المحتوى الرئيسى

رأيان سخيفان.. فى أسبوع شم النسيم

04/21 11:05

لم يعد سني يسمح لي بان احتفل بشم النسيم علي النحو الذي كنمت احتفل به في الماضي. فلم يتح لي في هذا العام ان اري المحتلفين به الا من نافذه سيارتي التي اجتزت بها ذلك الشارع الجميل الذي يفصل بين الحديقه التي تضم متحف محتار، وبين ارض المعارض التي تضم دار الاوبرا، ثم ميدان سعد زغلول، فكوبري قصر النيل.

اضططرت لحسن الحظ الي تهدئه السير من كثره السيارات من ناحيه وكثره الناس الذين يحاولون العبور من رصيف الي اخر.

كان الوقت قبيل المغرب، والجو بديعا، والاعداد الغفيره من الناس تتكون كلها تقريبا من عائلات، الرجال والنساء فيها يجرون وراءهم اويحملون اطفالا، والنساء كلهن تقريبا محجبات. كان هناك شبان وشابات، خطيب او صديق بمسك بيد خطيبته او صديقته، او مجموعه من الشباب الذكور مستندين الي سور الكوبري ومستغرقين في الضحك، ياملون علي الارجح في ان تلتفت اليهم بعض الفتيات السائرات، بل وربما حظوا من احداهن بابتسامه، او منهمكين في التقاط الصدر، كانت البهجه عامج،والسرور واضحا علي جميع الوجوه، خاصه الاطفال، الذين ضمنت انهم نادرا ما يحضون بمثل هذا الاجتماع لعائلاتهم كلها، بمن في ذلك الاب الذي يستطيع اليوم الخروج معهم في اجازه، وقد قرر ان اليوم جدير بان ينفق فيه علي اولاده اكثر مما ينفقه في ايام اخري. لا عجب ان كثر باعه البالونات وغزل البنات والبطاطا.. الخ.

الغالبيه العظمي ممن رايت في تلك الفتره القصيره من شم النسيم، كانوا ينتمون الي طبيقه اجتماعيه محدده، نعرفها جميعا ليسوا بالطبع من سكان المباني المسوره وذات الحراسه الخاصه، ولا من مالكي السيارات، بل يتنقلون عاده بالميكروباسات، ويركب بعضهم الموتوسيكلات ومعهم احيانا زوجاتهم بل وربما طفل صغير ايضا. انهم ليسوا طبعا من عليه القوم الذين لهم وسائل اخري للاحتفال بالاعياد، ولا هم ممن بلغ بهم الفقر او العجز ما يمنعهم من الخروج من بيوتهم اصلا. هؤلاء الذين ايتهم يكفيهم للشعور بالبهجه الخروج الي مكان مفتوح، خاصه بجوار النيل، وفي جو جميل، فيرتدي الاطفال ملابس ذات الوان زاهيه وترضيهم ابسط الماكولات والمشروبات وتكفيهم طيله صغيره في مرمكب شراعي، او في حديقه صغيره، او حتي علي النجيل وسط الشارع المزدحم بالسيارات.

هذه الطبقه اصبحت هي التي تكون غالبيه الشعب المصري، علي الرغم من انهم نادرا ما يقعون تحت نظر المسئولين الكبار، بل ولا حتي مثقفيا الكبار. انهم يملاون الشوارع والحدائق في مثل هذه الايام فقط، وعلي الاخص في شم النسيم الذي يحض علي الخروج من المنازل، ولا يفرض ما تفرضه الاعياد من واجبات من زياره الاقارب وتبادل المعايده.. الخ. شم النسيم له اذن في مصر كثير من سمات الاحتفال الحقيقي والابتهاج الذي لاتشوبه شائبه، ولا يشك المرء في ان المصريين سوف يستمرون في الاحتفال به في المستقبل، كما استمروا في الاحتفال به لمئات (وربما الاف) من السنين.

في نفس اسبوع شم النسيح خرج علينا بعض الاشخاص برايين يصعب القول ايهما اسخف من الاخر. واحد يقول ان الاحتفال بشم النسيم حرام، والاخر يدعو عددا من النساء الي الذهاب الي ميدان التحرير، والوقوف فيه وهن يرتدين الحجاب، ثم يقمن بخلعه والقائه علي الارض في شبه مظاهره لاعلان انتهاء عصر ارتداء الحجاب، كما فعلت هدي شعراوي وبعض زميلاتها منذ نحو مائه عام، عندما قمن بخلع البرقع الذي كان يغطي وجهنن، في دعوه الي ان تخلع النساء المصريات مثلهن البرقع او النقاب، كان كلا الرايين من النوع الذي لا يحتاج الي تفكير طويل لرفضه، ولكن الذي يحتاج الي بعض الجهد هو توضيح اسباب هذا الرفض.

كانت المناظر التي رايتها في الطرقات وعلي امتداد كورنيش النيل، والتي رصفت بعضها حال، كافيه للتدليل علي رفض المصريين لكلا الرايين. فهم يحتفلون ويبتهجون ابتهاجا حقيقيا بشم النسيم، ولكنهم هم انفسهم الذين يعمرون المساجد ويتلون القران ويبخون اي شخص يرتكب عملا مما يعتبرونه معاصي حقيقيه. اذن فانهم لايمكن ان يتفقوا مع من يعتبر الاحتفال بشم النسيم حراما او معصيه، والغالبيه العظمي من النساء منهم، وعلي اختلاف اعمارهن، باستثناء الاطفال الصغار، محجبات. ولكن رايت كثيرات منهن يتكلمن ويضحكن مع شباب في مثل اعمارهن، ولايبدو انهم جميعا من افراد عائلاتهم.

انهن اذن، او كثيرات منهن، لا يرون في ارتداء الحجاب ذلك العائق العظيم الذي يقيد حريتهم، كما يتصور صاحب الراي الذي ينادي النساء بالقيام بمظاهره لخلعه.

الشعب المصري قام بمظاهره اذن، في يوم شم النسيم، لاعلان رفضه لكلا الرايين: رفض اعتبار شم النسيم حراما، ورفض خلع الحجاب، فم الذي ياتري يمكن ان يكون قد اردي بصاحب الراي او ذاك للوقوع في حد هذين الخطاين الجسيمين من المؤكد اولا ان كلا منهما لم يبذل الجهد الكافي لفهم حقيقيه الشخصيه المصريه، او تطور الظروف الاجتماعيه في مصر في نصف القرن الماضي. فالذي يقول بان الاحتفال بشم النسيم حرام، ويتوقع ان يصدقه المصريون ويتبعون رايه، لا يعرف فيما اظن كيف استطاع المصريون طوال تاريخهم ان يوفقوا توفيقا بديعها بين التدين وبين حب الحياه. هذه موهبه لا اعرف شعبا اخر استطاع ان يتفوق فيها علي المصريين، وهي تتفق في رايي مع ما يتسم به المصريون من حكمه، ان هذا الموقف هو موقف الشخص الحكيم الذي عرك الحياه وعركته. فعرف كيف يحكم علي الامور وانواع السلوك بما تنطوي عليه في الحقيقه وليس بما يظهر منها للناس، ويقيم الناس طبقا لنياتهم الحقيقيه، وليس طبقا لما يقولونه او ما يرتدونه من ملابس. هذا النوع من الناس يكمون عاده محبا للحياه والفرح، محبا للاطفال، شهما مع النساء، ومتسامحا مع الغير،كارها للتشاؤم والتجهم، مبتسما عاده ومحبا للضحك والنكته.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل