المحتوى الرئيسى

بيروت مختلفة

04/16 10:49

وصلتُ في منتصف الليل، وكانت الرحله بسيّاره الاجره من مطار رفيق الحريري الدولي الي الحمراء، مركز بيروت، مثيره. ليس لانّ السيّاره كانت تسير في ظلام الليل، اذ لم تكن الانطباعات الاولي تبشّر بالخير، بل ايضاً لانّ الوقود كاد ينفد في خزّان سياره «الميني فان». وقد اكتشفت ذلك فوراً، وكان السائق ينظر بين الحين والاخر الي الشريط الدقيق الحجم في المؤشّر الرقميّ. وبعد عشرين دقيقه وعددٍ من «جولات التكريم» عبر الازقه المُعتمه التي تتطلّع بجهامه، وصلنا الي هدفنا. بيد انّ السائق لم يكن يعرف عنوان الفندق، وهذا امر يمكن ان يحدث.

الليل الذي كان يوشك علي الانتهاء، انتهي فعلاً عند الساعه الرابعه وخمس واربعين دقيقهً فجراً، عبر اذان المؤذّن. كان الشيخ قد دعا الي الصلاه بصوت رنّان للغايه وواثق التجويد، ولم يكن الوقت وقتي، وخاصهً في صباحي الاوّل في بيروت.

بعد اقلّ من ساعه، بدا نقل القمامه في الحمراء، وبدا الضجيج كانه قد تولّد عن عمل شاق، وكذلك عن حركه النظافه والنظام. فهذا هو يوم جمع القمامه الذي نقدّره في المانيا خير تقدير. واذا كان لا بدّ من رفع القمامه، فلماذا لا يكون ذلك في الصباح الباكر؟ فالناس في مدينه نابولي مثلاً كانوا سيشعرون بانهم محظوظون اذا ما جاءت عربات نقل القمامه اصلاً.

بعد فتره وجيزه استيقظت بيروت كلّها علي نحو تامّ، فانطلق الصخب المدوّي وابواق السيّارات والنداءات وبقي الوضع علي هذه الحاله. انّها المدينه في ايقاع عملها الشديد الارتفاع. لا مشكله في ذلك، لانّ المرء سيعتاد هذه الاشياء بالتاكيد. وليس هناك ضرر من انّ الشارع امام الفندق قد حُفر، فكانت اصوات مثاقب الهواء المضغوط تتناغم من دون قيد او شرط مع هذا التنافر المدمّر للاعصاب.

لكنّ بيروت ليست مدينهً صاخبه فقط، انما فيها ايضاً، ومما يدعو الي الدهشه، واحات للتامّل. فالمشهد من شرفتي كان مدهشاً علي سبيل المثال: رايت زوجين شابين يرتديان ملابس انيقه ويسيران علي مهل. يدفع الرجل درّاجته الهوائيه بارتخاء ويحضن بذراعه الاخري المراه التي كانت تضحك سعيده.

درّاجه هوائيه؟ في بيروت لا يركب احد الدرّاجه الهوائيه. لكنّ شركه «توم تايلور» للازياء لم تهتم بذلك عندما علّقت هذه الدعايه غير الواقعيه في بيروت، والتي يظهر فيها شابان بملابس غير رسميه، وقد اخفت الدعايه البنايه المواجهه والمتعدّده الطوابق بالكامل. واتاحت لي شرفتي التي لن اطاها مرّهً ثانيهً افضل اشراف علي «عالم الفنّ» هذا بشكل جليّ.

كانت احدي البــنايات في شارعي، والتي بدت حقيقــيه لانّها لم تكن مغطاهً بالدعايات بصوره كامله، تحوي «حياه صامته» تتمثّل في نرجيله الي جانب حذاء رياضي حامٍ، بفعل العَدْو، وضعا ليبردا فوق الشــرفه، او في «حديقه السطح» التي قهرت بحر الاسمنت الذي غرقت فيه بيروت. لكنني، الي الان، لم افهم ما هي الخدمات التي تقدمها شركه «Beirut Inter-Services of Ice»، والتي تمتد لافته تحمل اسمها علي جدار المبني.

الان حان موعد اوّل افطار لي في بيروت. كلّ من ينام نوماً سيّئاً، عليه ان يبدا نهاره بشكل جيّد علي الاقل. دعاني الي الافطار زميلي في جريده «السفير» ابراهيم شراره، والذي حلّ ضيفاً علي جريده «فيزر كورير» الالمانيه خلال شهر اذار الماضي. تناولنا البيض المقلي مع السمّاق الحامض والحار والجبن المالح الابيض، والذي ذكّرني بجبن الـ»موتزاريلا» الايطالي، مع كميات وافره من الطماطم والخيار والزيتون، واللبنه اللبنانيه المتبّله بصلصه من الزعتر والسمسم، بالاضافه الي الشاي. فشكراً يا ابراهيم.

بعد الافطار بدا يوم عملي الاوّل في جريده «السفير»، وهي واحده من صحف يوميه عده تصدر في بيروت. خلال فتره قصيره، صافحت عدداً كبيراً من الايدي. تعرفتُ الي البوّاب، مروراً بالزميلات والزملاء في غرف التحرير، وصولاً الي رئيس التحرير. عرض عليّ ابراهيم في مكتبه، وبفخر، مقالته الختاميه التي كتبها عن اقامته في بريمن، والتي نشرت في «السفير»، وتقديمه الشكر لنا ولمدينه بريمن. يبدو انّ الوضع قد اعجبه جدّاً في مدينتنا «التي نسيت استخدام منبّه السيارات»، مثلما كتب في عموده الخاص بجريده «فيزر كورير»، وبدت له السيّارات كما لو انّها تسير علي الرمال، الامر العصيّ علي التصوّر في بيروت. في بيروت، يمكن ان تكون السيّارات منبعجه، لكنّ المنبّه يجب ان يكون سليماً لغرض اجراء حديث عاجل مع سائقي السيّارات المسرعين.

ساكتب تقارير من بيروت الي جريدتي «فيزر كورير» طيله شهر نيسان، عن الناس والحياه اليوميه في هذه المدينه المليونيّه. يقع مكتبي في الطابق الثالث من مبني «السفير». وهيئه تحرير الصفحه الثقافيه استقبلتني بلطف، حيث اتقاسم مكتبي مع الزميل اسكندر حبش، الذي لا يمكن رؤيته من خلف الكتب المكدّسه. نتحدّث باللغه الانكليزيه والقليل من الفرنسيه اثناء القاء التحيّه، ونستخدم بعض المفردات العربيه اثناء الوداع، علماً انني لا اعرف، حتّي الان، سوي مفردات من قبيل «كيفك» و «مرحباً» و «شكراً». ومع ذلك، فنحن نتفاهم بشكل جيّد.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل