المحتوى الرئيسى

خمس روايات.. خمسة أفلام

04/12 20:28

ربما يشاهد البعض فيلما محكم البناء، متكامل في قصته وحبكته، فيقول لابد انه قائم علي روايه بالاصل، لكن متعه السرد الادبي ووصف الاحداث والتفاصيل عاده ما تختصرها الافلام في معالجتها للاعمال الروائيه، وهو ما يطرح مشكله اختلاف الوسيط وتباين تفاعل الجمهور مع المنتج النهائي لعمليه المعالجه. في الافلام تاتي جماليات جديده مع شريط الصوت والموسيقي والالوان والمونتاج، وكلّ ما تتيحه فسحه الخيال السينمائي.

الراويه والسينما فنان منفصلان، كل منهما له اسسه واجواؤه وحيثياته وبنيته الفنيه الخاصه به، لكن ثمه علاقه فنيه بينهما؛ اذ ان الكلمات تتحول علي يد السيناريست والمخرج الي صور نابضه حيه، ويتحول الفن المقروء الي فن مرئي ومسموع علي شكل لقطات سينمائيه موحيه ومؤثره. الروايه قد يقرؤها الف قارئ، بينما الفيلم الذي ينتج عن نفس الروايه من الممكن ان يشاهده الاف المشاهدين. كما ان الروايه تتغيّر عندما تتحول الي سينما، وهذا يتوقف علي رؤيه المخرج وكاتب السيناريو.

عاده ما يعتمد اختيار النص بشكل كبير علي رؤيه الشركه المنتجه، لكن الاصح دائماً ان يختار المخرج القصه الاقرب الي قلبه، التي يشعر بها عن قرب، كي يستطيع ان يعيد صياغتها سينمائياً بشكل متقن، وبالطبع ليست كل روايه ناجحه تصبح فيلماً ناجحاً، فتحويل روايه جميله الي فيلم جميل تحد غير بسيط بالنسبه لكاتب السيناريو، وكذلك للمخرج، فمهما كانا جيدين لن يتمكنا من صنع روايه سطحيه فيلما، او عملا دراميا يستحق المشاهده.

ونستعرض خمسه روايات ادبيه تحوّلت الي افلام ناجحه

نُشرت روايه "ان تقتل طائًرا بريًئا" لمؤلفتها الامريكيه هاربر لي لاول مره عام ٬1960 ومنذ نشرها اصبحت من اكثر الروايات مبيعا، واحتلت موقعا بارزا في تاريخ الادب الامريكي المعاصر، كما فازت بجائره "بوليتزر" للكتاب عام ٬1961 وطبع وبيع منها اكثر من 30 مليون نسخه.

الروايه مبنيه نوعا علي حياه الكاتبه ومشاهداتها وعلاقاتها بالعائله والجيران، وايضا علي حادث وقع قرب بلدتها عام 1936، حينما كانت في العاشره، وتم تحويلها الي فيلم من اخراج روبرت موليجان، رُشّح لثمان جوائز "اوسكار" عام 1962، وفاز بثلاث منها.

يعتبر الفيلم من افضل المعالجات السينمائيه اخلاصا للروايه الاصليه، حتي ان المؤلفه نفسها اُعجبت بالفيلم، واعتبرته ايقونه فنيه مساويه للروايه. البراعه الفنيه ما كانت لها ان تظهر لولا مقدره الممثلين علي تقديم اداءات متميزه: بطل الفيلم جريجوري بيك، الذي جسد دور المحامي "اتيكوس"، اخلص في تمثيل حركاته وطريقه نظراته وكيفيه تعامله مع ابنائه، الي جانب اداء دقيق ومتمكن من الطفل "جيم"، كما ان صوت "جريجوري بيك" كان مميزا في نقل الانفعالات البشريه الي المشاهد، وكذلك "جيم" والاداء العذب واللذيذ للطفله التي قامت بدور الراوي في الفيلم، الذي يعزز فضيله التسامح الانساني، وكيفيه استقبال الاطفال مفاهيم قاسيه ومؤذيه لعقولهم الصغيره، كالعنصريه والتعصب والعنف والجريمه. 

حققت روايه "دكتور زيفاجو" للاديب الروسي "بوريس پاسترناك" شهره مدوّيه، حين صدرت في ايطاليا عام 1957، ليحصل كاتبها علي جائزه "نوبل" في العام التالي علي صدورها، ورغم ان باسترناك لم يحتلّ مكانه كبيره في تاريخ الادب الروسي مثل بوشكين وجوركي وتشيكوف وتولستوي، فان هذه الروايه حققت له شهره عالميه تجاوزت كل هذه الاسماء، بعد ان ترجمت الي عشرات اللغات، واصبحت فيلما من اشهر افلام السينما العالميه.

قصه حب مفعمه بالرومانسيه، تجري احداثها بين عامي 1903 و1929، وهي اعوام الضياع والاضطرابات الدمويه في روسيا، حيث تدوّن لنا قصه الثوره البلشفيه من وجهه نظر تلك الشخصيه المثقفه والمتعمقه في فهم النفس البشريه: الطبيب والشاعر "يوري زيفاجو"، الذي ولد اواخر القرن التاسع عشر، وانهي دراسه الطب في اثناء الحرب العالميه الاولي.

فبينما يتغير المشهد السياسي ويسقط نظام القياصره الروس، تعكس علاقات دكتور "زيفاجو" الاضطراب السياسي الذي كان يسيطر في جميع الاوساط، نتيجه احداث الثوره، وكذلك الحرب العالميه الاولي، التي كانت تدور رحاها في تلك الفتره. لا تناقش الروايه الاحداث السياسيه، لكنها تركز علي التحوّلات الحاصله للافراد، الذين تجرفهم السياسه دون قدره علي احداث اي تغيير فيما يدور حولهم، وكيف تتغير المواقف وتتبدل الافكار بين الثوار قبل السلطه، والثوار بعد السلطه، وماذا تفعل السلطه في البشر.

اخرج الفيلم المخرج البريطاني ديفيد لين، وادّي دور الدكتور "زيفاغو" الممثل المصري عمر الشريف، والممثله جولي كريستي دور حبيبته "لارا"، فيما مثّلت جيرالدين تشابلن دور زوجته. والف الفرنسي موريس جار موسيقي الفيلم، الذي حاز علي خمس جوائز اوسكار.

The Bridges of Madison County

صدرت روايه "جسور مقاطعه ماديسون" لروبرت جيمس والر عام 1992، واصبحت من اكثر الروايات مبيعا وقتئذ، ربما بسبب مادتها الايروتيكيه التي اثارت فضول القرّاء حول العلاقه المحرّمه في وسط اجتماعي صارم (ولايه ايوا)، لا يتقبل نزوات احد افراده، ويعاقبه بالسمعه السيئه والقيل والقال اذا ما فكّر في تخطّي الحدود الاخلاقيه الشائعه.

لفتت الروايه انتباه الممثل والمخرج الامريكي كلينت ايستوود، فحوّلها الي فيلم بنفس العنوان عام 1995، يدور حول قصه زوجه اربعينيه من اصول ايطاليه، فرانشيسكا جونسونالتي "ميريل ستريب"، التي تجد نفسها في مفترق طرق، فتبدا بالتشكك في طريقه حياتها، ثم يسافر زوجها وابنها الي ولايه الينوي، لتجد نفسها وحيده.

تقابل بالصدفه رجلاً ضلّ طريقه، روبرت كينكايد "كلينت ايستوود"، يطلب منها ان تدلّه الي جسر روزمان من اجل تصويره لمجله "ناشيونال جيوجرافيك" فتوافق علي مضض، ثم ينشا بينهما اعجاب، ومن ثم حب فتتعلق به وتجد نفسها بين خيارين: ان تترك عائلتها وتهرب معه، او تهرب من قلبها وتختار عائلتها.

برقه ورهافه بالغتين، رسم ايستوود قصه حب في فيلمه المكاني بامتياز، متكئا علي تيمه الجسر بمعناها الحرفي والمجازي، حين تولّد المصادفه جسرا بين البطلين، يمكنهما عبوره لحياه افضل، لكن في نهايه الفيلم يفترقان عن بعضهما، ويصبح الجسر مكانا يحتفظ بذكري تعارفهما، تحته تبادلا التقاط الصور ومشاعر الحب.

عام 1996، نشر كاتب امريكي مغمور يدعي تشاك بولانيك روايته الاولي "نادي القتال"،  بعد روايه سابقه لم يجد من ينشرها. بولانيك، الذي ترك الاعلام وقرر التفرغ لكتابه الادب، قدّم في روايته لكمات قويه للنظام الاستهلاكي الحديث والروح الغربيه، وعلي غير المتوقع، لاقت الروايه نجاحا نقديا وجماهيريا ساحقا.

في عام 1999 تم تحويل الروايه الي فيلم من بطوله ادوارد نورتون، الذي قام بدور راوٍ غير مُسمّي، وبراد بيت، وحاز الفيلم علي اعجاب النقاد ايضا، لكن الغريب ان الفيلم لم يحصل الا علي جائزه اوسكار واحده عن الموسيقي التصويريه.

وابدي بولانيك اعجابه الغيور من سيناريو الفيلم، لتناوله قضايا زائده علي قضايا الروايه، الامر الذي جعله بمثابه انجيل اناركي لشباب التسعينيات الغاضب في مواجهه المجتمع الراسمالي الممل، وتفريغ الغضب الطبيعي الناتج من الحياه في مجتمع كهذا.

قدّم المخرج الدؤوب ديفيد فينشر واحداً من الافلام المحفزه علي التفكير والتامل، في دراسته لواحده من اشد حالات الانفصام الشخصي تطرفا.

 وسط اجواء محبطه دفعته للتوقف خمس سنوات عن العمل السينمائي، قرر المخرج الامريكي ستانلي كوبريك العوده للاخراج، والعمل علي فيلم يحقق معادله النجاح الجماهيري والنقدي في الوقت ذاته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل