المحتوى الرئيسى

طارق البرغوثي يكتب: الإدارة الإسلامية | ساسة بوست

04/13 00:50

منذ 15 دقيقه، 13 ابريل,2015

كان بنو إسرائيل يصفون العرب بالاميين كما قإل ألله علي لسانهم في القران: (ليس علينا في الاميين سبيل) آل عمران.

وقال الله في سورة الصف: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْاُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ).

الاميون كما في تفاسير كثيره هم امه العرب الذين لا يكتبون ولا يقرؤون ولا يحسبون، والاميّه ليست رديف الجهل وانما تعني التعلم عن طريق اله السمع، فكثير من المتعلمين تعلموا بطرق غير القراءه والكتابه وانما عن طريق الاستماع، ولمّا كانت الكتابه هي تدوين للحقائق وتراكم العلم وبدونه يكون العلم منقوصًا، كانت اول كلمه يفتتح بها القران – الذي وصفه الله بانه (هديً للمتقين) – كلمه “اقرا”, فالعرب لم يكونوا جهلاء وانما كانت مصادر تعلمهم عن طرق الاستماع، فمن قويت ذاكرته كان اعلمهم، وان كان بعض العرب ممن يحسنون القراءه والكتابه ولكن الحاله المجتمعيه كانت اميّه بشهاده القران.

لا يمكن ان نتصور اي علم اليوم بدون قراءة وكتابة وتدوين، ولنا ان نتخيل الثوره التي احدثها اختراع الطابعه التي نقلت العلوم الي مرحله مختلفه من الفاعليه بحيث يتم البناء علي خبرات الامم الاخري.

اردتُ بهذه المقدمه التوطئه للحديث عن علم الاداره الذي ما كان ان يظهر كما يظهر عليه اليوم وقد مورس بجميع حيثياته في الزمن الغابر لولا تطور المطابع ونشاط حركه التاليف والعصف الذهني والثوره العلميه في اوروبا في القرنين الاخيرين.

يقول علماء الاقتصاد ان الكون اليوم يعاني من ندره في الموارد، وبدا علم الاداره المتمثل بجميع وظائفه (التخطيط، التنظيم، التوجيه والرقابه) لاستغلال هذه الموارد بالطريقه المُثلي (مع العلم ان الوفره هي ما يميز هذا الكون ولكن جشع الانسان هو ما خلق هذه الندره).

مارس الانسان الاداره منذ العصور القديمه، ولك ان تتخيل دانييل ديفو في رائعته روبنسون كروز، كيف استطاع روبنسون ان يدير ما يملك من موارد في تلك الجزيره المعزوله، اداره لموارد نادره، اداره للوقت، واداره لازمه فعليه عايشها بمفرده.

ان الفكر الاداري هو فكر تراكمي، فكما تطور الانسان من تعلّم الاسماء الي القراءه ومن ثم الي الكتابه والتوثيق ثم الي الطباعه التي وثّقت خبرات المجتمعات.

في العصر الحديث كان التنظير للاداره الحديثه ابتداءً من بيتر دراكر وفريدريك تيلور مرورًا بالتن مايو وفايول وفورد وغيرهم.

في كل شؤون الحياه تلعب الاداره دورًا حيويًا لزياده الفعاليه والمنافسه العالميه, فامه لا تتقن هذا العلم لا شك هي في ذيل الامم اليوم, وامه تمتلك اداره فاعله هي امه تمتلك ميزه تنافسيه عن غيرها من الامم.

في العمل والمؤسسه والدوله، وفي كل نشاطات الحياه بلا استثناء نحتاج الي هذا العلم الذي اصبح له نظرياته وقواعده، كمجتمع اسلامي وكحضاره اسلاميه تربعنا علي عرش العالم لقرون عديده, لا بد اننا استخدمنا هذا العلم لكن دون تقنين له ودون توثيق وربط ودون جعل ذلك علمًا ينتسب الي أمة الإسلام، وما يبدع فيه الغرب اليوم هو استخدأم الكتابه والنظر الي التاريخ والحضارات والبناء عليها، فهم يبدؤون من النقطه التي انتهي عندها الاخرون بالاضافه الي دراسات علميه لتوثيق تجارب الامم وممارسه التجربه والخطا من خلال مختبرات علميه ومشاهدات مدروسه وابحاث تشترك فيها بيئه العمل مع الجامعه بما يسمي case study.

ان تاريخ الحضاره بدا في الشرق الادني، وكانت حاضنته في حوض البحر الابيض المتوسط، وكانت بابل ومصر هما درّتا بدايه الحضاره كما يقول اكثر المؤرخين.

تميّزت الأمة العربية في القرنين الاخيرين بانها امه لا تقرا، فخَطَا الغرب خطوات في علم الاداره الذي ترعرع في دول الاشتراكيه والراسماليه والليبراليه والعلمانيه وكانت معظم نظرياته الحديثه ان لم تكن كلها من نتاج الغرب، والذين كتبوا عن الاداره الاسلاميه – ان وجدوا – كان كل ما فعلوه ترجمه عن الاداره الحديثه مع اضفاء حديث او ايه قرانيه او ذكر مما قام به النبي صلي الله عليه وسلم توافق مع المبدا الاداري الحديث.

ان هذه الامه التي نزل القران فيها، وكان اول ما نزل “اقرا”، كان خلفاؤها يديرون العالم بمساحاته الشاسعه من الحجاز، او الشام او بغداد محققين قول الله “اقرا وربك الاكرم”، فبمقدار ما قرا العرب في تلك الفتره منحهم الله من فيض كرمه فدانت لهم مشارق الارض ومغاربها, هذه الامه اصبحت اليوم عاله علي الامم في علم كانت في يوم من الايام هي مادته!

علم الاداره ينضوي تحته كل العلوم في التنميه البشريه والتحفيز والقياده وجميعا كما قلنا علم تراكمي تاتّي من معاناه الشعوب والحضارات.

ان الاداره العلميه اليوم بحثت في سلوك الانسان وعملت مع علم النفس جنبًا الي جنب؛ لتجعل هذا السلوك يتحرك في الجوانب الايجابيه لزياده الانتاج وتحقيق الاهداف، وخرجت الينا نظريات عديده مثل نظريات (X and Y) ونظريه (Z) ثم نظريات هرم مازلو ومنتسبيرج، ولا اريد ان افصّل في هذه النظريات لان غايتي هي النظريه الاسلاميه وليست الغربيه.

ان الدين الاسلامي الذي كانت مادته كما هي ماده الاديان الاخري هي التوحيد، وكلما جاء نبي قال لقومه: (اعبدوا الله ما لكم من اله غيره)، ان هذه الكلمه علي قصرها اذا ما اعتنقها فرد او جماعه كفيله لتغيير السلوك 180 درجه, لذلك رفضها اهل قريش لان فيها تغييرًا شاملًا للحياه، فما اثر التوحيد علي علم الاداره؟

عندما كتب الغربيون في هذا العلم كان جلّ هدفهم هو رفع الطاقه الانتاجيه، واستغلال الموارد المتاحه، من هنا اصبح لدينا علم اداره التشغيل، واداره الوقت، واداره التحفيز، واداره الازمات, واداره الجوده، وغيرها.

ولمّا كان الانسان هو محور الحدث، تدرج التعامل معه من كونه اله الي كونه روحًا وقلبًا ودراسه اهتماماته ونوازعه وشخصيته.

ان علم التوحيد اذا ما اعتنقه الشخص فانه سيبدا يؤمن بما وراء العالم المادي ليعطيه بُعدًا غاب عن رؤيه علماء الاداره المعاصرين الذين درسوا الماده والانسان في معامل هوثرن وغيرها، هذا الانسان اذا ارتبط بخالق في السماء وامن بالقضاء والقدر وامن برساله محمديه، فان كل علم الاداره سيحتاج الي اعاده صياغه، غفل عن هذه الحقائق هؤلاء العلماء، ولا لوم عليهم ولكن اللوم علي علماء مسلمين لم يبروا اقلامهم للكتابه في اداره اسلاميه حديثه، جعلت المسلم يعتنق فكرًا غربيًا قد يشوبه ما يشوبه من الام ومصائب.

من قضيه التوحيد، خذ مثلاً قضيه الايمان بالرزق والاجل، هاتان القضيتان اللتان اذا اعتنقهما المسلم، وامن ان الرزق كالنفس وان لن تموت نفس حتي تستوفي اجلها ورزقها كانتا كفيلتين بان تُغيرا مجري سلوك الانسان عن شخص يعتقد ان الرزق لا يتاتي الا بالقوه وان الحياه هي غايه المنتهي.

يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: “ان الولد مجبنه مبخله” في اشاره الي ان سلوك الانسان في العمل او في اتخاذ القرار سيتاثر او سيكون احد الاعتبارات لدي الانسان في مؤسسته، هذا الانسان اذا لم يكن ايمانه بان الرزق هو من عند الله الذي امره بين الكاف والنون قد تقع عليه مؤثرات تجعله ينحني لقرارات تاتيه من اعلي خوفًا علي وظيفته التي يقوت بها عياله، واذا انحني الفرد والجماعه فُتحت ثغره الفساد التي منها قد ينخر المجتمع ككل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل