المحتوى الرئيسى

فيلم "امرأة من ذهب": هل أدت هيلين ميرين أفضل أدوارها؟

04/09 07:13

تلعب "هيلين ميرين" دور امراه يهوديه استولي النازيون علي لوحه مشهوره تعود لعائلتها. هل يقدم الفيلم عرضا يتسم بالعاطفيه ام بالموضوعيه؟ الناقد السينمائي اوين غلايبرمان يعرض رؤيته النقديه لذلك الفيلم.

غالبا ما يقال، وذلك صحيح، ان اختيار الممثلات لاداء ادوار سينمائيه يصبح محدودا بشكل متزايد مع بلوغهن عمرا معينا، مثل سن الاربعين. لكنك لن تفكر في ذلك ابداً عندما تظهر الممثله هيلين ميرين علي الشاشه.

ستبلغ ميرين عقدها السابع في شهر يوليو/تموز القادم، ومثل زميلتها العظيمه ميريل ستريب (التي تبلغ 65 عاماً)، فقد جابهت وجهاً لوجه ممارسات التضييق المتحيزه ضد المراه في صناعه السينما.

انها تجابه كل دور، مهما كان ثانوياً، وكانه دور سيستمر لكل الاعمار. فعندما كانت ستريب تلوح في الافق باطلاق العنان لادوارها، بعد ان ادت دوراً مبهجاً لشخصيه "مارغريت تاتشر" و "جوليا تشايلد"، ودور الساحره في فيلم "في الغابات"، لم تكن ميرين تحصل علي التقدير الكافي، سواء بعد لعب دور المحتشمه، والداهيه في نفس الوقت في فيلم "اليزابيث الثانيه"، في دور ملكه بريطانيا، او بعد دور القاتله ذات الوجه الجامد في سلسه افلام "الاحمر".

اما في فيلم العام الماضي الذي لاقي نجاحاً باهراً "رحله المئه قدم"، فقد تقمّصت فيه ميرين دور صاحبه مطعم فرنسي مخضرمه لم يكن باستطاعتها ان تتقبل فكره منافسه مطعم هندي لها في نفس الشارع.

عندما شاهدت ذلك الاداء، قلت في نفسي: اذا لم تنتبه ميرين لحالها، فقد ينتهي بها المطاف الي تحولها الي ارمله غنيه ذات شخصيه صعبه، لكن محبوبه، مثل "جودي دينتش"، العشيقه التي تظهر بشكل فكاهي.

لم يكن هناك داعٍ لكي اقلق. في فيلم "امراه من ذهب"، وهي دراما تاريخيه منعشه اخرجها سايمون كيرتس (مخرج فيلم "اسبوعي مع مارلين)، تتحدث ميرين بلكنه نمساويه قويه وهي تلعب دور امراه مشاكسه، متجبره، جريئه، طروب، اضافه الي الكثير من الصفات الاخري. لا تستطيع النيل منها!

وهذا ما يجعلك تقول ان الشخصيه، في بدايتها، تبدو وكانها تتبع وصفه من كتاب للطبخ لارضاء شهيه بعض عشاق السينما. تظهر دوماً وهي تراوغ باسلوب محبوب جداً. الا ان الفيلم يظهر دهاءً اكثر مما تتصور، وينطبق هذا علي اداء ميرين ايضاً.

تقوم ميرين باداء دور ماريا التمان، احدي الناجيات من الاباده الجماعيه لليهود، اللاتي خلقن لانفسهن حياه هادئه في لوس انجليس، حيث تدير محلاً لبيع الملابس النسائيه. في اواسط تسعينيات القرن المنصرم، عندما تغيرت قوانين التعويض النمساويه، علمت "ماريا" انها قد تكون المالك الشرعي لعده لوحات رسمها الفنان "غوستاف كليمت"، وخاصه لوحته المرسومه عام 1907 لخالتها، "اديل بلوك-باور" وهي لوحه مرصعه بالذهب.

كانت تلك اللوحه قد عُلّقت علي احد الجدران بمنزل عائله "ماريا" اليهوديه الثريه. ولكن قبل بدء الحرب العالميه الثانيه، استولي عليها النازيون الذين نهبوا بيت "ماريا"، واعتقلوا ثم قتلوا اقاربها. في تلك الاثناء، هربت مع خطيبها، مغني الاوبرا، الي الولايات المتحده الامريكيه.

وضع ذلك الفيلم في اطار لتدور احداثه وسط توتر شديد داخل قاعات المحاكم. القصه التي حاكها "ديفيد وغولياث" ينبغي فيها التغلب علي عملاق اضخم من مجرد شركه كبري او وكاله استخباراتيه، وهي الحكومه النمساويه باكملها. وهي الحكومه التي تعتبر لوحه "كليمت" جزءا لا يتجزا من الهويه الثقافيه للامه: ليس اقل من لوحه "موناليزا" نمساويه.

في كل يوم يمر، تجذب اللوحه اليها حشوداً من اناس يحدقون بها في متحف "بيلفيدير" في فيينا. تُري، هل تستطيع "ماريا" ان تختطفها من يد النمساويين؟ ولماذا، بالضبط، تريد ان تقوم بذلك؟

ان اقوي العناصر في ذلك الفيلم هو ادراكه الخصب للصوره الاعمّ والاشمل. فمع ان ثمن اللوحه يُقدّر بنحو 100 مليون دولار امريكي، الا ان "ماريا" لا تسعي وراء المال بشكل اساسي، كما في الفيلم.

واذا ما ربحت ماريا القضيه، فليست لديها ايه نيه لتعليق لوحه للفنان "كليمت" علي احد جدران صالون منزلها. انها تريد استعاده شيء ’يعود‘ لعائلتها – ولكن في نفس الوقت يعود للعالم اجمع، وليس فقط للنمساويين، الذين بمطالبتهم باللوحه (حسب الفيلم) يبينون تواطؤا نشطاً مع النازيين الذين سرقوها في المقام الاول.

ان ذلك الفيلم يعد فيلما مثيرا باحداثه، وهو في حقيقته دراسه للارث الخفي لممارسه التواطؤ.

وعند البحث عن شخص يمكن الوثوق به، تنتقي ماريا محامياً قليل التجربه يعمل في شركه محاماه في لوس انجليس، وهو راندول شوينبيرغ (يقوم بدوره الفنان رايان رينولدز). وقع اختيارها عليه لانه ابن رجل تعرفه معرفه شخصيه – ولانه ايضاً حفيد ارنولد شوينبيرغ، المؤلف الموسيقي المستنير، الذي كان صديقاً لعائلتها.

وبما ان الفيلم يصور قصيه حقيقيه، فانه لا يحتاج لتجميل الحقائق، مع ان الكثير من الافلام المشابهه تقوم بذلك بالضبط. اذ يقدر مخرج الفيلم، سايمون كيرتس، وكاتب السيناريو، اليكسي كاي كامبل، ذكاء جمهور المتفرجين، وذلك بتفاديهما للمراوغات والخدع الميلودراميه.

عندما تزور ماريا مع راندول النمسا لرفع دعواها القضائيه، تبرز الدراما التفاصيل البيروقراطيه المرتبطه بمثل ذلك النزاع القانوني. مثلاً، يكتشف راندول وجود وصيتين منفصلتين، وقد ظهر ان وصيه منهما ليس لها سند قانوني، بينما تدل الثانيه علي الوريث الشرعي.

تمثل ميرين دور ماريا باعتبارها امراه قويه ومتّسمه بالواقعيه بشكل لا يقاوم، وخاصه عندما تنهي بسرعه جمله تقول فيها "انا ذاهبه الي ’بيلفدير‘ لازور خالتي. فالبطاقه البريديه غير منصفه بحقها!".

وفي نفس الوقت، فانها تولد احساساً بان الفيلم مسكونٌ من الماضي. ان اكثر مشاهدها البليغه في التمثيل هي عندما لا تنطق بايه كلمه، عندما تستعمل عينيها اللامعتين لترينا كيف كانت ذكريات ماريا عن النازيين جرحاً نازفاً لن يلتئم ابداً، لانها لن تسمح بذلك.

ويُظهر الفيلم مشاهد عديده من ذكريات الماضي عن هجوم النازيين علي منزل عائله ماريا. وفي حين كان يمكن لهذه المشاهد ان تكون رتيبه بوحشيتها، الا ان "كيرتس" يجعلها تبدو وكانها حصلت الان، ويمتزج فيها الخوف مع احساس بعدم واقعيتها.

لعل رايان رينولدز كان اخر ممثل في العالم يخطر ببالي ليقوم بدور حفيد ارنولد شوينبيرغ. لكنه ممثل محبوب تنجذب اليه بقوه، كما انه يلقي الضوء علي شخصيه "راندول" وسرعه بديهته، وهو بذلك يقوم بدور جيد في حضور جاذبيه ووقار ميرين.

لم استوعب قطّ تفاني "راندول" في قضيه تتوالي وقائعها لتطول لنحو عقد من الزمن. بل انك لا تحتاج الي ذلك لكي يؤدي الفيلم غرضه. وتمكن رايان من ان يصور بشكل مقنع عقليه محامٍ يعمل بضمير، وهو الاداه اللازمه لدراما حقيقيه تدور احداثها في قاعه المحكمه.

في فيلم "امراه من ذهب"، تاخذ الاخلاقيات اماكنها بدقه متناهيه، في حين يشكل عنصر التشويق- فيما اذا كانت ماريا ستفوز بالقضيه ام لا- نصف الحكايه.

يتناول الفيلم موضوعاً حاول جورج كلووني ان يعالجه في فيلم "رجال الاثار" ولكنه فشل– وبالتحديد، فيما يتعلق بقصد النازيين بالضبط من سرقه الاعمال الفنيه، عدا كون ذلك لصوصيه بشعه.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل