المحتوى الرئيسى

"إيما" و"أديل".. الكثير من الجنس لكن هناك طعام أيضا

04/09 02:42

بعيداً عن الضجه التي اثارها فيلم المخرج الفرنسي التونسي عبد اللطيف كشيش "حياه اديل" بسبب جراته، فان مشاهده اخري للفيلم تحثّ علي محاوله استبطان ما هو ابعد، في فيلم يصوّر بواقعيه يوميات مراهقه بين دراستها المدرسيه وحياتها الليليّه، والبحث عن هويتها الجنسيه، وعلاقتها بمحيطها العائلي والمدرسي، والرغبه في التحقّق والتحرّر.

قبل ثماني سنوات انجز كشيش «كسكسي بالبوري» مرتكزاً في قصته بالاساس علي حفل مرتقب وترتيبات اعداد الطعام والشراب له. وفي «حياه اديل» يجد مساحه لشغفه بالطعام يبداها من بطلته التي تاكل الاسباجيتي بشراهه تشابه احلامها واقبالها علي القراءه. سيظهر طبق الاسباجيتي بالصلصة الحمراء بعد ذلك ثلاث مرّات في الفيلم.

مشاهد الطعام تزيد من فهمنا للشخصيات وحياتها الداخليه وتضمّن بداخلها خلفياتها الثقافيه وتقاليد اجتماعيه موروثه. مقارنه بسيطه بين عائلتي اديل وايما حين تعزم ضيفاً علي العشاء تبرز الكثير.

تنتهز كلتا العائلتين الفرصه للتعرّف اكثر علي ابنائهما خلال الحديث اثناء تناول الطعام. والدا ايما اكثر ليبراليه، ليس فقط من ناحيه قبولهما ميول ابنتهما الجنسيه ولكن في تقاليدهما المتعلقه باعداد الطعام: الضيوف والمضيفون يتشاركون الطبخ، وكل منهم له الحريه لاضافه ما يتراءي له اضافته الي مكونات الاكل، بينما في منزل اديل تبدو الادوار محدده والقواعد اكثر صرامه.

دوره الكلام تبدو متشابهه في كلا المنزلين، حيث تزداد جديه المحادثه بانتهاء الاكل وفيما يذهب الحديث في منزل اديل الي مناقشه بخصوص كسب العيش، فانه ياخذ منحي فكرياً في منزل ايما. في كلتا الحالتين نري توريثاً للقيم من جيل الي اخر.

هذه المشاهد التي ترسم بالتفصيل تطور احداث يوميه وعاديه، يكون من الصعب تصوّر وجودها في فيلم اقصر عن نفس الشخصيات في نفس الفتره الزمنيه، اما البنيه الملحميه للعمل الفنّي فتسمح لنا برؤيه الاشياء الصغيره وحدس ما وراءها.

كشيش، في فيلمه الممتدّ لساعات ثلاث تقريبا، يصل لذلك الاستنتاج بخصوص العائلتين من خلال تفصيل صغير "محادثه ما بعد العشاء"، يعرض لنا لقطات قصيره ومختاره تكشف شخصيه كل فرد علي مائده الطعام وتظهر قيم العائله في روتينها اليومي. ذلك الانصهار بين التفكير والسلوك ربما يبيّن صعوبه انفصال الافراد عن جذورهم، فرفض قيم عائلتك غالبا ما يعني رفضا لسلوكها، الامر الذي يعطي ظلالاً لحياتنا بطريقه لا ندركها.

لكن كشيش يدرك تاثير ذلك في مشهد العشاء في النصف الثاني من الفيلم، حيث بعد سنوات عده يقام حفل في شقه ايما واديل بمناسبه اكمال الاخيره دراستها العليا. يبدو المشهد نسخه مكبّره من العشاء الذي تابعناه في منزل والدي ايما في الجزء الاول: الجو مرح وبهيج، المحادثات حرّه ومتشعبه، الضيوف اغلبهم من المثقفين والفنانين.

وسط تلك الاجواء نشعر باديل واحساسها بالابتعاد (او الاستبعاد) من الحفل رغم اخلاصها في تحضير كامل الطعام المقدّم لضيوف السهره؛ ربما ذلك هو السبب الحقيقيي الكامن وراء غضبها: لقد احتفظت اديل -دون ان تدرك- بعاده والديها في التفريق بين المتعه والعمل، وهو ما لا يتناسب مع المشهد الاجتماعي الذي تحيا فيه شريكتها. انها مساله وقت فقط كي تتصدّع علاقتهما العاطفيه وتتهاوي.

اديل فتاه منحدره من اصول بسيطه في الشمال الفرنسي وكشيش يؤكد علي ذلك، يمكن لناقد ماركسي ان يقدّم تحليلا طبقياً لمشهد العشاء في شقه والديها. دخولها في عالم ايما -الفنانه، المثقفه، ابنه الطبقه المتوسطه الفرنسيه- يبدو شاذاً رغم الترحيب الذي تلقاه من اسره حبيبتها والذي يمكن اعتباره اعجابا بتلك "الفتاه رائعه الجمال الاتيه من الضواحي"، افتتان برجوازي بالاكزوتيك التي يشجعونها علي ان تصبح "مبدعه" مثلهم.

بعد انقضاء فتره البدايات الورديه في علاقتهما، تبدا التصدعات في الظهور حين ينتقل الزوجان لشقه ايما، وتخفي اديل علاقتها بها عن زميلاتها في المدرسه، الي ان تتطوّر الامور وتتشاجر معهن حين يعايرنها بمثليتها.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل