المحتوى الرئيسى

ناطحات السحاب كما تصورها أفلام السينما

04/15 05:40

جذبت المباني الشاهقه بعض صانعي الافلام وصدت البعض الاخر منذ الايام الاولي للسينما. الناقد الفني "نيكولاس باربر" يلقي نظره علي ماضي هوليوود ومواقفها المتغيره من ناطحات السحاب.

في عام 1946، كتب المفكر الفرنسي المعروف جان بول سارتر: "عندما كنا في العشرينيات من اعمارنا، سمعنا عن ناطحات السحاب. اكتشفناها بذهول في افلام السينما. كانت الفن المعماري للعصر القادم، كما كانت السينما فن المستقبل."

بحلول ذلك الزمن، ارتبطت افلام هوليوود السينمائيه مسبقاً وبشكل محكم بناطحات السحاب اكثر من ارتباطها باي مبان اخري. كانت الأفلام السينمائية وناطحات السحاب كذلك، تمثل اشياء غير عاديه تسحر العقول، وتكلف ثروه.

كان هذان الرمزان من الاشياء التي تمثل الافكار الرائده في اواخر القرن التاسع عشر، وازدهر كلاهما في السنين التي سبقت وقوع الحرب العالميه الثانيه. عندها، كان الارتباط فيما بينهما قوياً بالفعل.

في كتاب "جيمس ساندرز" بعنوان "افق الشريط السينمائي: نيويورك والافلام السينمائيه"، يلاحظ المؤلف ان قسماً من اولي الافلام – مثل فيلم "ناطحات السحاب" (عام 1906)، التي لم يظهر فيها شيء سوي المباني الشاهقه- يمثل "مشهدا يدعو للاعجاز حقاً لناظريه من الذين يعيشون بعيداً عن نيويورك وشيكاغو".

لكن في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كانت افلام السينما وناطحات السحاب في قمه انسجامهما، سواء كان فيلم "كينغ كونغ" (1933) الذي تدور احداثه ما بين مبني "ستيت امباير"، او الممثل فريد استير وهو يؤدي رقصه النقر علي الارض باحذيه خاصه في نادٍ ليلي بالطابق الخمسين في فيلمه "سوينغ تايم" (1936).

يقول ساندرز: "صوّرت الافلام اللحظه التي حصلت فيها مدينه (نيويورك) علي حلّتها المميزه عندما استكمل بناء اعظم مبانيها، ناطحة السحاب، وسجلت الحدث تماماً كما وقع."

ان الهه الحب التي ساهمت في ارتباط الافلام بناطحات السحاب، كما يقول ساندرز، كانت تتمثل في كُتّاب نيويورك الذين انتقلوا الي هوليوود في نهايه عشرينيات القرن الماضي ليضفوا بصمه عالميه متطوره علي كتابه سيناريوهات الافلام.

كانت الاموال التي جنوها رائعه، كما تبيّن لهم، لكن رضاهم عن عملهم كان معدوماً. ان كتاب من امثال دوروثي باركر وهيرمان مانكوفيتش كانوا بين النخبه في مجموعه مسارح "برودوي"، لذا، فانهم شعروا باذلال عند معاملتهم ككتّاب تافهين.

وعند ارتحالهم من اكثر المدن صخباً واثاره في العالم، اصيبوا بالهلع عندما وجدوا انفسهم في لوس انجليس، المدينه المتربه ذات الابنيه المنخفضه.

كان "انتقامهم"، كما يقول ساندرز، عن طريق الترويج لبريق نيويورك السينمائي والمثير لدرجه تلحق العار بمدينه لوس انجليس. وعلي نفس الشاكله، وانسجاماً مع المعمار الموجود في ضواحي لوس انجليس، جعلوا من مباني مانهاتن المسببه للدوار اصناماً معبوده.

كتب ساندرز يقول: "صحيح ان نيويورك الحقيقيه ذات مبان شاهقه، الا ان فيها الكثير من المباني المنخفضه ايضاً، وخاصه في احيائها الواقعه علي الاطراف، ومناطقها السكنيه. لكن يبدو ان مدينه الاحلام (في افلام السينما) لا بد وان تظهر جميعها بشكل راسي. كل مشهد يُصوَّر في شقه فوق السطوح، او علي الشرفات، او في ملهي ليلي علي السطح، وكل نافذه تطلّ علي مناظر متالقه لابراج عاليه."

وعلي خطي هؤلاء الناقمين الذين يقيمون في المنفي، صور مخرجو الافلام في هوليوود مشاهد اكثر روعه في اماكن مرتفعه من اجل افلام للنجمين فريد استير وجينجر روجرز ومعاصريهما.

لكن، حتي بدون تاثير حنينهم الي مدينتهم نيويورك، كانت القدرات السينمائيه لناطحات السحاب اعظم من ان يتم تجاهلها. في نهايه المطاف، كان وجود المباني الضخمه هذه في قلب المدينه يعني انه لم يكن علي صانعي الافلام ان يرسلوا ابطال افلامهم الي الادغال او الصحاري بغرض تصوير خلفيه غريبه لاحد المشاهد. ولم يكن هناك داعٍ لان يكونوا في طائره، او علي قمه جبل، وهم علي وشك ان يلاقوا حتفهم.

في الفيلم الكلاسيكي "سيفتي لاست!" (1923) للممثل هارولد لويد، كان المبني الذي تسلقه يتالف من 12 طابقا فقط، ومع ذلك كان المشاهدون يحدقون في تلك اللقطه بشده.

لم تتوتر علاقه الغرام بين هوليوود وناطحات السحاب حتي ستينيات القرن الماضي. يعود ذلك، براي ساندرز، الي تغيير القوانين التي فرضت في عام 1961 والتي نصّت علي ان قمم اعلي مباني نيويورك لم تعد بحاجه لان تكون ذات نهايات مستدقه او رفيعه. وبدلاً من "تدرّجها"، يمكن ان تنتهي بجدران مضلّعه مصنوعه من زجاج عادي.

وعوضاً عن التشبّه بقمم الجبال او ابراج القلاع، يمكن لهذه الصناديق ذات النمط العالمي ان تكون مسطحه ومتجانسه. ان مبانٍ مثل هذه، حسب قول ساندرز، "ببساطه، لم يمكنها ان تثير الرعب في النفوس".

منذ ذلك الحين، اضحت ناطحات السحاب ترمز الي الغطرسه والجشع، ولم تعد تمثل قصص الغرام والاغراء. ومن اشهر امثله ذلك، فيلم "تاورينغ انفيرنو" (1974)، الذي يثير حاله تستحق الدراسه، وهي ان اعلي بنايات العالم ليست جديره بالثناء.

في مشهد من الفيلم الخيالي "برج الزجاج" الذي انتج في سان فرانسيسكو، يتحول المبني الي فخ بركاني مميت بفعل عيوب في الاسلاك الكهربائيه. كانت المسافات بين الطوابق في ذلك الفيلم لا تتناسب من الناحيه الانسانيه الي درجه ان شخصاً يحضر حفل استقبال فاخر في الطابق الـ 135 يطلب من الحضور عدم الالتفات الي حريق اندلع في الطابق 81 "لانه لا يمكن ان يؤثر علينا ونحن علي هذا الارتفاع".

ومنذ ذلك الحين، اصبحت ناطحات السحاب محل ازدراء في هوليوود. ففي فيلم "يوم الاستقلال" (1996)، يُهدّم مبني "ستيت امباير" بفعل اشعه قاتله لمخلوقات من كوكب اخر. انها غطرسه غير ساره لتلك المخلوقات، ولصانعي الفيلم ايضا، رولاند ايميريك ودين ديفلن، لانه يُفترض بنا ان نصاب بصدمه نتيجه الدمار الذي لحق بالمبني.

بعد سنتين من ذلك التاريخ، انتج ايميريك وديفلن فيلم "غودزيلا"، حيث يُستقطع القسم الراسي من مبني "كرايسلر" المهيب بفعل الجيش الامريكي نفسه وصواريخه الباحثه عن الحراره. لقد صنع ذلك المشهد للسخريه، اذ يقول الضابط الذي اطلق الصواريخ في الفيلم: "اه... اللعنه. انها ضربه خاطئه."

وقيل ان الهجمات علي مركز التجاره العالمي كانت توصف بشكل اعتيادي بانها "اشبه بمشهد من افلام هوليوود". فعند وقوع كارثه الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول، لم تكن ناطحات السحاب الا قطعاً من لعبه البولينغ تنتظر اسقاطها بالطائرات والصواريخ، والسحالي العملاقه، ومركبات فضائيه لمخلوقات كونيه.

كان سبب المناسبات النادره التي ظهر فيها تصوير رومانسي لناطحات السحاب في افلام ما بعد عهد "تاورينغ انفيرنو" (1974) هو انها كانت ترمز لازمانٍ اكثر سحراً وفتنه. في فيلم "مانهاتن" لوودي الن (1979)، تم تصوير المشهد الافتتاحي الحماسي المركب بالاسود والابيض، يرافقه لحن "افتتان بلون ازرق" للملحن غيرشوين.

وفي فيلم "مطاردو الاشباح" (1984)، يرتكز سكن سيغورني ويفر ’الرئيسي المروّع‘ علي بنايه حقيقيه لشقق صممت في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي فيلم "الساهر في سياتل" (1993)، عندما يلتقي توم هانكس وميغ رايان في اعلي بنايه "امباير ستيت"، فانهما يبيّنان اجلالهما لفيلم عام 1957 "عشق للذكري". (عند ظهور ذلك الفيلم علي شاشات السينما، كان عمر ذلك المبني قد تجاوز ربع قرن).

لعل ناطحات السحاب كانت مباني المستقبل في اربعينيات القرن الماضي، كما كتب جان بول سارتر. لكن فيما يتعلق بافلام السينما، فانها اصبحت فناً معمارياً من الماضي.

رغم ذلك، لم يقل سارتر سوي نصف الحقيقه، حتي في اربعينيات القرن الماضي.

من الاصح القول ان ناطحات السحاب وافلام السينما، علي حد سواء، كانتا دوماً تدوران حول الماضي بقدر ما تدوران حول المستقبل ايضا. وكانتا تدلان في بدايه انطلاقهما علي الانبهار التقني، فعندما كانت الافلام تتدفق دوماً بصور رعاه البقر ورجال الكهوف والمتسابقين علي عربات الرومان القديمه، كانت ناطحات السحاب الاولي تتميز بابراجها الشامخه، وطوابقها المزينه- فكانت تعيدنا الي عصر القلاع والكاتدرائيات.

عندما انفصلت ناطحات السحاب عن الماضي، واعتمدت النمط العالمي، ادارت هوليوود وجهها عنها.

في السنوات الـ 15 الاخيره تقريبا، اججت نار الحب القديمه بين الافلام وناطحات السحاب مره خري. في الحياه الواقعيه، استؤنف السباق نحو بناء اعلي مبني علي كوكبنا. كما ان جيلاً جديداً من ناطحات السحاب العملاقه في اسيا خطف الاضواء من هوليوود.

في فيلم "الخديعه" (1999)، يسطو شون كونري وكاثرين زيتا-جونز علي بنك في "برجي بيتروناس" بمدينه كوالالمبور الماليزيه. وفي فيلم "مهمه مستحيله – بروتوكول الشبح" (2011)، يقوم توم كروز باسلوب مشابه للرجل العنكبوت بايجاد طريقه الي برج خليفه بمدينه دبي. وفي فيلم "فيوريوس 7"، يتطفل فان ديزل وعصابته بدخولهم حفله خاصه تقام بابراج الاتحاد بمدينه ابو ظبي الاماراتيه.

لم تنل ايّ من ناطحات السحاب هذه الاعجاب الكبير الذي تمتعت به سابقاتها خلال عهد فريد استير، الا ان الهدف المرجو منها، بلا شك، هو ابهار المشاهدين وترك تاثير بالغ عليهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل