المحتوى الرئيسى

الصين والولايات المتحدة وجهاً لوجه

04/18 09:01

رغم اتفاق المصالحه بين الرئيس الامريكي باراك أوباما والصيني شي، فان احتماليه المواجهه المسلحه بينهما ستظل قائمه طالما ظل جيش التحرير

الشيعيPLP صندوقاً اسود مغلقاً. ففي 12 نوفمبر 2014، وخلال مؤتمر صحفي عقد في بكين، وافق كل من السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني - شي جيبنج - والرئيس الامريكي باراك اوباما علي اخطار الجانب الاخر قبل اي انشطه عسكريه كبري، وتطوير مجموعه قواعد السلوك عند اللقاءات التي قد تقع بينهما في البحر والجو، وذلك من اجل تجنب مواجهات عسكريه بينهما في اسيا. وفي هذا الصدد صرح نائب مستشار الأمن القومي الامريكي – بن رودس «من المهم للغايه ان نتجنب تصعيد غير مقصود».. ونقلت صحيفه وول ستريت جورنال عنه: «ان اي ظرف عرضي من الممكن ان يؤدي الي شيء يعجل بنشوب صراع مسلح».

وقد اثارت هذه التصريحات قلقا كبيرا لدي المحللين السياسيين والاستراتيجيين حول احتمالات نشوب حرب بين الولايات المتحده والصين. ذلك انه علي مدي العقود الاربعه الاخيره، فان دراسه تطور المؤسسه العسكريه الصينيه، من خلال المتحدث مع مئات من عناصر الجيش الصيني، وجيش التحرير الشعبي PL، افادت صحيفه (السياسه الخارجيه FOREIGN A HAIRS) وقراءه مجلات ومواد استراتيجيه صينيه لا تعد ولا تحصي، بان ذلك محتمل. ذلك ان القيادات السياسيه والعسكريه الصينيه يعتقدون ان بلادهم تقع في مركز التخطيط الامريكي للحرب الكونيه القادمه، بمعني اخر تعتقد بكين ان الولايات المتحده تعد نفسها لصراع مسلح محتمل مع الصين، وهو الاحتمال الذي ينبغي علي الصين التحسب والاستعداد له علي اساس الفشل السياسي في تجنبه.

ولم يكن تصاعد حاله التوتر بين البلدين بسبب التوسع السريع في الميزانيه العسكريه الصينيه، ولان الولايات المتحده مستمره في الدفع بقوات بريه وبحريه وجويه متزايده في منطقه المحيط الهادي، كجزء من «استراتيجيه اعاده التوازن»، ولكن يرجع تصاعد حاله التوتر الي مشكله كبيره تواجهها المؤسسات الامنيه والعسكريه الامريكيه، وهي التعتيم الصيني، ففي الوقت الذي يسعد الولايات المتحده ان تسمع الرئيس الصيني شي يوافق علي توجيه جيش التحرير الشيعي PLA لان يكون اكثر انفتاحا تجاه الولايات المتحده، فانه من المشكوك فيه ان يؤدي ذلك الي احداث تغيرات حقيقيه في الاستراتيجيه الامريكيه المعاديه للصين.

ولذلك اعربت واشنطن عن استعدادها لتقاسم حجم كبير من المعلومات العسكريه مع الصين من اجل تقليل احتمالات سوء الفهم او سوء التقدير ، فضلا عن العقبات التي قد تعوق الاتصالات بين البلدين «ولكن القياده الصينيه التي تستفيد من حاله التشويق المتعمد، والتكتيكات غير المتماثله، وترفض التواصل مع امريكا حول نواياها العسكريه»، علي حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس خلال زيارته للصين في يناير 2011.

ورغم الدعوات المتكرره من المسئولين الامريكيين لنظرائهم الصينيين لبدء حوار حول القضايا العسكريه الرئيسيه، فقد اتضح ان بكين غير مستعده لمناقشه هذه القضايا.. مثل تكوين قوه الانتشار السريع ونطاقه ومدي عملها ونوايا استخدامها، تطوير الصين لتقنيات خاصه يمكن ان تعرقل عمليات القوات البحرية الأمريكية في المنطقه، هذا فضلا عن تورط الجيش الصيني في هجمات الكترونيه (السبرانيه) CYBERATTACKS ضد الولايات المتحده.. الي غير ذلك من المواضيع الاستراتيجيه التي يفيد تواصل البلدين حولها في تقليل الاحتكاك بين الجانبين. واحيانا كما في عام 2010 بعد مبيعات الاسلحه الامريكيه الي تايوان – قطعت بكين الاتصالات بين المؤسستين العسكريتين في البلدين – مما ادي الي صمت معلق لدي واشنطن.

ونتيجه لذلك، يتوافر قدر كبير من عدم الثقه المتناميه في نوايا الصين بين المفكرين السياسيين والعسكريين في الاداره الامريكيه. وقد شكا الكثيرون من الضباط الصينيين من المقالات التي تنشرها المجلات العسكريه الامريكيه – خاصه من كليه الحرب الامريكيه – سيناريوهات متوقعه لحرب امريكيه مع الصين، وكيف ممكن للولايات المتحده ان تنتصر فيها. فعلي سبيل المثال نشرت مجله معهد البحريه الامريكيه (PROCEEDING MAGGIE) في فبراير 2014 مقالا بعنون «ردع التنين» يقترح زرع الغام هجوميه تحت الماء بطول الساحل الصيني لاغلاق الموانئ الرئيسيه في الصين، وقطع وتدمير خطوط مواصلاتها البحريه. كما اقترحت هذه المقاله ارسال قوات عمليات خاصه لتسليح ودعم الاقليات المعارضه في المناطق الغربيه الشاسعه في الصين، حيث تتواجد اقليات معارضه معظمها مسلمه.

الا ان الصين فعلت نفس الشيء، ففي عام 2013 قام كل من الجنرال بنج جوانجكيان، والجنرال ياو يوزهي بتحديث نصوص «علم الإستراتيجية العسكرية»، ودعا المسئولين العسكريين في بكين الي تطوير الترسانه النوويه الصينيه علي الصعيدين الكمي والنوعي، وذلك من اجل اغلاق الفجوه بين كل من الصين وروسيا والولايات المتحده في هذا المجال. وحتي ما يطلق عليه (نموذج XI الجديد) في شان العلاقات بين القوي العظمي يبدو انه يحول دون استكمال مفاوضات الحد من الاسلحه الاستراتيجيه، وحتي تستسلم الولايات المتحده لمفهوم حتميه صعود الصين.

وقد يفاجا كثير من الناس خارج البنتاجون كيف ان كثيرا من كبار المسئولين الامريكيين يبدون قلقهم حول احتمالات نشوب حرب مع الصين. وهؤلاء يشملون ليس اقل من اثنين من وزراء الدفاع السابقين ووزير خارجيه اسبق، ففي الفصل الختامي من كتاب هنري كيسنجر (علي الصين ON CHINA) الذي صدر عام 2011، حذر من حرب واسعه بين الصين وامريكا علي غرار الحرب العالميه الاولي، متسائلا «هل يعيد التاريخ نفسه؟».

وعلي الاقل خلال العقد الاخير، قامت الولايات المتحده خلال عده مناسبات بالضغط علي الصين لكي تكشف وبصراحه كامله علي نواياها وقدراتها العسكريه. وفي ابريل 2006 وعقب لقاء بين الرئيس الامريكي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، والرئيس الصيني هو جينتاو، اعلنت كلتا الحكومتين بدء محادثات بينهما علي مستوي قاده القوات النوويه الاستراتيجيه. وكانت هذه الخطوه في غايه الاهميه لاظهار الانفتاح حول النوايا العسكريه للدولتين، الا ان تدخل جيش التحرير الشعبي الصيني PLA اوقف بدء المحادثات.

وفي رحله الي بكين في عام 2012 قام بها وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا، حاول فيها حث بكين علي الدخول في محادثات عسكريه. وعلي طريق سلفه روبرت جيتس، دعا بانيتا الي فتح حوار استراتيجي حول اربعه موضوعات: الاسلحه النوويه، الصواريخ الدفاعيه، الفضاء الخارجي، والامن السيبراني. الا ان الصينيين اعترضوا، ومره اخري لم تتم اي محادثات.

ومن المؤكد ان باستطاعه بكين ان تتابع الاتفاقيات التي تم الاعلان عنها في زياره اوباما الاخيره. ولكن الشكوك حول ذلك لا تزال قائمه. ذلك ان واحده من اكبر المزايا التي تتمتع بها الصين وتتميز بها عن الولايات المتحده هو تفوقها في معرفه الحرب اللامتماثله ASYMMETRY OF MILITARY KNOWLEDGE، فلماذا يتخلون عن هذه الميزه؟

اعلنت الصين مؤخرا رفع قيمه موازنتها العسكريه 10.1٪ لتبلغ 886.9 بليون يوان (144.2 بليون دولار) في عام 2015. ولم تنظر دول غربيه ووسائل اعلامها بعين الرضا الي هذه الزياده، حيث تسوق مخاوف متخيله عن هذه الموازنه العسكريه الضخمه. الا ان نسبه رفع الموازنه العسكريه الصينيه البالغه 10.1% هي ادني الزيادات في الموازنات الدفاعيه الصينيه في الاعوام الخمسه الاخيره. وهي تتماشي مع تراجع نسبه النمو الاقتصادي الصيني، وتبرز الحاجه الي اموال لتحديث الجيش الصيني وضمان التزام الصين بالنمو السلمي. وقد اعتبر معلقون صينيون ان موازنه بكين العسكريه ليست كبيره بالنسبه لبلد يزيد عدد سكانه علي 1.3 بليون نسمه ومساحه تبلغ 9.6 مليون كم مربع. لاسيما وان هذه الميزانيه تقتصر علي 1.5٪ من اجمالي الناتج القومي للصين. هذا في وقت تبلغ الموازنه الدفاعيه للولايات المتحده 4.5% من ناتجها القومي، وذلك علي رغم تقليص النفقات العسكريه في السنوات الاخيره، كما تعتبر الصين من اكبر المساهمين في عمليات السلام التي تنهض بها هيئه الامم المتحده، كما ان عدد الجنود الصينيين المشاركين في عمليات الامم المتحده هو الاكبر بين الدول الخمس دائمي العضويه في مجلس الامن، وموازنتها العسكريه هي الادني بين هذه الدول قياسا الي ناتجها القومي.. حيث ارسلت الصين 27 الف جندي علي مدي 25 سنه الماضيه للمشاركه في عمليات حفظ السلام وقطعت اشواطا كبيره في المفاوضات مع جيبوتي لاقامه قاعدة عسكرية تطل علي باب المندب. وتستاثر افريقيا باعتبارها قاره غنيه بالمواد الاوليه باهتمام خاص من القاده الصينيين. لذلك لم يكن غريبا ان تضاعف الصين من حجم مساعداتها لافريقيا لتصل الي 20 بليون دولار، وبذلك استحوذت علي المرتبه الاولي التي كانت تحتلها الولايات المتحده. كما تعتبر الصين الشريك التجاري الاول للقاره الافريقيه بعدما وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الي 50 بليون دولار، وهو ما يشكل 10% من التجاره الخارجيه للصين.

تعتبر بكين ان زياره الانفاق العسكري الصيني يدخل في اطار الاجراءات الاصلاحيه حيث تسعي الصين الي ردم الهوه العسكريه بينها وبين غيرها من الدول الكبري في المجال التكنولوجي. ومرد هذه الهوه الي الاهمال وضعف التمويل في هذا المجال في الثمانينيات والتسعينيات. وقد بالغ بعض المحللين الغربيين في الكلام عن زياده الصين عدد غواصاتها النوويه، واغفلوا عمدا ان الهوه كبيره بين قدراتها الصاروخيه والقدرات الامريكيه الصاروخيه. ولا نخفي ان الصين تجابه عددا لا يستهان به من التحديات الخارجيه.. فمع تصاعد التوتر في بحر جنوب الصين ونحو شرق الصين، واقرار اليابان اكبر موازنه عسكريه لها في يناير الماضي، فانه يتعين علي الصين ان تعد العده لمواجهه نزعات اليابان العسكريه، وبناء قوتها لردع النزاعات او حرب قد تشنها دوله مجاوره، كما لا يجوز اغفال الطبيعه الدفاعيه لسياسة الصين العسكريه واستراتيجيتها.

الا ان ثمه قلقاً يتنامي في انحاء الصين ازاء سبل استخدام الموازنه العسكريه في وقت يتم فيه ملاحقه عدد متزايد من المسئولين العسكريين الفاسدين. ففي 2 من شهر مارس الجاري نشرت السلطات العسكريه الصينيه لائحه باسماء 14 جنرالا بلا حقوق بتهمه الابتزاز والفساد او ادينوا بهذه التهمه ومن هؤلاء (جووا زهنج جانج) وغيره من المسئولين رفيعي المستوي في وحدات مختلفه من الجيش، ويقول المسئولون الصينيون ان فتح التحقيق مع هؤلاء المسئولين الكبار الفاسدين هو دليل وقرينه بائنه علي ان مساعي مكافحه الفساد المالي لا حدود لها، وتندرج في سياق الحمله الوطنيه لمكافحه الفساد. وقد وصف الاعلام الصيني المسئولين الفاسدين بانهم «مهووسون بالاختلاس والرشاوي للنزول علي رغباتهم ونزواتهم، ويرجح انهم لا يلتزمون بواجباتهم في حمايه البلد، وانهم مثل حبات التفاح الفاسد التي تنتشر عدواها في الشجره كلها، كما يقوضون اخلاق المؤسسه العسكريه ومراتب القياده والمراقبه والقتال والاحتياط، ولكن اعدادهم ضئيله من مجمل المسئولين العسكريين الذين يرفضون تبديد الموارد العسكريه ويطالبون بمكافحه الفساد والاشراف علي الموازنه العسكريه، التي يجب ان تخصص المزيد من الموارد للابحاث وتطوير تكنولوجيات دفاعيه متقدمه، وتحديث الاسلحه، وتحسين مستوي معيشه الجنود (جلوبال تايمز الصينيه في 8/3/2015).

اولويه الغايات والاهداف القوميه الصينيه

يتفق معظم المحللين الغربيين علي ان اولويه الاهداف القوميه الصينيه تتمثل في تحقيق التقدم الاقتصادي السريع والدائم، ورفع مستويات التقنيه والعلوم والصناعه، واكتشاف وتطوير الموارد القوميه الكامنه في باطن الارض والبحر، وتامين طريقها للوصول الي الموارد الكونيه في العالم وفي الفضاء. هذا فضلا عن هدف قومي اخر لا يقل اهميه عن الهدف الاقتصادي يتمثل في وحده الاراضي الصينيه واستعاده السيطره علي ما تبقي منها خارج سيطره نظام الحكم القائم في بكين، حيث حلت الاعتبارات القوميه بدلاً عن الشيوعيه كرابطه تربط النظام الحاكم بالشعب الصيني. لذلك حرصت بكين علي استعاده السيطره علي هونج كونج في عام 1997 والقضاء علي القوي المعارضه فيها، وكذلك جزيره مكاو في عام 1999، واليوم يعتبر الهدف الصيني القريب والمباشر هو استعاده تايوان رغم انها تتمتع بالحمايه الامريكيه، ثم ياتي في المقام الثالث من الاهداف القوميه الصينيه ضروره ان تكون الصين دوله عظمي ولاعبا دولياً مستقلاً.

من ناحيه اخري، فان الصين برهنت بوضوح علي ان نزعتها البرجماتيه وتركيزها علي بناء اقتصادها، لا يعنيان تخليها عن بناء قوه عسكريه متطوره ولقد زادت القدرات الاقتصاديه والعلميه المتناميه للصين دعماً يمكنها من تحديث قوتها العسكريه وتطويرها، وفي ذلك تتعاون الصين مع روسيا، وكلاهما يطالب بنظام عالمي متعدد الاقطاب ورافضتان لاستمرار الهيمنه الامريكيه علي العالم.

وتعتقد الصين ان السياسه الامريكيه تجاهها تقوم علي اساس تكبيلها، وتفكيك نظامها السياسي، وهو الفهم الصيني لما يسميه الاستراتيجيون الامريكيون بسياسه «الجذب والادراج» اي جذب الصين بالتلويح لها بالمساعدات التقنيه والاقتصاديه وفتح الاسواق امامها، وبما يعني في النهايه ادراج الصين في مدار الفلك الامريكي، وليس ادراجها في مسارات العلاقات الدوليه المختلفه. وهناك الكثير من الممارسات التي تؤكد هذا الاقتناع لدي الصينيين، منها علي سبيل المثال استمرار عمليات التجسس الامريكيه علي السواحل الصينيه، وصفقات السلاح التي تعقدها الولايات المتحده مع تايوان، ومحاولات قطع الطريق علي تنميه وتحديث الصين بدعوي تطبيقها نظاما سياسيا غير ديمقراطي، وهو ما تعمل الصين علي تحديه بتفعيل معاهده الشراكه الاستراتيجيه الروسيه – الصينيه، التي ابرمت في يوليو 2001 واسفرت عن اضخم صفقه عسكريه انذاك لبيع طائرات سوخوي طراز (MKK-30) تصل قيمتها الي 2 مليار دولار، وبالتعاون الاستراتيجي مع دول وسط وشرق اسيا ، وبناء تحالفات دفاعيه معها.

التقييم الامريكي للقوه العسكريه الصينيه

تختلف اراء الاستراتيجيين الامريكيين حول تقييم قوه الصين العسكريه وما تشكله من تهديد للولايات المتحده، ولا سيما في اطار القوه الاستراتيجيه الشامله للصين. فبينما يهون بعض الاستراتيجيين الامريكيين من خطر الصين في مجال الاسلحه النوويه والصاروخيه، اذ يرون امامهم طريقا طويلا عليها ان تقطعه حتي تلحق بركب الولايات المتحده وروسيا، فان اخرين لا يرون ذلك ويعتبرون ان قوه الصين من الصواريخ عابره القارات والمزوده برؤوس نوويه متعدده قادره علي الحاق دمار كبير بالولايات المتحده اذا ما استخدمت، خاصه ان الصين ستكون قادره علي استيعاب الضربات النوويه الامريكيه وامتصاصها، واستمرار فرض التحدي في مواجهه الولايات المتحده، بالنظر لما تتمتع به الصين من قدرات جيوبوليتيكيه ضخمه خاصه فيما يتعلق منها بالقوه البشريه والمساحه الشاسعه، لذلك يصنفها فريق من المخططين الامريكيين باعتبارها من اخطر «الدول المارقه»، خاصه وانها متهمه بتزويد قائمه من تلك الدول في الشرق الاوسط بالتقنيه الصاروخيه والنوويه، وبانها وراء التطور المتسارع للتقنيه الصاروخيه في دول العالم الثالث، حيث اكتشفت بعض هذه الدول جدوي السلاح الصاروخي في ردع اعدائها مع قله تكلفته الماديه – لا سيما اذا كان صينياً او كوري شمالي مقارنه بالصواريخ الباليستيه الغربيه – فاندفعت وراء اقتنائه او تصنيعه محلياً.

ولان الصين تدرك تماما هدف الولايات المتحده من وراء تجديدها من سلاحها الصاروخي نهائيا، ونظرا لان مخزون الصين من الرؤوس النوويه التي يمكن ان تحملها الصواريخ الباليستيه محدود مقارنه بما لدي روسيا، فان الولايات المتحده لا تسعي الي تخفيض عدد الرؤوس النوويه كما هو الحال مع روسيا في معاهدات (ستارت) ولكن الي ازاله الرؤوس النوويه الصينيه نهائياً. لذلك فان مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي في مواجهه الصين يعتبر ايضا امر ضروريا من وجهه النظر الامريكيه، حيث يحميها من هجوم صاروخي نووي صيني. ونتيجه لادراك بكين لهذه الحقيقه، بالاضافه لادراكها رغبه امريكا في دفع الصين نحو سباق لتسلح صاروخي يرهق اقتصادها الواعد، ويسبب لها مشكلات سياسيه واجتماعيه علي النحو الذي مارسته امريكا في الاتحاد السوفيتي السابق، وتسبب في سقوطه وتفككه، فان بكين لن تسمح لواشنطن بان تحقق اهدافها هذه، لذلك ستتعامل مع برنامج الدفاع الصاروخي الامريكي بحذر شديد متعاونه في ذلك مع روسيا.

ولان استعاده تايوان ذات اهميه قصوي في الاستراتيجيه الصينيه، ولان الصين تخشي ان يمثل نظام الدفاع الصاروخي الامريكي مظله حمايه لتايوان، فقد اهتمت الصين بتشييد قاعده صاروخيه تبعد 480 كم عن تايوان، مع وضع خطه لنشر 50 صاروخاً باليستياً جديداً كل سنه في مواجهه تايوان، وقد وصل عدد هذه الصواريخ الباليستيه الصينيه المنتشره قرب مضيق تايوان الي نحو 1000 صاروخ متوسط المدي، كما اهتمت الصين كذلك بتحدي الضغط المتزايد الجاري عليها من قبل امريكا لبيع نظام الدفاع الصاروخي المتطور «ايجبس» الي تايوان وهو النظام الذي يمكن تحميله في قطع بحريه.

ومن المؤكد ان قلق الصين اكبر من القلق الروسي ازاء برنامج الدفاع الصاروخي الامريكي، ذلك ان مقدره الصين الردعيه الصاروخيه الصغيره (نحو100 صاروخ باليستي عابر القارات) ستكون مهدده بشكل مباشر خلال المرحله الاولي من مخطط نشر نظام الدفاع الصاروخي القومي الامريكي MNO وهنا يبرز السؤال حول الكيفيه التي سترد بها الصين علي نشر هذا النظام؟.. تشير الاختبارات الصينيه الاخيره علي الصواريخ انها تضمنت اجراءات مضاده ستنشرها الصين في المستقبل تستهدف تبديد الصواريخ المعاديه التي تهاجمها وتفجيرها في الجو قبل ان تصل الي الاراضي الصينيه بيد ان الضغط المتزايد علي العلاقات الصينيه – الامريكيه سيقوي موقف القائلين في بكين بوجوب بناء قوه نوويه صينيه كبيره لاسيما ان الصين قادره علي توسيع قواها النوويه وصواريخها الباليستيه بعيده المدي في العقود المقبله عبر بناء صواريخ بالستيه هجوميه اضافيه ، خاصه ذات الرؤوس الحربيه المتعدده وتزويدها بتقنيات قادره علي اختراق نظام الدفاع الصاروخي الامريكي.

ومنذ اللحظه الاولي لاعلان الرئيس الامريكي بوش قراره بتنفيذ مشروع الدفاع الصاروخي، صدرت تحذيرات مختلفه عن بكين يؤكد ان «نظاما كهذا لن يشعل فقط سباقاً للتسلح، بل سيهدد ايضا السلم والامن العالميين في القرن الحادي والعشرين». ووصف مندوب الصين في مجلس الامن (سياو دي) هذا المشروع الامريكي بانه «شكل خفي من اشكال التوسع في الاسلحه النوويه من جانب واحد، ويعطل بشكل كبير السيطره الدوليه علي الاسلحه وعمليه نزع السلاح، ويثير سباقا جديدا للتسلح. وكما فعلت موسكو في وقت سابق، وجهت بكين تحذيراً الي واشنطن من مغبه التخلي عن معاهده الانظمه الدفاعيه المضاده للصواريخ الباليستيه لعام 1972، ودعمت ذلك بتوثيق التعاون الاستراتيجي بينها وبين روسيا في المجال التقني من اجل ارساء اسس مشتركه لمواجهه المشروع الامريكي والتقليل من فاعليته.

وطبقا لتقديرات الخبراء الاستراتيجيين الغربيين، فالي جانب امتلاك الصين حوالي 100 صاروخ عابر للقارات طراز DF-5A الذي يصل مداه الي 13.000 كم وهو قادر علي حمل راس نووي زنه 3 اطنان فانها تملك ايضاً نحو 500 راس نوويه. كما تشير التقديرات، كما نجحت الصين في تطوير صواريخ احدث DF-31 الذي يصل مداه الي 8000 كم، وباستطاعته الوصول الي الساحل الغربي للولايات المتحده، وايضا الصاروخ DF-41 الذي يصل مداه الي 12000 كم، ويمكنه حمل عده رؤوس نوويه بعضها خداعيه لخداع اجهزه الاستشعار في الصواريخ المضاده الامريكيه، بالاضافه للصاروخ جونج-2 الذي يصل مداه الي 8000 كم ويحمل راسا نووي واحداً او ثلاثه رؤوس نوويه فرعيه، وقد اجرت الصين تجارب ميدانيه علي هذه الصواريخ.

ومن المؤكد ان الصين تملك الموارد الماليه التي تمكنها من صنع الصواريخ والرؤوس الحربيه التي تواجه بها مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي، وبحلول عام 2020 يتوقع ان تملك الصين حوالي 200 صاروخ نووي عابر للقارات من طرازي DF-39، DF-41 قادره علي الحركه الذاتيه اضافه الي نحو 50 راساً نووياً، خاصه تلك الصواريخ، كما ستكون البحريه الصينيه قد امتلكت في عام 2020 عشر غواصات نوويه مسلحه بصواريخ بحر/ارض طراز (جوادنج2) المزوده بعده رؤوس نوويه. ويقدر تعزيز كوكس العسكري الامريكي ان الصين ستصبح مالكه لنحو 1500 راس نووي في عام 2020، مما سيعطيها وزناً، مؤكداً تنامي القوه علي الساحه العالميه. ولن تكون الاموال عائقا امام تحقيق هذا الهدف، اذ ان صناعه 200 صاروخ باليستي عابر للقارات يكلف نحو 2 مليار دولار، وهو مبلغ يشكل اقل من 2% من احتياطي العمله الاجنبيه في الصين. وتعتمد الصين استراتيجيه (الاغراق الصاروخي) في التعامل مع الدول المعاديه لها – وفي مقدمتها الولايات المتحده – بحيث يتم قصف الاهداف المعاديه باكثر من ضعف ما تستحقه من صواريخ لتعويض ما ستعترضه الصواريخ المضاده الامريكيه وتسقطها، ربما تعجز معه شبكه الصواريخ المضاده الامريكيه عن الدفاع عن مئات الاهداف الاستراتيجيه الامريكيه التي ستستهدفها الصواريخ الباليستيه النوويه الصينيه والروسيه، ربما يضمن في النهايه وصول نسبه لا تقل عن 30% من الصواريخ الصينيه الي اهدافها.

ومن اجل عرقله مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي تقود الصين ومعها روسيا مقاومه عالميه لهذا المشروع، وذلك من خلال منظمه «شنغهاي للتعاون» التي تضم روسيا وكازخستان وقرغيزيا وطاجاكستان واوزباكستان، وجميعها ترفض مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي، وتطالب بالابقاء علي معاهده الانظمه الدفاعيه الصاروخيه الباليستيه لعام 1972 واعلنت بكين انها ستقاوم نشر عناصر المشروع الامريكي في تايوان واليابان. كما تعاند الصين امريكا في مناطق ذات اهميه استراتيجيه لها لارباك واشنطن والتشويق علي خططها، كتقديم صواريخ باليستيه ومساعدات تقنيه واسلحه حديثه لكل من ايران وباكستان. حيث زادت الصين مبيعاتها من الصواريخ الباليستيه M-11 للدولتين، وهو ما حفز الدول العربيه الخليجيه علي امتلاك انظمه صواريخ مضاده للصواريخ. مثل باتريوت باك -3- وايضا الهند التي قامت ببناء حوالي 500 راس نووي لمواجهه التنديدات الصينيه والباكستانيه، وهو ما يعني تصعيد سباق التسلح في جنوب ووسط اسيا. كما تقاوم الصين نشر اي عناصر من نظام الدفاع الصاروخي الامريكي – سواء الاستراتيجي (NMD) لنشر صواريخ مضاده للصواريخ في الولايات الامريكيه وقواعدها العسكريه في اوروبا واسيا NATIONAL MISSILE DEFENSE او مشروع الدفاع الصاروخي عن مسرح العمليات (TMD) في الدوائر الاقليميه THESTER MISSILE DEFENSE بالاضافه لتكثيف الصين عمليات تجسس عميقه ضد الولايات المتحده، وفي اطار جميع هذه الخطوات الصينيه ستحرص بكين علي عدم تمكين واشنطن من تحقيق هدفها بتوريط الصين في سباق تسلح يؤدي الي انهاكها اقتصاديا كما فعلت واشنطن مع الاتحاد السوفيتي السابق. مع وضع هدف استعاده الصين سيطرتها علي تايوان باستمرار في قمه اولوياتها السياسيه والاستراتيجيه، والا تسمح لامريكا بان يستمر الوضع الحالي في تايوان الي ما لا نهايه، مع حرص الصين علي عدم تعريض العلاقات الامريكيه – الصينيه للخطر، والا تعطي الصين الفرصه للولايات المتحده لفرض عقوبات اقتصاديه علي الصين، ربما يؤدي الي نقل التقنيه الامريكيه والاستثمار المباشر ووصول الصين الي الولايات المتحده باعتبارها تريد تخويف الصين وابتزازها توطئه لاحتوائها، وحتي لا تعرقل خطط الولايات المتحده لبسط هيمنتها علي شرق اسيا في المقابل ستدعم الصين خطط كوريا الشماليه لتطوير ترسانتها الصاروخيه الباليستيه –خاصه من طراز تايبوتنج 2 و3 – والقادره علي ضرب اليابان ومدن الساحل الغربي الامريكي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل