المحتوى الرئيسى

أهل الكهف واختراع الحلاوة | المصري اليوم

04/18 22:01

في كل مره تسافر صديقتي للخارج وتعود، تبادرني بسؤالها المعتاد: هل فاتني شيء؟ وارد نفس الاجابه في كل مره: «لا تقلقي ما فاتك سيعاد مره اخري، فنحن عالقون في الدوائر المغلقه منذ عقود طويله، ذات المشاكل وذات الجدل نعيد ونزيد فيها، لا شيء جديدا في الوطن الا الميلاد والممات».

الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، نحن مشغولون جدا باحوالنا عما يحدث في العالم من حولنا، لا نفهم من الملف النووي الأيراني الا علاقته بتمدد نفوذها في المنطقه، ولا يهمنا من الشان الاسرائيلي الا التاكيد علي ان حرب اكتوبر ستكون اخر الحروب، ولا نعرف عن الاختراعات الا الحلاوه سبريد «ده اختراع ياكوتش» واخر عهدنا باخبار المخترعين كان مع عبدالعاطي وجهاز «الكفته»!!!!

قالوا في الامثال: غير ولا تحسد، لكننا والحمد لله لا بنغير ولا بنحسد، اكتفينا من العالم بالكهف الذي نختبئ فيه منذ زمن، ومساهمتنا في العالم انتاجنا من الصراخ علي بعضنا البعض، ويكفينا الاستماع الي صدي اصواتنا، نختلف في تفسير ما نراه علي حائط الكهف من انعكاسات للاضواء الخارجيه، يفسره كل منا كما يحلو له، كل منا لديه يقين يجعله يقسم، وهو مرتاح الضمير، علي ان ما يراه هو الحقيقه ولا شيء سوي الحقيقه وما يدعيه الاخرون كذب وافتراء، ولسان حاله: الكهف كهفنا والحيطه حيطتنا.

الدول التي تشاركنا هذه الحاله، والتي اصبحت قليله ومهدده بالفناء مثلنا، تكتفي بثقافه النقل الشفهي والحكي، في مصر كثيرا ما نردد عباره «شوفتوا فلان قال ايه؟» ولا اعرف حتي الان ما السر وراء استخدام «شفت» بدل «سمعت»؟، المهم ان السرد الشفهي غالبا ما يختلط بالانطباع الشخصي والرؤيه الفرديه، وهو شيء مقبول وغير قابل للنقد في المجال الادبي، والفلكلور الشعبي يعتمد علي الحكي ونقل سيره الابطال بصوره تختلط فيها الحقائق بالخيال، والاماني بالاحلام، والي هذا الحد الامر يبدو مقبولاً بل طريفًا، ولكن عندما تسود الثقافه الشفهيه في مجتمع وتصبح بديلاً عن ثقافه القراءه والتعلم والتدبر والمنطق هنا يجب ان نتوقف ونعيد استقراء الواقع.

منذ فتره حكت لي زميله عن لقائها بصحفيه شابه واشادت بتفكيرها المنظم ومعلوماتها الغزيره ولكنها انهت روايتها بتوصيف الفتاه بقولها: «حسيت انها منفتحه زياده مش زينا» سمعت قولها ولم اعلق، وقابلت زميله اخري وسالتها عن ذات الصحفيه، فقالت: «غريبه شويه.. تحسي انها معقده» تعجبت من الفارق بين وجهتي النظر حتي قابلت الصحفيه الشابه شخصيا، وادركت ان كلا منهما كانت محقه في رايها من وجهه نظرها، فالفتاه ترتدي احدث خطوط الموضه، جاده وعمليه، فهي خريجه المدرسه الالمانيه ومن المتفوقات في كليه الاقتصاد قسم انجليزي، قليله الكلام، لكن افكارها مبدعه، بالنسبه للكثيرين كانت صعبه التنميط ونحن شعب اعتاد علي القوالب: فالحجاب مرادف للتدين والالتزام، ومن المتوقع ان تكون المحجبه بتصلي وتصوم وتقرا القران وتحرص علي صلاه التراويح في رمضان، اما الفتاه التي ترتدي الجينز وتترك شعرها «كورلي» فهذا معناه انها لا تقرا القران ولا تصلي بانتظام، جاهله بدينها ولا تسمع غير الاغاني الاجنبيه. والصحفيه الشابه كانت عصريه المظهر، ولكنها حريصه علي كل الفروض الدينيه كما قالت لي، كانت مختلفه عن زميلتي المحجبه واكثر عمقا من زميلتي بسيطه التفكير.

ذكرني ذلك بحكايه العميان الذين وصف كل منهم الفيل بالجزء الذي لمسه فقط، فهناك من قال انه عباره عن خرطوم طويل ومتحرك، والاخر لمس جلده فظن انه مجرد سطح متغضن.. الخ.

كلنا يري العالم من خلال وجهه نظره، وللاسف يظن انه فقط من يري الحقيقه بعينيه ويحاول جاهدًا وبكل الطرق فرض هذه الرؤيه علي من حوله، وان اختلف اخر معه نعته بالعمي او بالجهل واحيانًا بالكفر.

لم نعتد طبقًا لثقافتنا التي نعيش عليها ان نتصور ان ما نتناقله قد يكون خطا يوقعنا في اخطاء اكبر.. ولكم في المناظره التي تمت بين اسلام البحيري والحبيب الجفري واسامه الازهري مثال علي ذلك، فما دار حولها من نقل وتحريف واراء شخصيه متباينه يدل علي اننا مازلنا نصف الفيل ونحن معصوبو العينين، الجدل الذي حدث بين البحيري والجفري والازهري ليس بجديد، فهو مستمرعلي مدي تاريخنا وسيتكرر الي زمن لا يعلم مداه الا الله، ولن يستفيد منه احد لان الجميع لا يحرص علي الحق ولكنه حريص علي ان يكون وحده صاحبه وغيره علي باطل.

الي متي سنظل نياما في الكهف ؟؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل