجب ان امسك كلّ ما يُنشئ مادّه التصوير - علي سبيل المثال منظراً طبيعيّاً، وجهاً، عُرياً... وارسمها براس الي الاسفل. هذه هي الطريقه الفضلي لتحرير تمثيل محتواه».

] «انّ النظام السلسليّ او التراتبيّ، الذي يفرض وجود السماء في الاعلي والارض في الاسفل، ليس علي كلّ حال الا تقليداً اعتدنا عليه، لكنّا لسنا مجبرين علي الايمان به. بالنسبه لي، يتعلق الامر فقط بمعرفه امكانيه استطاعتي متابعه تنفيذ اللوحات».

] في ردّ علي سؤال قال: «... لوحاتي القديمه اصبحت متحرّره. استطيع ان انظر اليها بدهشه، لكنها لا تخدمني بشيء».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل