المحتوى الرئيسى

هكذا طُرد الأندلسيون: القصة الكاملة لطرد أهل الأندلس من ديارهم - ساسة بوست

04/13 16:19

منذ 17 دقيقه، 13 ابريل,2015

ان المسلمين اقاموا في الديار (الاندلسيه) زهاء ثمانيه قرون، وظللنا نحن نحاربهم ثمانيه قرون لاخراجهم وطردهم من شبه الجزيره الايبيريه. فكيف يمكن للمرء ان يحارب نفسه؟ ذلك ان الثقافة الاسلامية كانت قد تغلغلت في روح كل اسباني، ان هذه الحقيقه تصدم البعض الا انهم اذا عملوا النظر وتاملوا جيدًا في هذا الشان فلا بد انهم سيقبلون هذه الحقيقه، فالبراهين قائمه والحجج دامغه…” الكاتب الاسباني الشهير انطونيو جالا في حوار له مع صحيفه لاجوراندا المكسيكيه.

قبل سته قرون من الان عرف العالم حضاره استثنائيه، كانت تجمع في انسجام بين العقيده والعلم والفكر والفن من جهه، وفي تعايش قل نظيره بين الديانة الاسلامية والمسيحية واليهودية من جهه ثانيه، انها حضاره الاندلس التي عمرها المورسكيون، قبل ان تنكل بهم وتطردهم من ديارهم المماليك المسيحيه في محاوله لطمس حضارتهم، وذلك بعد سقوط غرناطه اخر قلاع المسلمين هناك في شبه الجزيره الايبيريه.

كاد العالم الانساني، وخاصه الاسلامي منه، ان يفقد قطعه منيره في تاريخ الحضاره البشريه، لولا الصحوه الثقافيه والعلميه التي عرفتها اسبانيا في الفتره المعاصره، حيث انبري مئات الباحثين والاكادميين والاركيولوجيين (علماء الاثار) الاوروبيين والاسبانيين اساسًا لبعث تلك الحلقه المفقوده في التاريخ الاسباني والاسلامي الي الحياه، من خلال البحث والدراسه والنقد والتحليل، حتي فاقت اليوم 1000 دراسه اكاديميه رصينه حول الاندلس، في طليعتها “تاريخ غرناطه” للباحث ميغيل لافوينتي الكنترا، و”تاريخ مالقه” لـ”كيين روبليس” و”اسبانيا المسلمه في عهد النصرانيين” للباحثه الفرنسيه “راشيل اريي” علاوه علي اعمال “لويس فرنانديث” و”خوان طوريس فوينتيس”، وانتاجات “لويس سيكودي لوثينا باربديس” الذي كرس حياته في دراسه الاندلس، بالاضافه الي الرسامين الاسبان الذي ارخوا لتلك الحقبه بلوحاتهم الفنيه، وعلي راسهم الرسام الكبير “دياغ ذا بالثكاث” الذي سطر ملاحم فنيه في غايه التراجيديا، تؤرخ لتلك الحقبه الفاجعه بطلب من الملك خوان كارلوس. وللانصاف فالكتابات العربيه في هذا السياق قليله، ويغلب عليها الطابع الادبي الرثائي، ولا سيما المشرقيه منها، كما انها مشبعه بالحس المذهبي الديني والقومي، مما لا يجعلها ترتقي باي حال الي الدراسات الاكاديميه التي يمكن الاستناد عليها في تاريخ قصة الأندلس الا بعض الاستثناءات النادره.

بفضل تلك الاعمال اضافه الي الندوات والاحتفالات المهرجانيه المجسده لماساه الاندلس التي تنظمها الجمعيات الاسبانيه سنويًّا اليوم، اصبحنا الان نعرف جزءًا من حضاره ذلك الفردوس المفقود، التي طالها النسيان والاهمال طوال قرون عن سبق اصرار وترصد.

سنتناول في هذا التقرير شقًّا فقط من حقبه الاندلس، حيث سنحاول الكشف عن سياق تهجير المورسكيين القهري الي شمال افريقيه.

1- ما سياق التهجير القسري للاندلسيين؟

بعد سقوط غرناطه في الثاني من يناير 1492م، ابان ضعف المماليك الاسلاميه واكتساحها من قبل الإمبراطورية الإسبانية، اصدر الملك فيليب الثالث في عام 1609م قرارًا بطردهم من اسبانيا، بعد ان يئست المحاولات المتعدده والمتعاقبه من تحويلهم عن دينهم واعتناق المسيحيه ولكن دون جدوي، فاضطروا الي مغادره اراضيهم، اذ منحوا مهله قصيره فازدحمت الطرقات بهم واشتد الاقبال علي البواخر المنطلقه من السواحل الاسبانيه نحو شمال افريقيا وغيرها.

كان المورسكيون، وهم مزيج بين العرق الاوروبي والعربي والامازيغي، يستقرون في منطقه قشتاله واراغون وبلنسيا وغرناطه، هذه الاخيره كانت اخر معاقل المسلمين بالاندلس، حيث سلمها ابو عبد الله للملكه ازابيلا وزوجها الملك فرديناند، بعد امضاء اتفاق بينهما، جاء فيه “للمورسكيين ان يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. وان يخضع المورسكيون لمحاكمه قضاتهم حسب احكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مورسكيين كما هو الحال مع عباءه اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد علي ما كانوا يدفعونه. لهم ان يحتفظوا بجميع اسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. يُحتَّرَم كل مسيحي يصبح موريسكي ولا يعامل كمرتد. ان الملكين لن يعينا عاملًا الا من كان يحترم المورسكيين ويعاملهم بحب وان اخلّ في شيء فانه يغير علي الفور ويعاقب. للمورسكيين حق التصرف في تربيتهم وتربيه ابنائهم”. تعهد الملكان الكاثوليكيان في المعاهده وبنفس تاريخ توقيعها، بـ”ان ملكي قشتاله يؤكدان ويضمنان بدينهما وشرفهما الملكي، القيام بكل ما يحتويه هذا العهد من النصوص، ويوقعانه باسميهما ويمهرانه بخاتميهما”.

لكن سرعان ما بدات المملكه الكاثوليكيه تتراجع عن هذا الاتفاق، حيث بدات حمله تنصير لمسلمي غرناطه، رغم انها ابقت علي بعض معالم حضاره الغرناطيين، حيث لا يزال حتي الان القصر الاحمر شاهدًا علي مناره الاندلس (بعكس بلنسيا وقشتاله واراغون التي حولت مساجدهم الي كنائس وشتت عمرانهم بين اوروبا)، ليبدا فصل من اسوا فصول الاضطهاد الديني مع محاكم التفتيش، التي كانت تجوب البلاد بحثًا عن كل من لا يدين بالولاء التام للكنيسه، فالقت القبض علي الكثير وعذبتهم واحرقتهم.

بعد كل محاولات تشتيت الاندلسيين والتضييق عليهم ومطاردتهم، جاء قرار الطرد القسري كما جاء في مرسوم رسمي بتاريخ 22 سبتمبر 1609م، لا يزال محفوظا بالارشيف العام لسيمانكاس المتواجد باسبانيا، يطالب هذا المرسوم جميع الموريسكيين في المملكه بتقديم انفسهم الي سلطات جهاتهم في غضون ثلاثه ايام من اجل ترحيلهم، والا صار من حق السلطات بعد انقضاء هذه المهله طرد الموريسكيين من اماكن اقامتهم او قتلهم اذا ابدوا مقاومه، بدافع، كما جاء في الوثيقه، عدم نجاح عمليه دمجهم وتعميدهم تكاثرهم الديموغرافي السريع وتامرهم مع الامبراطوريه العثمانيه في شمال افريقيا ضد التاج الاسباني.

كانت عمليه طرد الموريسكيين منظمه ومخططًا لها من قبل المسيحيين انذاك، في بدايه الامر تم طرد الموريسكيين البلنسيين من موانئ في بلنسيه علي حوض البحر الابيض المتوسط، باتجاه شمال افريقيا ثم بعدها تم طرد موريسكيي مملكه اراغون ثم قشتاله، وفي سنه 1614 تم طرد الغرناطيين صوب المغرب الكبير.

حير الكثير من المؤرخين في الدافع الذي جعل فيليب الثالث يقوم بمثل هذا التطهير الديني الوحشي، الي ان ظهرت وثيقه بتاريخ السابع من اكتوبر تشرين الاول عام 1587 للميلاد لا تزال محفوظه بالارشيف الوطني الاسباني، وهي عباره عن خطابٍ موجهٍ من الملك فيليب الثاني الي كبير اساقفه بلنسيه، يتساءل فيه فيليب الثاني عن الاجراءات المتخذه لتعزيز تعاليم المسيحيه لموريسكيي بلنسيه، تكشف الوثيقه ان فيليب الثاني كان يفضل دمج الموريسكيين في اسبانيا، لكن ابنه فيليب الثالث هو الذي استسلم تحت ضغوط الكنيسه وبعض النبلاء وارغم الموريسكيين علي مغادره الاراضي الاسبانيه نهائيًّا.

يذكر المؤرخ الاسباني مكيل دي ابلاسا فيرير في كتابه “الموريسكيون قبل وبعد الطرد” ان التهجير تم باتجاه الشام وتركيا وليبيا واساسًا نحو دول المغرب العربي، وبالاخص نحو المغرب بسبب القرب الجغرافي.

كما جاء في احدي وثائق الارشيف العام لسيمانكاس مؤرخه بـ2 سبتمبر 1601، عن سلب بعض المورسكيين المتمردين علي قرار الطرد في بلنسيه اطفالهم لتربيتهم في كنف الكنيسه، وان بعض هؤلاء الاطفال كانت تظهر عليهم اثار تعذيب وفقًا لوصف الوثيقه.

لا نعلم حتي الان بالتحديد العدد الحقيقي للمورسكيين المرحلين، الا ان المختصين يكادون يتفقون حول 300 الف مورسكي، اغلب الموريسكيين المرحلين من الاندلس جاءوا الي المغرب بحكم القرب الجغرافي، بينما ذهبت نسبه منهم الي تونس والجزائر وتركيا، ثم هناك من توجه الي فرنسا وعدد اخر رحل الي المستعمرات الاسبانيه في امريكا اللاتينيه مثل المكسيك والبيرو، مات الكثير منهم نتيجه مشقه السفر او غرقًا في البحر او تنكيلًا من قبل قطاع الطرق.

كان الاندلسيون متقدمين علي باقي الشعوب الاخري انذاك في العماره والعلم والزراعه، ادي طردهم الي تدهور في الحرف والزراعه ما خلق بوادر ازمه اقتصاديه في البلاد الاسبانيه، ذلك ما تفيده احدي الوثائق المصونه بارشيف ليسمانكاس.

2- ماذا بعد ان وصلوا شمال افريقيه؟

اختار كثير من المورسكيين المرحلين، مسلمون وهم اغلبيه ويهود وحتي مسيحيون لم يثبت ولاؤهم للكنيسه، الاستقرار في المغرب، اقام به ما يقارب 150 الفًا منهم، حيث وجدوا فيه كل عنايه وترحيب في كل مكان نزلوا به، تطوان وشفشاون، وفاس والرباط وسلا، وبعض بوادي شمال المغرب، فاستفادت كل تلك المدن من خبرتهم ومهارتهم في سائر مرافق الحياه اليوميه سواء تعلق الامر بالفلاحه او التجاره او الشؤون الثقافيه والعلميه. احتضنت كل من تطوان وشفشاون الطبقات العامه في غالبيتها، في حين احتضنت الرباط وفاس طبقه العلماء والادباء والاغنياء منهم، اما سلا فقد استوطنها القراصنه من الموريسكيين، ومنهم من وصل الي مدن مراكش واسفي ووجهات اخري من المغرب.

في الحقيقه لم يكن المجتمع المغاربي عمومًا مهيا لاستقبال، رغم علاقات الهجره المسبقه مع المورسكيين، امثال اولئك البشر الذين كانوا يحملون معهم ارثًا حضاريًّا وفكريًّا تجاوز عصرهم بكثير، حيث شكل بالنسبه لشعوب افريقيه صدمه نظرًا للاختلاف الكبير، عبر عن هذا الامر بدقه الباحث الفرنسي لوريكاردياك الذي قال: “كان المورسكيون يبدون مسلمين في اسبانيا ويبدون مسيحيين شمال افريقيا”، اذ

كان اسلامهم يختلف كثيرًا عن الاسلام المتشدد السائد انذاك (وربما السائد حتي الان)، فقد كانوا، كما يؤكد مؤرخون اسبان، لا يجدون غضاضه في تفضيل المعارف العلميه علي بعض ظاهر النصوص الدينيه (يقول ابن رشد لا ينبغي العوده الي الله الا اذا توقفت المعرفه المنطقيه)، علاوه علي انهم يتسامحون مع كل الاديان (يظهر ذلك في شطحات الامام محيي الدين ابن العربي التي تجسد التسامي عن اختلافات الاديان) كما انهم كانوا مولعين بالرقص والغناء والموسيقي (رقصه الفلامينكو الاسبانيه مستمده اساسًا من المورسكيين).

كان الاندلسيون يحملون فعلًا بوادر النهضه الاوروبيه (التي لا زال حتي الان من يعاديها باعتبارها في اعتقاده نتاجًا غربيًّا بحتًا)، فقد ترجموا كتب اليونان وعلقوا عليها وانتقدوها، وانتجوا كتبًا في الطب والكيمياء والجبر والزراعه وغيرها من العلوم، كما هو مسجل في المتاحف الاسبانيه التي ما تزال حتي الان تحتفظ ببعض ما بقي من كتابات المورسكيين تبجيلًا لحقبتهم تلك.

هذه الهوه الفكريه بين الاندلسيين والمغربيين ادت الي رمي كثير من المفكرين المورسكيين المسلمين ممن وفدوا الي فاس المغربيه بعلومهم وفنونهم، بتهم الالحاد والزندقه، واحرقت كتبهم ومكتباتهم، بل ان بعضهم مات حرقًا والبعض الاخر مات مسمومًا، نذكر منهم علي سبيل المثال فقط لا الحصر، الطبيب عبد الملك ابن زهر، والفيلسوف ابن رشد، والكاتب جُزَيّ بن عبد الله الغرناطي، وابن زمرك، والشاعر لسان الدين بن الخطيب الذي قاموا بخنقه واحراق جثته، ولا يزال قبره بارزًا اَثَرُه خارج اسوار مدينه فاس لحد الساعه. الا انه رغم كل ذلك تسرب الي تلك المدينه البعض من ارثهم الفكري والعلمي الذي تطور بها عبر السنين، حتي اصبحت تكني اليوم بالمدينه العلميه.

يذكر الباحث الاسباني غيير مورو ثالبيث بوستو في كتابه القيم “المورسكيون في المغرب”، ان عددًا كبيرًا من المورسكيين الغرناطيين استقروا في تطوان بالمغرب، وسكن معهم اناس من فاس فتصاهرت الاسر واختلطت، وتم تقليد العادات الغرناطيه في طريقه العيش ونمط الحياه واللباس والماكل وطريقه التحدث والكلام، تطبع الجميع بالصبغه التطوانيه الخاصه، حتي اصبح من الصعب التمييز بدقه بين من هو غرناطي ومن هو فاسي او ريفي او جبلي، انصهر الكل في بوتقه واحده وتحت قياده روحيه واجتماعيه واحده، كما قام يهود المورسكيين ومسلميهم بتاسيس مدينه شفشاون بالمغرب.

مدينه شفشاون المغربيه التي سكنها المورسكيون

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل