المحتوى الرئيسى

كلمات مشتعلة من مخيم اليرموك

04/10 11:58

"باني كون" والدخول علي الخط

رغم القذائف والرصاص لن اغادر

اكتب كلماتي هذه وانا بين ازيز الرصاص واصوات قذائف الـ"B7" في مداخل مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق وحتي ساحه "الريجي" المعروفه في المخيم، وتحديداً في الحاره الاولي في مخيم اليرموك المسماه بـ"حاره الفدائيه"، نسبه لوجود اعداد كبيره من شبابها من الذين التحقوا بالعمل الفدائي الفلسطيني منذ العام 1965.

اكتب كلماتي من مخيم اليرموك في عتمه هذا الليل والبرد القارس ولا اعرف ان كُنت سابقي علي قيد الحياه حتي يوم الغد، حيث القصف الشديد والرصاص يخترق الفضاء المحيط بمنازلنا، ونحن نكتب باستخدام محول تخزين كهربائي (شاحن) يعمل علي البطاريه.

اكتب كلماتي، وقد صَمّت اذني دوي القذائف المتقطعه وهي تلعلع وتثير الرعب والهلع عند من يسمعها، ولكن قدرنا كفلسطينيين اننا سمعنا اصواتها وتعودنا عليها وعلي اصوات كل قذائف الموت اللعينه منذ زمن طويل هو زمن الاشتباك في مسيره الثوره الفلسطينيه المعاصره، وخصوصاً اثناء حصار بيروت صيف العام 1982 عندما كنت شاباً جامعياً من بين الالوف المؤلفه من ابناء شعبي في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

فكيف نحن الان في مخيم اليرموك وتحت ازيز الرصاص، وكيف نقرا ما جري ويجري عندنا ونحن في عين العاصفه؟

في البدايه، لا بد من التذكير بان الشعب الفلسطيني في سوريا قد اشتق لنفسه منذ بدايه الاحداث في الازمه السوريه الداخليه، موقفاً متوازناً، اخلاقياً، ووطنياً، وقومياً في الوقت نفسه، وقد بني اَعمده موقفه باجماع وطني بالرغم من وجود اجتهادات ومواقف لبعض القوي كان بعضٌ منها يغرد خارج السرب، الا ان ضغط الشارع استوجب من الجميع بناء الموقف المتوازن اياه، انطلاقاً من المصلحه الوطنيه العامه لعموم الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني، اللذين ربطتهما علي الدوام علاقه اكبر من ان تفرق بينهما، فهما في نهايه المطاف شَعبٌ واحدٌ في بلاد الشام التي قسمها وفرقها الثنائي (سايكس-بيكو) عام 1916.

وعليه، فان مخيم اليرموك وفضاءه الفلسطيني كان حتي الايام الاخيره ملاذاً امناً لاشقائه من ابناء سوريا من مناطق التوتر المحيطه به، وقد قدم لهم كل ما يستطيع من رعايه وخدمات تامه وحضن دافئ لشعب شقيق كان قد مد يده لشعبنا بكل الفه ومحبه عام النكبه عندما دخل الي سوريا نحو 90 الف لاجئ فلسطيني من شمال فلسطين، من لواء الجليل ولواء حيفا ولواء يافا.

صمم ابناء المخيم ان يبقي اليرموك ملاذاً امناً للجميع، فكان السعي المستمر لاخراجه خارج مفاعيل الازمه السوريه، مع مبادره مواطنيه للعب دور ايجابي في مسار الازمه السوريه. فمخيم اليرموك، وحساسيه تموضعه الجغرافي كحي كبير ملاصق لمدينه دمشق من جهه الجنوب، فرضت علي الجميع الانتباه لضروره بقائه خارج اطار ما يجري، وقيام مواطنيه بلعب دور ايجابي علي صعيد اغاثه ومساعده ابناء المناطق المجاوره علي كل الاصعده وبكل السبل المتاحه والممكنه.

احداث مخيم اليرموك الاخيره، جعلت معظم سكانه يغادرونه علي عجل منذ يوم الاثنين الواقع في السادس عشر من ديسمبر/كانون الاول 2012، حيث اشتعلت الشوارع الرئيسيه في المخيم ومداخله الجنوبيه والشرقيه بالاشتباكات العنيفه، التي ترافقت مع هطول القذائف العشوائيه من مدافع المورتر(الهاون).

مشاهد خروج الناس عبر المدخل الرئيسي للمخيم من شارع اليرموك نحو مناطق قلب مدينه دمشق، كانت حزينه ومُبكيه، ومثيره للالم في رحله لجوء ثانيه وتغريبة فلسطينية جديده، استحضر معها الفلسطينيون الام الماضي وهوان اللجوء وذله. فقد كان من بين هؤلاء الناس الخارجين من مخيم اليرموك من كان طفلاً او شاباً ممن شَهِدَ نكبه العام 1948، في صوره كادت تكون مُطابقه لاهوال النكبه التي ما زالت تجرجر ماسيها علي الشعب الفلسطيني في "دياسبورا" المنافي والشتات.

"باني كون" والدخول علي الخط

كاتب هذا السطور خرج لساعات محدوده من المخيم لاخراج والدته التي بلغت من العمر عتياً (90 عاما)، لايصالها لمنطقه امنه في مدينه دمشق، وهي التي كانت من بين الوف الفلسطينيين ممن عاش النكبه ولحظات الخروج من مدينه حيفا في الثاني والعشرين من ابريل/نيسان عام 1948.

عوده كاتب السطور كانت سريعه لمخيم اليرموك مع غيره من ابناء المخيم، فهو الحضن الدافئ والوطن المعنوي لنا، الذي لا يستطيع اي من ابنائه ان يعيش دون وجوده داخله وبين شبابه وشبانه ومواطنيه الفلسطينيين والسوريين علي حد سواء.

هو مخيم اليرموك، مخيم الفدائيين، اول الرصاص، واول التحدي الفلسطيني في مسيره الثوره الفلسطينيه المعاصره. مخيم ينبض بالحياه ليل نهار. فكان علي من بقي في المخيم، من شبابه ونشطائه، وبالتعاون مع الهيئات والجهات الفلسطينيه الموجوده بدمشق، ان يعملوا سوياً لاعاده الامور كما كانت عليها في المخيم، ودعوه كل القوي والفصائل للمبادره من اجل دفع من خرج منه للعوده اليه، وبنفس الوقت اجراء كل الاتصالات الممكنه وعلي اعلي مستوياتها من اجل انقاذ مخيم اليرموك، ومنع التطاحن الدموي في شوارعه ووقف القصف عليه. وقد وصلت تلك الاتصالات للامين العام للامم المتحده، بان كي مون، عبر وكاله الاونروا وعبر الجهات الفلسطينيه المعنيه، اضافه لتدخل المبعوث الدولي في سوريه، الاخضر الابراهيمي، مع الجهات السوريه المختلفه ومنها قيادات المعارضه في الخارج كما تشير المعلومات المتوفره والمؤكده بين ايدينا.

ان كل تلك الجهود اسفرت حتي هذه اللحظه عن تفادي معركه كبري طاحنه، كان يُتوقع لها ان تَذهب بالمخيم من الوجود -لا سمح الله- حال وقعت. وهو ما يتطلب دفع عموم الفصائل والقوي لمواصله اتصالاتها لاخراج مخيم اليرموك من دائره العنف، واعادته كما كان ملاذاً ومتنفساً امناً للجميع.

رغم القذائف والرصاص لن اغادر

وفي هذا السياق، عملت مجموعه من الشباب والنشطاء ممن بقي في المخيم علي تاسيس لجنه داخله، والتواصل بين اعضائها لفتح طريق العوده للجميع. فقد كان لزاماً علي تلك المجموعات ان تبادر لالتقاط اللحظه، ومغادره الخلل، والاسراع بانقاذ الموقف، فكانت فكره الدعوه للعوده الجماعيه للمخيم لمن هم خارجه، حتي تحت نيران القصف حال وقوعه فوق رؤوس الناس.

المظاهره التي جرت في مخيم اليرموك كانت بدايه العوده لاكثر من 65% من ابنائه، فيما تتواصل الجهود لاعاده جميع من غادره منهم، رافعين شعار: انا لن اغادر!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل