المحتوى الرئيسى

سؤال غزة والضفة

04/23 19:48

بدل ان تخوض معاركها مع الاحتلال, شرعت السلطة الفلسطينية بشن حرب جديده علي غزه وقطر, لان الاخيره شرعت في تنفيذ التزامها باعاده اعمار غزه, فاصبح اعمار غزه فصلا لها عن الضفه! فيما الكل يعرف ويصرح بان المعركه هي فقط للحصول علي صفقات الاعمار.

وقد سبق للسلطه الفلسطينيه ان قبضت ثمن المصالحه المزعومه مع حماس, والتي اقتصرت حقيقه علي تنصيب الحمد الله رئيسا للوزراء بدل هنيه (المنتخب كون حزبه فاز باغلبيه مقاعد السلطة التشريعية), ولكنها لم تدفع رواتب موظفيها في غزه بزعم معارضه اسرائيل لعبور الاموال لغزه.

اسرائيل تعارض ايضا مرور مواد اعمار ما دمرته بعدوانها الاخير علي غزه, وهو ما تتعذر به السلطه للمماطله في الاعمار ولرفع كُلَفه, متناسيه ان اسرائيل سربت شريط فيديو يثبت حث السلطه لاسرائيل لتقوم بذلك العدوان.

بالطبع لم يجر تحقيق نظرا لحال غزه التي بالكاد تحصل علي تحقيقات بشان جرائم اسرائيل بحقها, ويُضعف قضيتها ان تشكو من "ظلم ذوي القربي".. ولكنه تحقيق لم يفتح ايضا لحال "الضفه" الذي لا يقل سوءا, حيث "التنسيق الامني" مع المحتل يجري علنا ويعتبر جزءا اساسيا, ان لم يكن الجزء الاهم, من مهام سلطه عباس.

العجيب ان السلطه تغمز بطرف السفير القطري لديها (الذي يشرف علي مشاريع قطر الاعماريه في غزه) كونه دخل لغزه عبر معبر "ايريز", مع ان هذا بدهي لكون السفير كان قد اجتمع بالمسؤولين الاسرائيليين في القدس واستخلص منهم الموافقه -المتعذره علي السلطه- علي ادخال مستلزمات البناء لغزه عبر ذات معبر "ايريز", كون ادخالها عبر معبر "رفح" يستحيل الان.

والاعجب هنا ان تتهم السلطه قطر بانها لا تحاول فقط اضعاف عباس وسلطته بتجاوزهم, بل ايضا بتجاوز "الراعي المصري". فيما مصر اخرجت نفسها من دور الراعي, ولحينه لا نعرف ان كانت تريد العوده له ولكننا نعرف ان غزه لا يمكن ان تعيش شتاء اخر كالذي مر, ما يجعل مشروع الاعمار القطري ياتي تلبيه لحاجه انسانيه ملحه لا تجوز معها مثل هذه المماحكات او المساومات من قبل السلطه.

وناتي للاهم المتعلق بمصير او اقله مسار القضية الفلسطينية, وهو اتهام سلطه عباس لقطر بـ"فصل غزه" عن الضفه, ونبدا بحقيقه ان ذلك الفصل جري بما اسمي غزه- اريحا اولا, كاول اجراء يدشن اتفاقيه اوسلو.

وتستوقفنا عجائبيه ربط غزه باريحا فيما اسرائيل تتربع بينهما محتله لكامل الضفه الغربية, بل وكامل ارض فلسطين التاريخيه، فذلك اخطر من اوسلو (كونها اعلان مبادئ) والثابت انه من فعل محمود عباس شخصيا ومنفردا, كونه اسمي "اتفاقيه عباس-بيلين". فتلك الاتفاقيه التي عقدت سرا لم تقف عند ترجمه اتفاقيه اوسلو الي تفاصيلها المقيته بل زادت عليها, وبوضوح يمنع اي لبس مزعوم او حتي تفسير مشروع, لاوسلو ذاتها بغير ما ارادته اسرائيل.

وعباس -بعد ان اصبح رئيسا- هو من قام بفصل اريحا عن "سلطته" حين نقل احمد سعادات (المعتقل لدي عباس) من سجنه في رام الله لسجن اريحا, وسمح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بعبور الضفه الغربيه من غربها لاقصي شرقها لاخذ سعادات من قلب سجنه.. ونزع ورقه التوت عن سلطه عباس بتجريد قوات امنه ليس فقط من سلاحهم (هم حتما امروا بتسليمه) بل ومن ملابسهم العسكريه وتركهم فقط بملابسهم الداخليه! وهو اجراء ما كان يلزم لاستلام سعادات المتفق عليه, ولكن اسرائيل تعمدته لتسجيل وتثبيت حال قوات امن وسلطه عباس. وهذه ليست الحادثه الاولي ولا الاخيره, بل هي جزء من "التنسيق الامني" بين سلطه عباس وقوات وحكومات الاحتلال.

وقبول عرفات وعباس برام الله "مقرا" للسلطه خدم تغيب ذكر القدس كعاصمه للدوله المعلقه علي وعد عائم. وبالفعل اصبحت الاشاره لرام الله كعاصمه للجانب الفلسطيني رديفا للاشاره للقدس كعاصمه لاسرائيل. ومع ان بند القدس اجل البحث فيه في اوسلو وفي اتفاقيه "عباس-بيلين", الا ان الاخيره سلمت صراحه بان مدينه "اورشليم", والتي تعني في ادبيات وتوظيفات اسرائيل القدس الكبري وليس فقط المدينه المقدسه, هي العاصمه الابديه لاسرائيل.

وامعانا في الناي بنفسه عن اي مطلب يتعلق بالقدس, وعند بدء الحديث في عهد اوباما عن حل دائم للقضيه الفلسطينيه, جاء عباس لعمان ليضع المقدسات في عهده الملك عبد الله الثاني شخصيا! فمن الذي فصل القدس واريحا وما بينهما عن ولايه عباس في "رام الله"؟ ثم اليست هذه هي رام الله التي اجتاحتها اسرائيل لتحاصر عرفات في مقره, ثم لتتسلل اليه داخل ذلك المقر وتسممه؟

وعباس هو من فصَلَ عن سلطته كامل الضفه المحتله بان سلمها للمستوطنين. فحسب اتفاقيه عباس-بيلين, الدوله الفلسطينيه التي ستكون عاصمتها مجمع قري ابو ديس (بلده صائب عريقات) والعيزريه وسلوان خارج القدس، واسميت "القدس" دغدغه للمشاعر، وستقوم بعد اخضاع الفلسطينيين لـ"اختبار نوايا" حده الادني عشر سنوات والاقصي عشرون عاما.

وقد تعهد عباس في اتفاقيته تلك, بان "يحظر" علي السلطه الفلسطينيه طوال تلك الفتره اتخاذ اي اجراء من طرف واحد يحول دون تطور المستوطنات (بعمومها ودون استثناءات للقدس او غيرها) ديموغرافيا او عمرانيا، والان انتهت العشرون عاما كامله وتبدت نوايا المتعاقدَين بان عشش الاستيطان في كامل الضفه من القدس وحتي الاغوار. فماذا بقي من الضفه لم يُفصل عن سلطه عباس لتضم له غزه؟

الحقيقه ان غزه هي معضله القضيه الفلسطينيه بقدر ما هي القدس, في مواجهه كل الحلول المطروحه دوليا وعربيا. ولا ندري ما هو المطلوب من عباس فيها, او ما التزم به في شانها غير ما نراه من خنقها.

فللقضيه بعدان يحولان دون اي حل يرضي به الفلسطينيون وبالتالي العرب (لمن صدق في اشتراط حل يرضي الفلسطينيين) ويمكن الزام اسرائيل به, وهما البعد الديني والديموغرافي. والاول معروف ومتداول بغزاره, ويتجسد في القدس التي للديانات الثلاث ارتباط بها ما يجعلها فعلا مدينه السماء علي الارض, فيما اسرائيل تريدها مهوده. وقبول كونها "عاصمه موحده لاسرائيل" يعني اطلاق يد اسرائيل في اكمال تهويدها بالقضاء علي تراثها الاسلامي (جار منذ عام 1967) والمسيحي.. والاخير اسهل وليس اصعب كما يُظن, حيث امكن منذ زمن التمهيد له بتهويد المسيحيه كديانه عبر طوائف مستجده.

اما البعد الثاني -الديموغرافي- فلا يجري الحديث عنه صراحه كون اسرائيل تعمل عليه بطرق لا يمكن لها اعلانها, كونها تصل حد ترحيل شعب باسره عن ارضه التاريخيه. وهو امر لا يمكن قبوله تحت ايه ذريعه, وحتما ليس الذريعه الدينيه, في عالم علماني. ففصل الدين عن الدوله في ثورات شعوب اوروبا قبل اكثر من قرنين يعتبر الانجاز الاكبر الذي خرج باوروبا من الحكم الثيوقراطي للحكم الديمقراطي.

وبعدها بقرن ونيف, توالت ثورات لشعوب اخري علي الاستعمار وعدد من الدكتاتوريات في صيغه ثورات شيوعيه/اشتراكيه كرست ذلك الفصل عن الثيوقراط من جهه, وعززت من جهه اخري وعبر مناواه اوروبا واميركا للفكر الاشتراكي, الدعوات القوميه, واصبح شعار العالم الذي يقوده المعسكر الغربي حق "الاقوام" (بالمعني العلمي اي الشعوب التي عاشت في منطقه بعينها لقرون متواصله) في تقرير مصيرها.

وهنا لم يصمد زعم اليهود انهم قوم طويلا. فمؤخرا كثرت الدراسات التي تبين ان اليهود الذين احتلوا فلسطين منتصف القرن الماضي ومن استوطنوها بعد ذلك, اغلبيتهم الساحقه ليسوا من "القوم" الذين كانوا يسكنون بلاد الشام قبل ثلاثه الاف ودانوا بالديانه اليهوديه.

بل ان ما يجري تغليبه في كتب تبني علي ابحاث علميه ووثائق تاريخيه, ان يكون من يسمون "الفلسطينيين" الان هم سلاله القوم الذين دانوا باليهوديه, ثم تنصروا في غالبيتهم, ثم اسلموا في غالبيتهم ايضا, وهوما يفسر كون المسيحيين اقليه في بلاد الشام موطن المسيح.

ومن غادر البلاد من اليهود هم قله من الدعاه والحاخامات, والمنطقه التي اتيح لهم نشر اليهوديه فيها علي نطاق واسع بحيث تحولت لدوله هي اوروبا الشرقيه حيث قامت مملكه الخزر، اي ان غالبيه اليهود المعاصرين هم من سلاله شرق اوروبيه. فيما فلاحو فلسطين, اي الذين ملكوا وفلحوا ارضها متوارثينها لاجيال مغرقه في القدم, هم تحديدا من ترجح تلك الدراسات الانثروبولوجيه ان يكونوا الوثنيين او اتباع اليهوديه الذين تنصروا او اسلموا فيما بعد. فالفلاح تحديدا لا يترك ارضه.

واهم ما يميز هذه المؤلفات التي ظهرت مؤخرا (عرضت لها مفصلا في مقاله سابقه) ان مؤلفيها يهود, وجلهم من سكان اسرائيل, ولهذا تحديدا امكنهم ان يتحدوا تهمه "معاداه الساميه", ومؤلفاتهم دخلت قوائم الكتب الاكثر مبيعا في اسرائيل ذاتها. وهذا يسقط كليا مقوله "القوميه اليهوديه".

والاهم انه لا يسقط فقط شرعيه المطالبه بيهوديه الدوله, بل ويثبت حق الفلسطينيين في العوده لارضهم التي رحلوا عنها قسرا، وهذا لا يعني ترحيل غيرهم عن فلسطين, باستثناء ترحيل المستوطنين عن الاراضي المحتله عام 1967.

ان مشكله اسرائيل "الديموغرافيه" الاكبر تتمثل في قطاع غزة اكثر منها في الضفه, ولهذا انسحب شارون احاديا منها. فغالبيه سكان القطاع هم ممن رحلوا قسرا في حرب عام 1948، واسرائيل لم تكن تضمر فقط توسيع اراضيها لابعد مما اعطيته في قرار التقسيم عام 1947, بل كانت تهدف لطرد اكبر قدر ممكن من الفلسطينيين من المناطق التي اعطيت لها في ذلك القرار الجائر.

والمهجرون باتجاه الجنوب حلوا في قطاع غزه. والارجح انهم لم يلاحقوا لخارجها ومعهم اهل غزه, لكون الجبهه الاقوي عربيا كانت جبهه مصر(رغم قصه الاسلحه الفاسده التي ادت لثوره الضباط الاحرار), فقامت في قطاع غزه ثمانيه مخيمات كبري وسته صغيره للاجئين من بقيه مناطق فلسطين، ويقارب عدد المسجلين منهم لدي الاونروا المليون ونصف المليون ويشكلون ثلاثه ارباع سكان غزه المليونين. اي ان في غزه وحدها "لاجئين" يقارب عددهم تعداد العرب داخل اسرائيل, يملكون حق العوده لمدنهم وقراهم الاصل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل