المحتوى الرئيسى

هل ستبعد المسيحية من الشرق الأوسط ؟

04/15 17:37

هل يمكن للمسيحيه البقاء في ظل الاضطهاد الديني والنزاعات الدائره في منطقة الشرق الاوسط التي ولدت فيها؟ مراسله بي بي سي جين كوربين تنقلت في انحاء المنطقه، ومرت بالعراق وسوريا، لكتابه هذا التحقيق عن محنه المسيحيين، حيث نزح مئات الالاف منهم من ديارهم بعد سيطره مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية علي المنطقه.

عندما تسلقت الممر الجبلي الوعر فوق سهل نينوى في العراق، كانت اصوات انشاد الرهبان ورائحه البخور تنبعث من دير مار متي، الذي يرجع تاريخه الي القرن الرابع الميلادي. كان نحو 7000 راهب يتعبدون هنا عندما كانت المسيحيه الديانه الرسميه للامبراطوريه الرومانيه.

وظل معظم سكان المنطقه من المسيحين بعد هذه المرحله. وقد تضاءلت اعدادهم، حتي ظل سته رهبان فقط الان في هذا الدير، الذي لا يجرؤ احد من (الحجاج) علي زيارته الان.

قال لي الاب يوسف "نحن هنا علي خط المواجهه مع داعش (تنظيم الدوله الاسلاميه)، ويخاف الناس القدوم الي هنا. نحن قلقون علي كل شيء : ناسنا، عوائلنا، وعلي المسيحيه".

يحرس الدير مقاتلون من قوات البيشمركه الكرديه. وسمعت اصوات اطلاق قذائف المدفعيه ورايت اعمده دخان الضربات الجويه الغربيه علي مواقع مسلحي داعش او ما يسمي تنظيم الدوله الاسلاميه في سهل نينوي.

لقد اجتاح مسلحو التنظيم سهل نينوي السنه الماضيه، مجبرين عشرات الالاف من المسيحيين علي الهرب من الموصل، ثاني اكبر مدن العراق، تاركين بلداتهم وقراهم.

وقد لجا بضع عوائل الي الدير، كما كان يفعل المسيحيون منذ قرون عندما اجتاحت الجيوش العربيه الاسلاميه السهل في القرن السابع الميلادي.

ناردين البالغه من العمر 13 عاما، والتي تدرك جيدا ما يفعله مقاتلو تنظيم الدوله بالفتيات اللائي يعدونهن كافرات، تهمس في اذني خائفه " انهم متوحشون جدا، وقساه جدا. الجميع يعرفون انهم اخذوا الفتيات اليزيديات وباعوهن في السوق".

وتقول والده ناردين "داعش، لا رحمه لديهم علي اي شخص. انهم ينتقون النساء لاغتصابهن. كنا خائفين علي بناتنا لذا هربنا".

وعندما اعلن تنظيم الدوله الاسلاميه خلافته العام الماضي، ارفقوا ذلك بعمليات ذبح، وحتي صلب، ففر الالاف من المسيحين مرعوبين.

يحاول تنظيم الدوله الاسلاميه فرض نسخته المتشدده (الوحشيه) من الاسلام، وقد اقسموا اليمين علي تطهير المنطقه من (الكفار)، مستهدفين المسيحيين والاقليات الاخري.

نقلني مقاتلو البيشمركه (مقاتلون اكراد مسلمون في الغالب) الي خطوطهم الاماميه مع تنظيم الدوله الاسلاميه علي بعد بضعه اميال عن الدير، حيث يصدون تقدم مسلحي تنظيم الدوله الاسلاميه الذين قتلوا العديد من المسلمين.

لا يؤمن الاكراد بهذا الشكل المتشدد من الاسلام الذي يعتنفه تنظيم الدوله الاسلاميه. وظل البيشمركه يؤكدون لي انهم سيحمون المسيحيين علي العموم.

قال الجنرال حميد افندي (من البيشمركه) "عشنا هنا كاخوه لسنوات عديده، وليس ثمه اي فرق بين الاكراد، المسلمين والمسيحيين في مختلف انحاء كردستان".

وفي اربيل عاصمه اقليم كردستان، ينحشر الالاف من النازحين المسيحيين في مبني مركز تسوق غير مكتمل البناء. وقابلت هناك ليلي وعماد عزيز وهما يعدان الطعام لمهرجان مسيحي مع ابنتيهما الصغيرتين. لقد هربوا من الموصل الصيف الماضي عندما احتل تنظيم الدوله الاسلاميه المدينه، وخير المسيحيين بين التحول الي الاسلام او مغادره المدينه او دفع الجزيه، وهي ضريبه ماليه باهظه كانت تفرض علي الرعايا المسيحيين من قبل الحكام المسلمين منذ قرون مضت.

قال لي عماد "لا نستطيع العوده الي الموصل خوفا من ان نقتل او نختطف او نسرق. اعتقد انه خلال اربع او خمس سنوات لن يتبقي هنا سوي عدد قليل جدا من المسيحيين وحينها سيشار لهم بالبنان قائلين: انه مسيحي".

ورسمت ليلي علامه الصليب وهي تتذكر كيف اضطرت للمرور عبر حواجز تفتيش مسلحي تنظيم الدوله الاسلاميه، حيث جردوا من كل شيء يحملونه: المال، المجوهرات، وحتي الملابس، قائله "لا نستطيع العوده الي الموصل لانه لم يترك لنا شيء هناك".

كان لهذه العائله عملها التجاري المزدهر وبيتها الجميل هناك، لكنها الان لا تمتلك سوي بضع صور باليه يتذكرون من خلالها حياتهم السابقه.

في كنيسه مار ايليا في اربيل، التقيت الاب دوغلاس البازي، وهو قس كاثوليكي يعتني بـ 135 عائله سكنت في خيام في حديقه الكنيسه.

قال البازي "نحن مسيحيون، لذا اعتدنا علي ان تكون امتعتنا جاهزه دائما. اذ علينا الهرب دائما من مكان الي اخر".

لم تبدا موجه الاضطهاد الديني هذه مع قدوم تنظيم الدوله الاسلاميه بل عندما غزت الولايات المتحده وبريطانيا العراق في عام 2003 لاسقاط نظام صدام حسين، الذي كان المسيحيون ينعمون في ظله بحريه العباده ويؤدون دورهم بالكامل في ذلك المجتمع.

يقول الاب دوغلاس ان "مرحله صدام كانت العصر الذهبي للمسيحيين" علي الرغم من انه يستدرك انه لم يكن شخصيا يتفق مع حكم صدام حسين.

لقد فشل التحالف الغربي في توفير الامن في العراق، الذي انحدر الي الفوضي واصبح المسيحيون ضحايا صراع السلطه الطائفي البغيض بين المسلمين الشيعه والسنه.

يوضح الاب دوغلاس، الذي كان قسا لكنيسه في بغداد فجرت، واختطف هو كرهينه لدي رجال ميليشيا ولم يطلق سراحه حتي دفعت الكنيسه فديه لهم، "ينظرون الي الغرب بوصفه كافرا ونحن المسيحين ينظرون الينا بالطريقه ذاتها".

اراني الاب دوغلاس قميصا ملطخا بالدماء كان يرتديه عند احتجازه ووصف لي كيف كسر الخاطفون ظهره باستخدام مطرقه ثم كسروا اسنانه الواحد تلو الاخر.

وقال "اذا نظرت الي التاريخ، نحن الجماعه ذاتها التي تخسر في كل مره. انهم يضغطون علينا لفقد ديننا وناسنا ودورنا ومواقعنا واعمالنا، والان فقدنا حتي بيوتنا، وهكذا ما هو القادم؟".

لقد فر في المرحله التي اعقبت سقوط صدام نحو مليون شخص، اي ثلثي عدد المسيحيين العراقيين.

والقصه ذاتها تعاد في انحاء الشرق الاوسط الاخري، حيث كشف الربيع العربي عن قوي انقلبت ضد المسيحيين والزعماء المتسلطين الذين حموهم فيما مضي.

وفي سوريا، لا تزال بلده معلولا التاريخيه القديمه ترزح وسط الخراب الذي خلفته اشهر من القتال الذي اندلع في عام 2013 بين المسلحين الاسلاميين المتحالفين مع القاعده وقوات نظام الرئيس بشار الاسد.

وقد فر ثلاثه الاف من المسيحيين عندما احتل المسلحون هذه البلده التاريخيه التي يحج اليها المسيحيون، وتعد احد ثلاثه اماكن في العالم لا يزال سكانها يتحدثون باللغه الاراميه، لغه المسيح.

ويدعي البعض ان القوات الحكوميه انسحبت من معلولا تاركه المسيحين فيها يواجهون مصيرهم، لكن هذه القوات عادت في النهايه الي استعاده البلده من ايدي المسلحين، وبدا عدد قليل من المسيحيين في العوده مجددا.

واخذتني انطوانيت نصرالله لرؤيه ما تبقي من بيتها وموقع عملها الذي كان مزدهرا، وهي كافتريا كانت تمتلئ بالسياح. لكنها الان مجرد خربه بلا سقف.

تقول انطوانيت وهي تجهش بالبكاء "كانت حلمي. لم نكن نصدق ان المسلمين سيفعلون بنا ذلك ... لكن علينا ان نكون اقوياء ونشكر الرب لاننا ما زلنا احياء".

وهربت عوائل مسلمه من معلولا ايضا، ولكن لم يسمح لافرادها بالعوده الي منازلهم. اذ اتهمهم المسيحيون بمساعده المسلحين.

لقد احتل المتمردون دير مار سركيس الذي يرجع الي القرن السادس الميلادي، وارتني انطوانيت تحف الدير المحطمه واثار الاطلاقات الناريه في الوجوه التي تحملها الايقونات.

واوضحت انطوانيت لقد سرقوا ايقونات ذات قيمه تاريخيه كبيره "نشعر بالحزن بشان هذه الايقونات. لقد اثرت بنا كثيرا جدا".

وقد قتل اكثر من 200 الف شخص في سوريا خلال اربع سنوات من الحرب الاهليه. وهم من المسلمين في الغالب. وقتل العديد منهم علي يد النظام.

وزار الرئيس الاسد نفسه الدير عندما استعادت قواته السيطره علي البلده. فهو بحاجه لدعم المسيحيين له.

وينظر العديد من المسيحيين في سوريا الي معلولا بوصفها نقطه تحول. كان عليهم ان يتخذوا خيارات صعبه وبات العديد منهم يؤمنون بالنظام بوصفه الخيار الوحيد اذا ارادوا لدينهم البقاء.

تقول انطوانيت "الحكومه هي الوحيده التي يمكن ان تساعد المسيحيين للبقاء في سوريا. ومعلولا في قلبي. لا استطيع مغادرتها، لانه، باعتقادي، اذا لم يبق مسيحيون في معلولا لن يبقي مسيحيون في سوريا".

ودعا قاده الكنائس في الغرب الي اتخاذ خطوات ملموسه لحمايه المسيحيين في الشرق الاوسط.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل