المحتوى الرئيسى

إبراهيم كامل يكتب: قطوف من تاريخ الأندلس(4)- الأخير | ساسة بوست

04/20 09:02

منذ 17 دقيقه، 20 ابريل,2015

امام نزيف الدويلات الاسلاميه بالاندلس لم يكن للاندلسيين مندوحه من طلب معونه اخوانهم عبر البحر وكانت قد بزغت عندهم قوه صحراويه كبيره هي المرابطين وقائدهم (يوسف بن تاشفين).

وكان (يوسف بن تاشفين) شرهًا وتواقًا لرفع رايه الاسلام في كل مكان فلم يتوانَ لحظه عن نجده المسلمين في الاندلس، وعبرت قوات المرابطين يقودها يوسف الي الاندلس وانضم اليه الاندلسيون ضد النصاري.

ودارات رحي معركه عظيمه تسمي (الزلاقه)، وانتصر المسلمون المتحدون – اندلسيون ومرابطون- علي خصيمهم الاسباني، ولم يتبق من جيشه البالغ اربعين الفًا سوي مائه او مئات.

بعد المعركه عاد (ابن تاشفين) الي المغرب، فاتاح الفرصه لـ(اذفونش ملك النصاري) ان يلتقط انفاسه. ودب النزاع بين الاندلسيين بعضهم وبعض، وبينهم وبين المرابطين، بل استعانوا بالنصاري في صراعهم مع بعض.

فعبر (يوسف بن تاشفين) الي الاندلس للمره الثانيه وقضي علي كل ممالك الطوائف ووحدها تحت لوائه باستثناء (سرقسطه)، ويبدو انه خشي من انه في حاله مساعدتهم من الممكن ان يقلق اهالي سرقسطه فيضطروا الي الاستسلام للنصاري، وقد كانت سرقسطه محاطه بالنصاري وممالكهم من كل اتجاه فراي (يوسف بن تاشفين) ان يترك امر الدفاع لاهل (سرقسطه) بقياده (بني هود).

وفي جوازه (عبوره) الثاني للاندلس اخذ يمكن لنفسه في الارض بعد ان اخضع الطوائف سياسيًّا له؛ فعهد بالمناصب العليا (الاماره- الولايه) الي المرابطين، واعتمد علي اهل الاندلس في المناصب الاخري (الكتابه- القضاء).

مات (يوسف بن تاشفين) وخلفه ابنه (علي بن يوسف). ويبدو ان (اذفونش السادس) قد اعتقد ان موت غريمه (يوسف بن تاشفين) يعني ان يعاود الظهور بالساحه الاندلسيه؛ فعاث في اقليم اشبيليه وارسل قائده الكبير (البارها نيث) لحصار المسلمين في اقليش حيث دارت معركه كبيره تسمي (اقليش) وتشبه الزلاقه في ضراوتها واهميتها، وانتهت الي هزيمه النصاري ومصرع سبعه من قوامسهم (كبار قاده بالكنيسه)، ومعهم ولد (اذفونش) الوحيد ويدعي (شانجه).

نتيجه لمعركه أقليش مات (اذفونش) غمًّا لفقد ولده وقاد (علي بن يوسف بن تاشفين) سلسله من الغزوات لاراضي النصاري واستولي في احداها علي (طلبيره) وعده حصون اخري وحاصر (طليلطه)، ولكنه لم يستطع ان ياخذها لمناعتها واكتفي بتخريب احوازها.

لم يغفل المرابطون امر (سرقسطه) وهي مملكه الطوائف الوحيده التي كانت خارجه عنهم، وكان صاحبها (عماد الدوله بن هود) قد ارتمي في احضان النصاري وافتي الفقهاء بخلعه ونجح المرابطون في دخول المدينه في سنه (503 هجريًّا) وكان استيلاؤهم عليها حافزًا لهم علي استعاده الجزائر الشرقيه (ميورقه- منورقه- يابسه) بعد ست سنوات.

علي ان المسلمين اصيبوا في سنه (512هجريًّا) بنكبه كبيره في (سرقسطه) تشبه نكبتهم الكبيره في سنه (478 هجريًّا) في طليطله. فقد استطاع ملك ارغونه (اذفونش الاول) والذي لقب بالمحارب ان يستولي علي (سرقسطه) والحق بالمسلمين هزيمه قاسيه في (معركه كتنده) عام (514 هجريًّا)، وفي اعقابها سقطت في يديه مدن عديده وايده النصاري المعاهدون بعده الاف من مقاتليهم، واخفق المرابطون في التصدي له.

ثم حاصر (اذفونش) مدينه (افراغه) حصارًا شديدًا وهرع المرابطون لنجدتها فدارت تحت اسوراها معركه انتصر فيها المرابطون علي النصاري، ومثلما مات اذفونش الليوني (صاحب ليون). بعد هزيمته غمًّا فكذا كانت حال (اذفونش الارغواني) صاحب ارغونه.

كانت معركه افراغه خاتمه المعارك الكبيره التي خاضها المرابطون بالاندلس ثم غرقت الاندلس في بحر الفتن والثورات من جديد، فلم ينسَ الاندلسيون ما فعله المرابطون معهم بعد سحق الطوائف وما جري من اذلالهم؛ فثاروا في سنه (514 هجريًّا) بقرطبه واشتدت ثوراتهم عندما ترامت اليهم اخبار الصراع بين المرابطين والموحدين، ومثلما حدث في زمن الطوائف فقد استنصر بعض زعماء هذه الثورات بملوك النصاري وخاصه (اذفونش السابع) ملك ليون، والذي عرف عند المسلمين بـ(السليطين)، وقد استطاع في النهايه ان يدخل قرطبه (العاصمه الاسلاميه)، وما لبث النصاري ان شكلوا حمله بحريه استولت علي ثغر المريه الكبير و(طرطوشه ولارده وافراغه ومكناسه) وكان ذلك انذارًا بسقوط دوله الاسلام بالاندلس، وكان احتلال العاصمه الاسلاميه ناقوس الخطر لبدايه السقوط الفعلي والحقيقي لدوله المسلمين بالاندلس.

كما كتب الله للاندلس قبله الحياه علي ايدي المرابطين، فكذلك اعطاها قبله اخري ربما تكون القبله الاخيره للحياه قبل السقوط، ولكن هذه المره علي يد القوه الناشئه في صحراء المغرب قوه الموحدين.

فشرع الموحدون في التوجه نحو الاندلس وبمجرد عبورهم انسحبت قوي النصاري من العاصمه الاسلاميه (قرطبه)، وكانت الاندلس تموج بالثوار الذين دخل بعضهم في طاعه الموحدين والبعض الاخر استمر في ثورته وكان من هؤلاء (بني غنيه وينتمون الي المرابطين) بالاضافه الي (محمد بن سعد بن مردنيش وصهره ابن همشك في مدينه مرسيه) وكان الصراع سجالًا بينهم وبين الموحدين.

نجح الموحدون في استرداد المريه واخماد ثوره (ابن مردنيش) وفي تلك الاثناء توفي

(ابو يعقوب يوسف) القائد الموحدي وخلفه ولده (أبو يوسف يعقوب) الذي تلقب بالمنصور، وفي عهده اشتد حمي القتال مع النصاري وبلغت اوجها في (معركه الأرك) بين الموحدين واذفونش الثامن (ملك النصاري) حينها، وكتب الله النصر للموحدين، وبعد المعركه توقف المد النصراني الي حين واستعاد المسلمون عده حصون في غربي الاندلس.

وكان اذفونش قد اعتزم ان ياخذ بثار هزيمته في الاراك وايدته البابويه كما ايدته الممالك الاسبانيه الاخري، واتاه صليبيون من انحاء اوروبا كافه ودارت رحي معركه عظيمه بينهم وبين الموحدين تسمي معركه (العقاب).

ومني المسلمون بهزيمه كبيره فعشره الاف منهم هلكوا في المعركه، وترتب علي تلك الموقعه ان بدات الدوله الموحديه في بلاد المغرب مرحله افولها، اما في الاندلس فان النصاري لم يتوانوا في استثمار الفرصه التي واتتهم بهزيمه المسلمين المروعه في العقاب، وتوالت سقوط المدن الأندلسية واحده تلو الاخري في ايدي النصاري ومنها (اشبيليه- جيان-مرسيه- بلنسيه) وكانت الفاجعه بدخول (فرذلند الثالث)، ملك (قشتاله) قرطبه في 22 شوال 633 -29 يونيو 1236.

بعد غروب شمس الموحدين عن الاندلس وقع عبء المقاومه علي اهل الاندلس انفسهم، وبرز علي الساحه زعيمان عربيان هما (محمد بن يوسف بن هود الجذامي – ومحمد بن يوسف بن نصر الانصاري الملقب بالشيخ).

وانتهت حياه الاول بالاغتيال في سنه 633 هجريًّا، اما الاخر ويعرف بـ(ابن الاحمر) ايضًا فاتخذ من مدينه غرناطه معقلًا له واتته اجناد من انحاء الاندلس وامتدت سيطرته الي مدن مجاوره، ولكن بعد سقوط قرطبه دخل في ولاء (ملك قشتاله) واعانه في الاستيلاء علي (اشبيليه).

تغيرت الخريطه السياسيه لبلاد الاندلس تمامًا فاصبح بها اربع ممالك او قوي سياسيه،

منها ثلاثه نصرانيه: (قشتاله- ارغونه- البرتغال) واخري اسلاميه: (غرناطه الاسلاميه) والتي شغلت مساحه تقدر بعشر البلاد، ورغم كونها اضعف هذه الممالك الا انها عاشت ما ينيف علي القرنين والنصف قرن (635-897).

والسبب الحقيقي لامتداد عمر غرناطه يكمن في الصراع بين الممالك النصرانيه الثلاثه، وفي النزاعات داخل المملكه الاساسيه (قشتاله)، وكانت غرناطه تتدخل في النزاعات احيانًا وتناصر فريقًا علي الاخر.

وتحددت سياسه (غرناطه) في مصانعه (ارغونه) المنافس الاقوي لـ(قشتاله) وايضًا في التحالف مع (بني مرين) سلاطين المغرب الاقصي، ولكن عندما يستبد الخوف في (غرناطه) من (بني مرين) تميل غرناطه الي مصانعه (قشتاله) وخلال المائه عام الاولي تبادلت (غرناطه – قشتاله) النصر والهزيمه.

وسرعان ما جرت تطورات افضت الي نتائج خطيره فضعفت مملكه غرناطه بسبب الصراع علي العرش داخلها، ثم افتقارها للظهير المغربي القوي، بذهاب دوله بني مرين في سنه 869 هجريًّا، ولم يكن خلفاؤهم من (بني وطاس) من القوه ليقدموا العون لمملكه غرناطه.

وفي المقابل حدث تطورات خطيره في اسبانيا النصرانيه ففي سنه (1474 ميلاديًّا) مات (انريك الرابع) ملك قشتاله وخلفته اخته (ايسابيل) التي كانت متزوجه من امير ارغونه (فرناندو)، ثم اتحدت المملكتان معًا ضد مسلمي غرناطه.

بدا (فرناندو– ايسابيل) حملتهما لغزو مملكه غرناطه واستغرق هذا الغزو عده سنوات، ولم يجد اهل غرناطه سبيلًا الا التفاوض مع اعدائهم وتم توقيع معاهده من ست وخمسين ماده (معاهده تسليم غرناطه).

وفي اليوم الثاني دخل الملكان المدينه ورفعت رايه القديس يعقوب اعلي الابراج بحمراء غرناطه، وانطلق الرهبان يرتلون: الحمد لله.

وكان اخر ملوك غرناطه هو (ابو عبد الله) الذي انتهي به المطاف بمغادره غرناطه والعيش في قريه اقتطعها له ملك اسبانيا فاقام بها فتره مديده، ثم رحل الي (فاس) ببلاد المغرب الي ان مات هناك سنه 940 هجريًّا.

وحينما غادر غرناطه وهو يبكي، قالت له امه قولتها التي خلدها التاريخ:

(ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه مثل الرجال).

وما زلنا نبكي كل يوم وليله علي الاندلس (الفردوس المفقود) تاره، وعلي فلسطين تاره اخري، وعلي كل جزء في وطننا الكبير الصغير. لا زالنا نبكي ولا نجد سلوي في ايامنا غير البكاء.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل