المحتوى الرئيسى

"سيّيرا دي مويرتي".. ظل الحرب الأهلية الإسبانية بالجزائر

04/23 17:02

تشهد الحرب الاهليه الاسبانيه (1936-1939) حضورا واضحا في احداث المغامره السرديه الجديده "سيّيرا دي مويرتي" للروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي الصادره سنه 2015 عن منشورات "الرابطه الولائيه للفكر والابداع" بمدينة الوادي في الجزائر.

ويبدو من الوهله الاولي ان الكاتب اختار موضوعا غارقا في التاريخ العالمي المعاصر وبعيدا عن "محليته" الضيقه، غير ان قراءه المتن تبيّن عكس ذلك تماما. فاي رابط بين تلك الحرب التي كانت بمثابه "بروفه" تحضيريه للحرب العالميه الثانيه، ومدينه الكاتب (الجلفه) في منطقه "السهوب" الجزائريه علي بُعد 300 كيلومتر جنوب مدينة الجزائر؟

سرعان ما سيكتشف القارئ للمتن انه يتموضع في قلب التاريخ المحلي الجزائري، كما يجد نفسه في الوقت ذاته في قلب الحرب الاهليه الاسبانيه بكثير من تفاصيلها الانسانيه التي لا يمكن لكتب التاريخ ان تصوّرها بتلك الطريقه.

المكان هو "عين اسرار" الموجود بمنطقه الجلفه الجزائريه، والذي كان معتقلا زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر ووجد كثير من الجمهوريين الاسبان بعد هزيمتهم علي يد جيش الجنرال فرانكو انفسهم يُساقون اليه مكرهين، وهم يجترون مراره الهزيمه وخيبه المال في تلك المنطقه البارده.

وهذا المكان شكّل بعض ذكريات المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي عندما دفع فاتوره معاداته لحكومه فيشي زمن الحرب العالميه الثانيه وانقذ بعض الجزائريين حياته بعدما رفضوا اطلاق النار عليه داخل ذلك المعتقل، لتتغيّر حياته الفكريه الي الابد انطلاقا من تلك اللحظه الانسانيه النادره.

استطاع السارد في هذه الروايه اختصار الواقع الدولي الذي جرت فيه احداث الروايه في معتقل ببوابه الجنوب الجزائري، حيث اضطر كثير من المسيحيين والشيوعيين واليهود والمسلمين للعيش في ذلك المكان، وهو معادل موضوعي للحرب الطاحنه التي كانت تاكل العالم وقتئذ فاتت علي حياه عشرات الملايين وغيّرت الواقع الدولي الي الابد.

فان تعيش كل تلك "الملل" داخل معتقل مسلوبه الاراده يعني ان الموضوع يتعلّق بتصوير كاريكاتوري للعالم انكشفت كثير من اسراره في المكان الذي لا يزال يسمي الي الان "عين اسرار" او "عين الاسرار" كما جاء في المتن الروائي.

وبعيون الاسري الاسبان الذين انهكتهم الحرب الخاسره نقرا واقع الجزائريين في ذلك الوقت من سكان منطقه الجلفه، فالسكان الجزائريون رغم وضعهم البائس تحت نير الاحتلال الفرنسي وفي زمن الحرب العالميه الثانيه كانوا يساهمون في تهريب هؤلاء المساجين من المعتقل لقضاء اوقات خارجه.

ولئن كان السياق يقتضي طغيان العنصر الاسباني علي مجمل الاحداث، فان "الصبائحيه" -وهم فريق من الفرسان المحليين الذين كانوا مكلفين بحراسه المكان- كان لهم نصيب من الاحداث.

فـ"الصبائحي احمد" لم يكن مجرد شخصيه ثانويه، بل كان له تصرّف مصيري في صيروره الاحداث، فعندما كاد الاسبان يستعدون للقاء الموت "ظهر الصبائحي علي فرسه، ثم نزل وهو يعبر البوابه، ونظر الي اصدقائه من الحرّاس نظره عتاب، ولكنها كانت اكثر قسوه وهو يرفعها تجاه غرافال: لسنا نحن الذين نرفع السلاح في وجه الاسير، يا سيد غرافال. ازداد حنقه وهو يسمع عبارات التحدي منه، وتقدم منه، لكنه لم يجرؤ ان يرفع يده، او يقوم باي حركه، عطلته نظره الصبائحي القاسيه، وجعلته يكرر نفس الكلمات: افصلوا الاسبان.. افصلوا الاسبان".

وقبل ان يفكر بطل الروايه السيد مانويل في البحث في المكسيك عن "وطن بديل لاسبانيا" التي سيطرت عليها قوات فرانكو، كان قد تغيّر تماما مثلما حدث بعد ذلك مع المفكر الفرنسي روجيه غارودي علي يد "صبائحي" اخر خارج هذا المتن الروائي.

يواصل الروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي -الذي سبق له ان اصدر عمله الاول "سينما جاكوب" عن منشورات فيسيرا بالجزائر- الاشتغال علي الذاكره في هذا السفر الروائي الثاني، لكنه هذه المره يذهب الي التاريخ المعاصر ويختار منه زاويه تكاد تكون غير مطروقه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل